نابلس - محمد ياغي - النجاح الإخباري - لا أعرف إن كانت القيادة الفلسطينية ستتخذ قراراً بتأجيل الانتخابات أم أنها ستقرر إجراءها بغض النظر عن الموقف الإسرائيلي من مسألة مشاركة فلسطينيي القدس فيها.
كل ما أعرفه أن التجربة الفلسطينية تقول بأن علينا أن نتعلم من أخطائنا وأنه يحظر علينا أن نربط مصيرنا بما يقرره الاحتلال لنا.
بلا شك أن تاريخ الشعب الفلسطيني مليء بالعطاء والتضحيات العظيمة وان عشرات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من المعتقلين، والملايين ممن شردوا، وعشرات الآلاف من البيوت المهدمة لم تتمكن من إجبار شعبنا على التخلي عن حقوقه.
لكن ذلك لا يعني أن حركتنا الوطنية الفلسطينية لم ترتكب أخطاء جسيمة، لو تفادتها لما استمر الاحتلال جاثماً على صدورنا الى يومنا هذا.
تواجدت المقاومة المسلحة في الأردن في نهاية ستينيات القرن الماضي، ورغم إدراكها بأن الأردن لن يسمح بوجود سلطتين على أرضه إلا أنها لم تستفد من الوقت المتاح لها لبناء قواعدها المسلحة في الأرض المحتلة.
عندما انتقلت المقاومة الى لبنان، كانت القيادة الفلسطينية تدرك أن تجربة الأردن يمكن أن تتكرر في لبنان. ورغم الدرس المستفاد من تجربة الأردن، تم تكرار نفس الخطأ بتجاهل التركيز على نقل المقاومة المسلحة الى الأرض المحتلة والاكتفاء بالمقاومة عبر الحدود اللبنانية التي سرعان ما خسرناها لتنتهي تجربة المقاومة من الخارج بعد سبعة عشر عاما على بدئها.
عندما انطلقت المقاومة الشعبية في الأراضي المحتلة العام ١٩٨٧ لم تتركها القيادة الفلسطينية تستمر حتى تحصد ثمارها السياسية وقامت بالالتفاف عليها وعلى الوفد الفلسطيني الذي كان يفاوض في واشنطن وقامت بمفاوضات سرية كان نتيجتها اتفاق أوسلو.
الانتفاضة الشعبية تم وقفها بعد «الانتصار العظيم» في أوسلو، وما رفضه الدكتور حيدر عبد الشافي وفريقه في المفاوضات مع إسرائيل قبلت به القيادة الفلسطينية في أوسلو. الدكتور حيدر عبد الشافي وفريقه المفاوض رفضوا تأجيل التفاوض على قضايا القدس والاستيطان والحدود واللاجئين والأمن (ما يعرف بقضايا الحل النهائي) لكن القيادة وافقت على تأجيلها.
اليوم عدد المستوطنين أربعة أضعاف ما كان موجودا قبل توقيع اتفاق أوسلو، والقدس ندخلها من بوابات شائكة، واللاجئون لم يعودوا موضوع تفاوض، والحدود أصبحت متحركة لدرجة أن يعرض علينا ترامب مجموعة جزر داخل دولة إسرائيل، أما الأمن فقد تحول الى أمنهم وأصبحنا نحن من يتحمل مسؤولية الحفاظ عليه.
أخطاؤنا تكررت في الانتفاضة الثانية، ولم تستطع قيادتنا رسم الحدود بين ما هو مشروع ومنسجم مع القانون الدولي والإنساني وبين ما هو مجرد «انتقام» و»ايلام» للطرف الآخر. وكانت النتيجة وسم المقاومة بالإرهاب وخسارة التعاطف العالمي والتأييد الدولي لقضيتنا.
خلافاتنا في غزة وعليها تركناها منذ أربعة عشر عاما ولم نتمكن من حلها.
خلال ذلك كله لم نتوقف لنراجع تجربتنا التاريخية: أين أخطأنا؟ ماذا كان علينا أن نفعل ولم نفعله؟ لماذا قررنا أن خيار “المقاومة» يؤدي الى الفشل، بينما الذهاب في طريق «المفاوضات» فرصة نجاحه أكبر؟ كيف وصلنا ووصلت قضيتنا الى حالة البؤس التي تعيشها؟
يقيناً بأن هنالك من يتحمل المسؤولية لأن القرارات الاستراتيجية يتخذها أشخاص في مؤسسات تقرر نيابة عن الشعب الفلسطيني.
لا نقول ذلك لأننا نطالب بمحاسبة أحد، لكن على أقل تقدير، وبعد كل هذا الفشل، لا يجب التراجع عن خيار الانتخابات، لعل تجديد الأشخاص في مؤسسات المنظمة والسلطة يفتح الطريق لطرح الأسئلة الكبيرة التي تتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
أقول ربما يحدث ذلك ولست على قناعة بحدوثه، لكن على الأقل، سيكون المجموع الفلسطيني من يتحمل مسؤولية وصول اشخاص لمواقع قيادية تقرر مصيرهم.
القدس بلا شك هي قلب القضية الفلسطينية، ولأنها كذلك، لا يجب طلب الإذن من إسرائيل لإجراء الانتخابات فيها، وهنالك عدة طرق يمكن بها ضمان مشاركة فلسطينيي القدس في الانتخابات دون استئذان إسرائيل او انتظار موفقتها.
السيادة لا يتم بسطها بإذن من الاحتلال، ولكن بالتعامل معها كأمر واقع. إسرائيل تمتلك حواجز وتحيط القدس بأسوار عالية ويمكن لجنودها مصادرة صناديق الاقتراع فيها، لكنها لا تمتلك السيطرة على فلسطينيي القدس الذين يمكنهم الاتفاق على كيفية اختيار ممثليهم إذا منعهم الاحتلال من التصويت داخل القدس نفسها.
في الانتفاضة الفلسطينية الأولى لم نقم باختيار القيادة الفلسطينية الموحدة بالانتخابات المباشرة، لكننا جميعا كنا نلتزم بقراراتها.
موضوع السيادة هو مسألة سياسية وليس إجرائية، ولأنها كذلك فيجب فرضها وليس انتظار موافقة إسرائيل للحصول عليها.