حسين أبو سكران - النجاح الإخباري - إيمانويل ماكرون يعتبر من القلة الأذكياء في اختيار التوقيت المناسب لأي موقف يتخذه على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وأراهن أنه لاعب شطرنج متميز، فالمعروف عن ماكرون أنَّه فاز بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، بعدما حصد أصوات تيارات الوسط التي يمثلها، وتيارات اليسار التي كان يمثلها أولاند الرئيس السابق، والذي كان ماكرون وزيرا في حكومته، فيما تشتتت أصوات اليمين ما بينه وغريمته التقليدية ماري لوبان.

ومع فشله الذريع في السيطرة على أزمة جائحة كورونا، حيث إنَّ أعداد المصابين بدأت تتجاوز 50 ألف مصاب يوميا، في حين أن الاقتصاد الفرنسي يترنح بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن جائحة كورونا، ومع ارتفاع شعبية غريمته التقليدية ماري لوبان، لم يجد مفرًا إلا بتبني وجهة النظر اليمينية الفرنسية التقليدية، كي يحافظ على الحد الأدنى من ناخبيه، ومؤيديه، على اعتبار أنَّ اليمين عندما صوت له، كانت أبرز شعاراته القضاء على الإرهاب، مما جعله يستميل أنصار اليمين في حينه.

فوجد ماكرون ضالته بالإسلام، لأسباب عدة أبرزها وجود شريحة وحيدة مهمة وواسعة هي الكتلة الانتخابية اليمينية التقليدية التي تشترك في الكثير من النقاط على المستوى الفكر العرقي والأيديولوجي مع تيار اليمين المستجد الشعبوي المتطرف، غير أنها تعارضه في عدد من النقاط المحورية وأبرزها الاقتصاد، العلاقة بأوروبا والعلاقة بباقي الدول الغربية وغير الغربية، حيث يدافع اليمينيون التقليديون عن أهمية وجود فرنسا داخل أوروبا وأهمية أوروبا لفرنسا، وبالتالي رأى ماكرون أن يغازل مشاعر هذه الفئة، بتحييدهم من تأييد لوبان، وإظهاره بأنَّه حامل مشعل قضاياهم .

ومن هذا المنطلق أراد أن يبدي قدرته على القيام  بخطوات كبيرة لمحاربة "أسلمة المجتمع" فقام باستغلال حادثة مقتل الأستاذ الفرنسي، على يد أحد طلابه، في حادثة عنصرية تعتبر أمرًا عاديا في المجتمعات الأوروبية في ظل تصاعد اليمين الشعبوي في أوروبا، وقام ماكرون بتصعيد خطابه بهذا الحدث ضد الإسلام، على اعتبار أنَّ المسلمين مشغولون في صراعاتهم ولن يستطيعوا مواجهة فرنسا العظمى بهذا الخطاب، على أن يتم تحييد طرح تيار اليمين المتطرف في القضايا الأخرى، كالخروج من الاتحاد الأوروبي وتوسيع العداء للدول الخارجية، خصوصا بعض الدول النفطية.

لكن يبدو أنَّ الرياح أتت بما لا تشتهيه السفن، فالأصوات الإسلامية المعارضة لطرح ماكرون بدأت تعلو وتنتشر كانتشار النار في الهشيم، وبدأت تنتشر معها حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسية في كل دول العالم، ما دفع الخارجية الفرنسية، لإدانة هذه الحملات، وما دفع أيضا ماكرون لقيامه بكتابة تغريدة باللغة العربية، تتحدث عن القيم العالمية وروح السلام وعنونها بعدم تراجعه دون أن يشير علانية إلى الإسلام كما السابق، وكما هو معروف أنَّ الفرنسيين متطرفين باستعمال لغتهم الفرنسية، فإنَّ قيام ماكرون بالتغريد بالعربية هو إما بداية تراجع، أو مغازلة لما يعتبر بنظر ماكرون الإسلام الوسط.

لم يألوا ماكرون عن بذل أي جهد لإعادة انتخابه مُجددًا كرئيس لفرنسا، لكن هناك من المفاجات الكثيرة غير السارة التي قد تعكر صفوه مثل ردة فعل المسلمين العنيفة تجاه خطابه المتطرف، إضافة لما حدث له مع الرهينة الفرنسية "صوفي بيترونان" التي كان يأمل في أن يتحول تحريرها إلى مهرجان انتخابي، لكنه انكفأ على عقبيه عقب إعلانها إسلامها مما حدًا به إلى الانسحاب مسرعًا بعد استقبالها، فأي المفاجات قد تنتظر ماكرون الذكي!