عيسى قراقع - النجاح الإخباري - صباح الخير يا ميلاد، يا أجمل بنات فلسطين، فالجمال عبادة عندما تصبح الحياة أقوى من كل ‏أشكال الإبادة.‏
صباح الخير يا ميلاد أيها النطفة المحررة، ايتها القنبلة الإنسانية التي انفجرت في وجه دولة ‏إسرائيل، لم يتوقع جنرالات الحرب ان تتحرري من ضلوع اباك وليد دقة المحشور والمأسور منذ 37 ‏عاما، هناك حبل سري بين السجن والحب والولادة.‏
صباح الخير يا ميلاد ايتها الطفلة المولودة من الروح المتمردة، المحمولة بالأمنيات، الملقحة بماء ‏السماء، تكسرين الاغلال، يتحرر زمن السجن القاسي، انت ابنة الغد، السلام والنهر والطائر ‏المولود من ظلمة وقطعة من برق وقمر.‏
صباح الخير يا ميلاد، صباح الخير يا أطفال النطف المحررة، ايتها المعجزات الفلسطينيات ‏المحكمات المنزلات من غيب وظلام وسماء ومطر، من فوق السياج، من تحت الاسمنت، من ‏شعب عظيم يصنع مصيره بنطفة وحجر.‏
ها انت تكبرين يا ميلاد، اقترب عمرك من العامين، شهادة ميلادك مسجلة في تلك الملحمة التي ‏يخوضها اباك وآلاف الأسرى، اسمك محفور بالماء والنار والملح والإرادة، لست بحاجة ان تسجلك ‏وزارة الداخلية الإسرائيلية، لست بحاجة الى اعتراف منهم، فالحرية سيادة.‏
صباح الخير يا ميلاد، أنت المشهد الأخير الذي عبر قوس النصر تحت شمس فلسطين، ولست ‏ذلك المشهد المشوه في فيلم (أميرة) والذي تماشى مع الرواية الصهيونية في حربها على الأسرى وهم ‏يجترحون اعجازاتهم البطولية.‏
البطلة أنت يا ميلاد، بيان الشرعية النضالية والمقاومة، أنت اللحم والدم والكلمات التي تبني بيتا ‏وعائلة، تزرع وردا وتبتسم للحياة القادمة.
صباح الخير يا ميلاد، ايتها النطفة المحررة الخصيبة، دولة إسرائيل دولة عاقر، تلملم وجودها من ‏شظايانا وجثثنا، تقتلنا وتسفك دمنا لتنجب دولة فاشية طاغية.‏
ها أنت تكبرين يا ميلاد، الشجرة تنمو وتثمر، ها أنت تركضين وتقرأين وتحفظين الأسماء، ما ‏أجملك، تحررين أقدم اسير في التاريخ وهو المستقبل، تخلقين عمرا آخر لوالدك وأمك، بينما ‏الإسرائيليون تتراجع أعمارهم كلما رأوك من فوهة بندقية.‏
من أين جئت يا ميلاد؟ من فتحة باب مصفح في سجن جلبوع، من فكرة في نهر والنهر يجري، ‏نطفة في حياة، والحياة أوسع من سجن هدمته معلقة.‏
ميلاد تجاوزت التفتيشات، فقزت عن الاسوار، لم ترها أبراج المراقبة واعين الحراس، حملت في فمها ‏مفرداتها الأولى وكلمات ابيها الدافئة، عشرون اصبعا وسيلا من الحليب يصب في جسد الرضيعة ‏الصغيرة.‏
سبحان الذي اخرج الحي من الميت والميت من الحي، واعلن ان الجلاد الإسرائيلي لم يتنصر على ‏إرادة الأسرى، هناك سر للزيت وللطيف وللسيف، هناك خصوبة في الحديد، رائحة نعنع في حبات ‏الملح، هناك نور وايمان وسرير لأطفالنا القادمين.
ميلاد وكل أطفال النطف المحررة تحولوا الى وعد مبارك للصامدين والمرابطين، اسقطوا برنامج ‏الوقت في زمن المؤبد، مزقوا لائحة الاتهام، انتصرت براءتهم على لغة النار ووجنون المحكمة.‏
صباح الخير يا ميلاد، يا جمرة الدم في جسد الشهيد، يا نشيد الحرية في روح الأسير، يا نهارا يطل ‏من وراء الجدران العالية، يا خلية فدائية تشكل أعضائها وبرنامجها في لقاء حب بين البعيد ‏والقريب، حكايتنا تستعيد فصولها وتنسف بنطفة دبابة المستعمرين.‏
صباح الخير يا ميلاد، انت الحقيقي والحقيقي لا يموت، لست بحاجة الى فيلم وكاميرا، لست ‏بحاجة الى جدل ونقاش واسئلة، اسمك واضح: ميلاد وليد دقة، وامك اسمها سناء، تسكنين قرية باقة ‏الغربية، مدينة الدوالي والالهة، اعطاك البحر المتوسط قوة الموج والذاكرة.‏
صباح الخير يا ميلاد، أنت طفلة ولكنك تداهمين وتحاصرين تل أبيب، الحكومة والجيش والامن ‏والبرلمان والاستخبارات وعصابات المستوطنين، حالة استنفار في صفوف المحتلين، أنت طفلة ‏لكنك صرخة حي خرج من غياهب الموت والمقبرة، انت طفلة لكنك هذه الرعشة والهزة والصحوة ‏والثورة المقبلة.‏
أطفالنا ليسوا هؤلاء الفلاشا المشكوك في نسبهم اليهودي، ليسوا هؤلاء العابرين القادمين من كل ‏جنس وعرق وطائفة ولغات مختلفة، لم يندمجوا في هوية وتاريخ وحضارة إنسانية، اندمجوا في ‏المعسكرات والغزوات، اختلقوا لهم سردية وقومية، أطفالنا من صلبنا رائحة دمنا المتوقد وطين بلادنا ‏الذي يعرفنا، انتماؤنا العميق الى ملامحنا وتراثنا واسماؤنا العربية.‏
صباح الخير يا ميلاد، وانت تعلنين ان يوم 13-8 من كل عام هو اليوم العالمي الإنساني لصنع ‏الحياة من العدم، اليوم من العام 2012 الذي ولد فيه اول طفل فلسطيني بالنطف المهربة من داخل ‏السجون وهو مهند ابن الأسير عمار الزبن، انه يوم المعجزات الفلسطينية، تتكامل الأعضاء كلها: ‏الام والأب والشرف والكبرياء والحرية.‏
صباح الخير يا ميلاد، كنت الأقوى والاسبق في القرار وفي التكوين وفي الانبعاث من الرماد، وكان ‏الإسرائيليون يعتقدون ان الجيوش والطائرات والحروب والسجون تصنع امرا واقعا وتبني دولا ‏وحضارات، لكنهم وجدوا ان عمرك أطول من عمرهم وابقى، انت ابنة الاحلام والذكريات والاجداد ‏والانبياء، ابنة هذه الأرض العصية على الخضوع والمساومات.‏
صباح الخير يا ميلاد، لنا زمن موازي، زمن الاسرى الآخر الذي لا يراه السجانون، قال وليد دقة ‏وهو يزغرد فرحا عندما ولدت ابنته ميلاد بعد مخاض عسير، لنا قوتنا الروحية الداخلية الكفيلة ان ‏تهزم نظام السجن والسيطرة وتجريد الاسرى من انسانيتهم، لنا قول آخر في هذا الصراع، لنا وثبة ‏وقفزة ونكافة ونصر ترفعه ميلاد عاليا على علم وكوفية.‏