محمد ياغي - النجاح الإخباري - الجهة التي اغتالت العالم النووي الإيراني، محسن فخري زادة، معروفة للجميع ويتحدث عنها الإعلام الغربي منذ تنفيذ عملية الاغتيال. فخري زادة الذي ذكره بالاسم نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة قبل سنتين، معتبراً إياه الشخصية المحورية في برنامج إيران النووي، كان على قائمة الاغتيال منذ ذلك الوقت إن لم يكن قبل ذلك.
الحديث عن يد الموساد «الطويلة» القادرة على الوصول الى أهدافها هو حديث بلا معنى إذا أدركنا أن الكثير من دول العالم تقدم المعلومات والتسهيلات لإسرائيل، وأن الكثير من الدول الغربية تحديداً لا تمانع إن عمل مواطنوها في خدمة إسرائيل وتتستر عليهم، وفوق كل ذلك أحدث التكنولوجيا الغربية في وسائل التجسس تقدم لإسرائيل أو تُسخر لخدمتها.
لذلك لا توجد مفاجأة في قدرة إسرائيل على الوصول الى فخري زادة، وقبل ذلك في وصولها الى وثائق متعلقة بالملف النووي الإيراني، وقبل قبل ذلك في اغتيالها لعدد آخر من العلماء الإيرانيين منذ العام ٢٠٠٨.
مشكلة إيران لا تكمن في احتياطاتها الأمنية التي تزداد بالتأكيد بعد كل حادثة اغتيال أو تخريب لبرنامجها النووي ولكن في مفهوم الردع لديها.
إيران أنفقت بلايين الدولار على حلفائها في الإقليم ليس بقصد زيادة نفوذها السياسي فقط، ولكن بهدف رفع كلفة الحرب عليها. أي حرب على إيران هي حرب في معظم أنحاء الشرق الأوسط من أفغانستان حيث يتواجد الناتو الى سورية والعراق والخليج العربي حيث توجد القواعد العسكرية الأميركية الى الحليف الأكبر لأميركا، إسرائيل.
الدعم المالي والتقني والسياسي الذي تقدمه إيران لحزب الله في لبنان، لأنصار الله في اليمن، للنظام السوري، للحشد الشعبي في العراق، وللميليشيات الشيعية في أفغانستان وللجهاد الإسلامي في فلسطين يهدف لخلق جبهة موحدة تجعل كلفة الحرب على إيران كبيرة جداً، لدرجة أن يستبعدها الغرب وإسرائيل من حساباتهم.
هذا ردع استراتيجي نجحت فيه إيران. اليوم لا توجد في العالم دولة تريد الحرب مع إيران وفي أميركا نفسها وفي ظل إدارة متشددة ومتطرفة مثل إدارة ترامب، لم تحاول هذه الإدارة استغلال قصف إيران المباشر لقاعدتها العسكرية في العراق، عين الأسد، في كانون الثاني من هذا العام، حتى لا تتصاعد الاحداث لحرب شاملة.
الدولة الوحيدة التي تريد حرباً شاملة على إيران، هي إسرائيل، لكنها لا تريد القيام بذلك وحدها لعدم مقدرتها على ذلك، وهي تأمل وتضغط على الإدارات الأميركية المتعاقبة للقيام بذلك ولكن دون طائل.
إيران، إذاً، حققت الردع الذي يحميها من مصير مشابه للعراق. مساحة الحرب المحتملة إن تم إعلان الحرب عليها، تمنع عنها الحرب.
لكن مقابل ذلك لا تمتلك إيران قوة ردع تحميها من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليها. إسرائيل تقوم باغتيال علماء، بالسطو على وثائق خاصة ببرنامج إيران النووي، بأعمال تخريب لمنشآت إيرانية، بضرب أهداف إيرانية في سورية، ولا يوجد مقابل ذلك ما تقوم به إيران لحماية نفسها.
للمقارنة، لأن حزب الله أعلن بوضوح بأن أي اعتداء من إسرائيل على أي عنصر من عناصره فهو سيقوم بالرد عليه بالمثل حتى لو تدحرجت الأحداث باتجاه الحرب الشاملة، فإن إسرائيل تتعامل معه بحذر لا حدود له.
في الحالة الإيرانية (ومعها السورية) هذا الردع غير موجود، وهو ما يشجع إسرائيل على مواصلة اعتداءاتها.
هل السبب هو في غياب بنك أهداف لدى إيران للقيام بالرد فور الاعتداء عليها؟
لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بذلك. عندما تم تصفية الجنرال قاسم سليماني، كان هنالك رد إيراني في أقل من أسبوع. بنك الأهداف كما يمكن الاستنتاج من الرد على الولايات المتحدة موجود، ونعتقد بأنه في الحالة الإسرائيلية موجود أيضا.
المشكلة إذاً ليست في وجود أو عدم وجود بنك أهداف إسرائيلية، ولكن يبدو أنها في طبيعة النقاش الداخلي الذي يجري في إيران.
هنالك حديث عن انقسام داخل القيادة الإيرانية بين من يريد الرد السريع وبين من يحاول تأجيل أو منع الرد.
المطالبون بالرد يقولون إن الامتناع عنه أو تأجيله سيشجع إسرائيل ومن يساعدونها على الاستمرار في اعتداءاتهم بما في ذلك قصف مواقع نووية أو عسكرية أو اغتيال شخصيات إيرانية بطائرات «درون» مثلا دون تبني هذه الاعتداءات.
وبالتالي فإن الرد ضروري حتى يتم إفهام إسرائيل وحلفائها بأن لكل اعتداء ثمن مساو في قدره لحجم الاعتداء. بلغة أخرى، هؤلاء يريدون طريقة حزب الله في التعامل مع إسرائيل.
الجناح الآخر في القيادة الإيرانية يقول بأن الرد الآن على إسرائيل قد يمنع الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، من العودة للاتفاق النووي وهذا يعني أن العقوبات الاقتصادية على إيران ستستمر وستستمر معها معاناة الشعب الإيراني.
وبالتالي لا يجب القيام بأي شيء من شأنه أن يتسبب في استمرار الحصار الاقتصادي على إيران.
بين مطرقة العقوبات الاقتصادية التي قد يتسبب باستمرارها الرد، وبين سندان الاعتداءات الإسرائيلية التي قد تتواصل في حال الامتناع عن الرد تجد إيران نفسها.
هل تغامر إيران بالرد حتى لو أدى ذلك لاستمرار العقوبات الاقتصادية أم ترفع شعار «سنرد في الوقت والمكان المناسبين»؟
عندما تم اغتيال سليماني، كان من الواضح أن إيران ذاهبة باتجاه التصعيد لأن ليس لديها ما تخسره. اليوم من الصعب التكهن بما ستقوم به إيران لأن لديها كما يبدو ما تخسره في حالة الرد.

نقلا عن صحيفة الأيام