نابلس - خير الله خير الله - النجاح الإخباري - إذا كان إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان في اتجاه مستوطنة «كريات شمونة» ومزارع شبعا يعني شيئا، فهو يعني أن لا وجود سوى لمرجعيّة واحدة تتحكّم بلبنان هي «حزب الله». هذا كلّ ما يمكن استخلاصه من الأحداث الأخيرة التي شهدها جنوب لبنان…
ليس «حزب الله» سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني عناصره لبنانيّة. كلّ ما في الأمر، في حال أردنا تبسيط الأمور، أنّ «العهد القويّ» القائم منذ الحادي والثلاثين من تشرين الأوّل 2016 ليس سوى «عهد حزب الله». يتأكّد يوما بعد يوم أنّ الحزب درس شخصيّة ميشال عون في العمق، طوال عشر سنوات، وصولا إلى فرضه رئيسا للجمهوريّة اللبنانية. عرف الحزب، ومن خلفه إيران، أن رئيس الجمهوريّة الحالي أفضل من يستطيع الوصول إلى التخلّص من الدولة اللبنانيّة ومؤسساتها ومن المسيحيين في لبنان.
في السنوات العشر، بين توقيع وثيقة مار مخايل في شباط 2006… وانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهوريّة، أثبت الأخير أنّه مستعد لتوفير كلّ غطاء مسيحي يحتاج إليه «حزب الله». شمل ذلك حرب صيف 2006 التي افتعلها الحزب واغتيال سامر حنّا الضابط الطيّار في الجيش اللبناني بحجة تحليقه في جنوب لبنان في منطقة محظورة على الجيش!
في كلّ الأحوال، إنّ ما يغطيه «العهد القويّ» حاليا ذو أبعاد إقليمية من جهة ويضع مصير لبنان كلّه على المحكّ من جهة أخرى. يؤكّد ذلك إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان في هذا التوقيت بالذات. هذه الصواريخ رسالة إيرانية. فحوى الرسالة أن لبنان جزء لا يتجزّأ من المعركة التي يخوضها النظام الإيراني من أجل تأكيد أن مشروعه التوسّعي لم يمت. ليس جنوب لبنان سوى قطاع غزّة الذي تنطلق منه صواريخ «حماس» بمجرد أن تضغط طهران على الزرّ. يحصل ذلك في وقت لا وجود لحكومة لبنانية ولا وجود لرئيس للجمهوريّة يستطيع وضع النقاط على الحروف عبر تأكيد أن لبنان ليس «حزب الله». استطاع «العهد القويّ» إزالة أيّ خيط رفيع كان يمكن أن يفصل بين «حزب الله» والقرار اللبناني… بين الحزب والدولة اللبنانية. هذا ما فهمه العرب جيّدا وباكرا.
من أجل وصول جبران باسيل إلى رئاسة الجمهوريّة، يبدو العهد مستعدا لكلّ شيء، بما في ذلك الاستسلام الكامل أمام «حزب الله». هذا ما يرفضه معظم اللبنانيّين الذين أثبتوا مجدّدا أن بينهم من هو مستعدّ لمواجهة «حزب الله». هذا ما أثبته أهل بلدة شويّا الدرزية في قضاء حاصبيّا عندما اعترضوا راجمة صواريخ تابعة لـ»حزب الله» مع عناصر كانت تتولّى أمر هذه الراجمة.
يكشف هذا الحادث الخطير أنّ روح المقاومة الحقيقيّة لم تمت بعد في لبنان. قد يكون البلد مات، لكنّ بين أهله من لا يزال يدافع عن ثقافة الحياة. هذا النوع من اللبنانيين يعرف جيّدا أن الاستسلام لثقافة الموت ليس خيارا، كذلك ليس خيارا أن يموت أهل الجنوب من أجل انتصار «الجمهوريّة الإسلامية» في إيران.
في النهاية، ليست هناك في لبنان مرجعيّة سياسيّة تدرك أين مصلحة لبنان. هناك فقط مرجعيّة سياسيّة مستعدّة للرضوخ لما يطلبه «حزب الله».
ثمّة من سيقول، إن الاعتراض على تصرّفات «حزب الله» هو الطريق الأقصر إلى اشتباك معه يهدّد السلم الأهلي. هذا منطق من برّر في أيّار 2008 غزوة «حزب الله» لبيروت والجبل من أجل إخضاع أهل السنّة والدروز… وإخراجهم من المعادلة السياسيّة اللبنانيّة نهائيا بغية استكمال سيطرة إيران على لبنان وضمّه إلى ما يسمّى «جبهة الممانعة».
أقلّ ما يمكن قوله، إنّ الاستسلام لـ»حزب الله» لا يحمي لبنان بمقدار ما يجرّه إلى المزيد من الاستسلام، أي إلى الاضمحلال. ليس النهج الذي يسير فيه «العهد القويّ» غير نهج أخذ لبنان إلى الاضمحلال. حسنا، إنّ الرئيس السابق ميشال سليمان كان بين 2008 و2014 في قصر بعبدا. معروف في أيّ ظروف وصل سليمان، الذي كان قائدا للجيش في أثناء غزوتي بيروت والجبل، إلى رئاسة الجمهوريّة. كافأ «حزب الله» سليمان على وقوفه على الحياد، طالبا من ميشال عون انتظار دوره في الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة.
لا يمنع أن سليمان لم يذهب إلى النهاية في الاستسلام لـ»حزب الله». بادر إلى إصدار إعلان بعبدا الذي يدعو بطريقة أو بأخرى إلى تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية. ما لبث «حزب الله» أن سحب توقيعه عن الإعلان. بالنسبة إلى الحزب، الخيار اللبناني واضح كلّ الوضوح. لبنان ورقة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.
أخيرا، رضخ لبنان وقبل أن يكون قطاع غزّة آخر. هذا القطاع الذي تحكمه «حماس» منذ العام 2007 والذي تحوّل إلى مجرّد «إمارة إسلاميّة» على الطريقة الطالبانية، نسبة إلى طالبان. ما وظيفة قطاع غزّة؟ الوظيفة الوحيدة له، إظهار أن إيران تمتلك صواريخ تستطيع إيصالها إلى تل أبيب. قد تكون هذه الوظيفة تغيّرت، الآن، مع تنشيط الدور المصري في القطاع.
ليس أمام لبنان سوى خيار واحد. هذا الخيار لن يقدم عليه «العهد القويّ». يتمثّل هذا الخيار في إعلان رئيس الجمهوريّة، هذا إذا كان بقي شيء من الجمهوريّة، أن لبنان ليس قاعدة صواريخ إيرانيّة.
بكلام أوضح، يفترض في لبنان تأكيد أنّه ليس قطاع غزّة وليس الجزء اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون الذين لا يتوقفون عن توجيه صواريخهم وطائراتهم المسيّرة إلى أهداف مدنيّة في المملكة العربيّة السعودية.
على ماذا يراهن «العهد القويّ» الذي لم يفعل شيئا من أجل منع تفجير مرفأ بيروت قبل سنة؟ راهن العهد على تمييع التحقيق في التفجير وذلك كي لا تكشف حقيقة من أتى بنيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت ومن خزّنها في العنبر الرقم 12 ومن أخرج الكميات المطلوب إخراجها منه.
يراهن «العهد القويّ» على سراب، سراب انتصار إيران في المعركة التي تخوضها مع المجتمع الدولي من جهة وعلى صفقة بينها وبين الإدارة الأميركيّة من جهة أخرى. إنّه رهان خاسر من ألفه إلى يائه. رهان سيكلّف لبنان الكثير بعدما صار «حزب الله» مرجعيته الأولى والأخيرة!