نابلس - النجاح الإخباري - عندما أقدمت الإمارات على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، هاجمت الحركات الإسلامية وفي مقدمتها حركة «الإخوان المسلمين» التطبيع العربي مع دولة الاحتلال. فقالت حركة «حماس» على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري إن الإمارات اصطفت «إلى جانب الاحتلال ضد الحقوق الفلسطينية، ومصالح شعوب المنطقة».
وإن هذا السلوك «يعكس الدعم الإماراتي اللامحدود للاستيطان والاحتلال». وإنه «مكافأة مجانية للاحتلال».
وأدانت «حركة النهضة» التونسية بشدة الاتفاق ووصفته بأنه «اعتداء صارخ على حقوق الشعب الفلسطيني وخروج على الإجماع العربي والإسلامي الرسمي والشعبي ووقوف مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني».
ولم يبقَ فصيل أو فرع من فروع «الإخوان» لم يدن بأشد العبارات التطبيع الإماراتي، ونفس الشيء تقريباً مع البحرين.
ولكن عندما قامت المملكة المغربية بإعلان تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ووقع على الاتفاق سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب «العدالة والتنمية» (النسخة المغربية من حركة الإخوان المسلمين)، حصل الارتباك داخل صفوف الجماعة، ووجدت نفسها في تناقض مع تصريحاتها ومواقفها السابقة، وبعض فروعها اضطر لتوجيه انتقادات لاذعة لحزب «العدالة والتنمية» مثل حركة «حماس» التي عبرت عن صدمتها من مشهد وقوف رئيس الحكومة العثماني مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات للتوقيع على الاتفاق ووصفت المشهد بأنه «محزن ومؤلم»، واعتبرت توقيع العثماني «خروجاً عن مبادئه وأدبياته الداعمة والمؤيدة لفلسطين وشعبها المقاوم، وكسراً لموقف التيار الإسلامي المجمع على رفض التطبيع». وقال محمود الزهار القيادي في «حماس» إن ما أقدم عليه حزب «العدالة والتنمية» في المغرب مخالف للعقيدة الإسلامية ومساس بقواعد إسلامية يجب عدم التفريط فيها.
وكان الصوت الأقوى في الإدانة هو لرئيس حركة مجتمع السلم «حمس» إحدى نسخ حركة «الإخوان المسلمين» الجزائرية، الذي وصف حزب العدالة والتنمية» بـ»الصهيوني»، وأمينه العام سعد الدين العثماني بـ»الخائن».
والحرج كان من نصيب «حركة النهضة» التونسية التي على ما يبدو لم تستطع التعرض إلى موقف حزب «العدالة والتنمية» أو الإشارة له بالاسم، بل أدانت التطبيع فقط. مع العلم أن حركة النهضة ترفض إصدار تشريع تونسي ضد التطبيع أو تضمين هذا الموضوع في إطار الدستور التونسي.
وزاد الطين بلّة موقف تركيا التي شعرت على ما يبدو بأن قطار التطبيع قد فاتها وأن دولاً إقليمية ربما تستفيد من هذه العملية بينما هي تبقى على الهامش.
ومع أن تركيا لم تقطع علاقاتها بشكل كامل مع إسرائيل واستمر تعاونها الأمني معها حتى في ظل حصول بعض التوتر في علاقات البلدين بعد حادثة السفينة «مرمرة» وإذلال السفير التركي في إسرائيل، قبل عشر سنوات ونيف، إلا أن تطبيع بعض الدول العربية دفع تركيا للالتحاق بالركب، فأرسلت سفيرها إلى إسرائيل مجدداً وقدم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في الثاني عشر من هذا الشهر، وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل خمسة أيام بأن بلاده ترغب في علاقات أفضل مع إسرائيل. ولكن هذا التصريح التصالحي لم يلقَ استجابة إسرائيلية تليق به حتى أنه أصبح موضع حديث أو تندر في الصحافة الإسرائيلية، والبعض عزا التجاهل الإسرائيلي لأردوغان لعلاقته القوية بحركة «حماس».
وإذا كان هناك حديث عن موقف حركة «الإخوان» والداعمين لها فلا بد من التعريج على الموقف القطري الذي هو من جهة يريد أن يهاجم خصوم قطر وخاصة الإمارات والسعودية ويستغل الموقف، ومن جهة أخرى لا يمكنه إدانة التطبيع وقطر لها باع طويل وعلني في العلاقة مع إسرائيل، فالوفود الإسرائيلية تصول وتجول في قطر والمبعوثون القطريون وعلى رأسهم السفير محمد العمادي لا يتوقفون عن زياراتهم لإسرائيل والمناطق الفلسطينية، بما في ذلك طبعاً نقل الأموال والرسائل والوساطات بين «حماس» وإسرائيل.
وفي هذا السياق قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 16 تشرين الثاني الماضي: «إن الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل تقوّض الجهود الرامية لإقامة دولة فلسطينية، لكن من حقها السيادي أن تفعل ذلك».
أي أن الموقف القطري هو بين بين، ولكن قطر فتحت المجال في قناة «الجزيرة» لمهاجمة دول الخليج الأخرى وعلى رأسها الإمارات وعملياً هي منبر لحركة «الإخوان» والتيارات الإسلامية، التي تقدم لها قطر الدعم المالي السخي.
ومن الواضح أن المسألة الأهم في تحديد وجهة نظر التيارات الإسلامية المنتمية لحركة «الإخوان المسلمين» تلتزم بشعارات ومواقف متشددة طالما هي خارج السلطة، ولكن عندما تكون في الحكم وتكون المفاضلة بين البقاء والحصول على السلطة والاعتراف وبين التمسك بالشعارات فإنها تتنازل عن شعاراتها بسهولة تامة وتبحث عن تبرير لذلك، وفي كل مرة تجد ما يمكنها من غطاء هذا الموقف دينياً على اعتبار أن عباءة الدين فضفاضة لمن يريد استغلال الدين في السياسة. ولعلّ المثال الأبرز على هذا الاستخدام يتمثل في موقف حركة «الإخوان» المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي من العلاقة مع إسرائيل.
ففي الوقت الذي كانت فيه تدين التطبيع مع إسرائيل ووقفت ضد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فإنه بمجرد أن جلس مرسي في الحكم أرسل الرسائل إلى الأميركيين والإسرائيليين بأنه ملتزم بمعاهدة السلام مع إسرائيل، بل وبعث برقية للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس لمناسبة تعيين سفير مصري جديد في تل أبيب في 19 تموز من العام 2012 لم تشهد الدبلوماسية المصرية مثلها عندما خاطبه بصديقه العظيم وأنه شديد الرغبة في تطوير علاقات المحبة التي تربط بين البلدين لحسن حظه. ولن يكون بمقدور «الإخوان» هذه المرة القفز عن التناقض في مواقفهم وهذه الشهوة للسلطة إلى درجة نسيان المبادئ.

نقلاً عن :جريدة الأيام