نابلس - النجاح الإخباري - بين أزقة البلدة القديمة في مدينة نابلس، ينشغل الثمانيني بهجت قاسم زبلح “أبو بهيج” في كيِّ بعض الملابس لزبائنه المعتادين داخل محل قديم متواضع، في ممر ضيق عند نهاية سوق البصل الشهير، حيث تتسلل هناك ألحان ام كلثوم والعندليب الأسمر إلى مسامع الناس في السوق.

كل شيء في المحل يدل على ذكريات جميلة من زمن العراقة والأصالة  "المقاعد الخشبية المهترئة، العلاقات الخشبية التي تعود لعشرات السنين ،أول مكواه استعملها زبلح في مهنته، المذياع، أشرطة الكاسيت، بابور الكاز الذي تجاوز عمره 60 عاما"، فمحل أبو بهيج يحمل في ثناياه تفاصيل الماضي الأصيل.

يبدأ زبلح بسرد تفاصيل روايته ل"النجاح الإخباري" برفضه العمل في مهنة والده (تبييض النحاس)  فاختار العمل بكي الملابس وهو في الرابعة عشر من عمره ؛ تلبية لرغبة والدته وكونها أكثر سهولة ومتعة، فعمل في أول محل كي بجانب الدراسة ثم انتقل إلى الثاني ثم الثالث حتى الاتقان ثم فَضَّل العمل على الدراسة فترك مدرسته "مدرسة الغزالية" بعد انهاء مرحلة الإعدادية وتمكن من فتح محله الخاص لكي الملابس عام 1970".

ويضيف زبلح أنه اعتاد على الاستيقاظ  فجراً كل يوم ثم الذهاب لعمله الساعة السابعة صباحاً ثم يعدل مزاجه على أنغام أم كلثوم، والاستماع إلى نشرة الأخبار الصباحية على المذياع وتناول رشفات من القهوة.

ويصف زبلح طريقة الكي القديمة التي كانت تتم عن طريق مكواتين من الحديد، ويجري تسخين المكواتين على بابور الكاز، وكانت عملية الكي تستغرق وقتا طويلا قرابة النصف ساعة للقطعة الواحدة، وبعد مرور عدة أعوام حلت المكواه البخارية وبات الكي يستغرق بضع دقائق".

ويوضح زبلح  في أن إقبال الزبائن اختلف عن الماضي، فقديما كان الإقبال كبيراً ومحله يمتلئ بالزبائن من نابلس وقراها، وعادة ينشط العمل في مواسم الأعياد والأعراس ويقل في موسم الشتاء، إلا أن ذلك تراجع  بفعل التطور التكنولوجي من جهة وتوفر مكواة في البيوت من جهة أخرى.

ويتابع حديثه "قديما كان يحتاج محل كي الملابس لثلاثة عمال أو أكثر، لكن اليوم في ظل التطور التكنولوجي عامل واحد يكفي".

وعلى الرغم من انتشار أماكن أكثر تطوراً وحداثة في الغسيل والكي، إلا أنه مازال يحتفظ بعدد قليل لابأس به من زبائنه، خصوصاً من كبار السن الذي يرتدون البدلة الرسمية الكلاسيكية القديمة.

وكمهنة لم ينصح زبلح أبناءه بتعلمها، ودعاهم إلى إكمال تعليمهم لأأن مهنة الكي هذه تحتضر، خاصة مع انتشار محال الغسيل والكي الآلية، كما أن لموقع المحل دور كبير، فالكثير من الناس يفضلون الذهاب إلى المراكز الحديثة بدلا من الدخول الى دهاليز وأزقة البلدة القديمة.