وكالات - النجاح الإخباري - يقف المزارع الفلسطيني حيدر ملكة (58 عاما)، متحسرا أمام أرضه الزراعية الواقعة قرب السياج الأمني الحدودي شرقي مدينة غزة، يتأمل المحصول الذي اصفرّت أوراقه.

وتسببت المبيدات الكيماوية (السامة) التي ترشّها طائرات إسرائيلية، باتجاه الأراضي الزراعية من الجانب الفلسطيني، بشكل دوري، في تشبع المزروعات بالسموم.

هذا المحصول، كما قال ملكة لمراسلة "الأناضول"، أُعدم بشكل كامل بعد أن تشبّع بالسموم والمواد الكيماوية الإسرائيلية.. "الأدوية الكيماوية التي ترشها الطائرات الإسرائيلية المحاذية للسياج، تتسلل إلى عصارة النبات".

خسائر كبيرة

كما تلقّى ملكة خبر قرار وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة إتلاف المحاصيل التي تعرّضت لهذه الأدوية نتيجة تمسسها، بحسرة وحزن شديدين.

وقال إن هذه المحاصيل التي أُعدمت كان ستعيل عائلته المكوّنة من 10 أفراد، لمدة 3 شهور.

وتعتبر الأراضي المحاذية للسياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، ذات خصوبة عالية لعدم مقدرة المزارعين على استغلالها بالشكل الطبيعي، بسبب عمليات إسرائيل العسكرية على طول الحدود.

وأضاف "إيرادات هذه المحاصيل، كانت ستعيل كذلك عددا من أبنائي المتزوجين وأحفادي.. اليوم لا أعرف كيف سأعوض هذه الخسائر".

وأوضح أن إجمالي الخسائر التي تعرض لها نتيجة رش الأدوية الكيماوية، بلغت 2857 دولارا أمريكيا؛ وهو رقم قد يبدو قليلا، إلا أن قيمته الشرائية في قطاع غزة الذي يفيض فقرا وبطالة، قادر على إعالة أسرة كاملة لعدة شهور.

ومن أجل إعادة زراعة أرضه بالبذور، يتوجب على ملكة الانتظار نحو 40 يوما بعد رش الأدوية الكيماوية، كي تنبت المحاصيل سليمة خالية من السموم.

والمزارع ملكة، واحد من عشرات المزارعين الذين تعرضت محاصيلهم الزراعية للإتلاف الكامل، بسبب الأدوية الكيماوية الإسرائيلية.

في الفترة الممتدة بين 2014 و2018، تسببت المبيدات الكيماوية الإسرائيلية بحرق 13 ألفا و723 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع).

كما ألحقت الأضرار بالثروة الحيوانية التي يتواجد أكثر من 70 بالمئة منها على الشريط الحدودي، وفق تقرير صدر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، نهاية يناير/ كانون ثاني الماضي.

وبحسب التقرير، فإن إسرائيل أقرت برش تلك المبيدات على الأراضي الزراعية الفلسطينية في ديسمبر/ كانون أول 2015، بهدف تعرية الأراضي المحاذية للسياج الفاصل وكشفها.

ويواجه المزارعون الفلسطينيون، إلى جانب رش أراضيهم بالمواد الكيماوية، سياسات إسرائيلية تقول المؤسسات الحقوقية إنها ممنهجة، لتدمير القطاع الزراعي، من استهداف الأراضي والمتواجدين فيها ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في كثير من الأحيان.

مناطق منكوبة

وبداية فبراير/ شباط الجاري، أعلنت وزارة الزراعة الفلسطينية في قطاع غزة، الأراضي المتضررة من رش المبيدات الكيماوية، أنها "مناطق منكوبة"، واصفة سياسة رش تلك المبيدات بـ"الجريمة البشعة".

وقال أدهم البسيوني، المتحدث باسم الوزارة لـ "الأناضول"، إن إجمالي قيمة الخسائر الناجمة عن رش إسرائيل للأراضي الفلسطينية بالمبيدات السامة، زادت عن 1.25 مليون دولار.

وبين أن الأراضي التي تضررت محاصيلها –لهذا الموسم- تزيد مجموع مساحتها عن ألفي دونم.. "تلك الأضرار شملت معظم الزراعات الشتوية كـ"القمح والشعير والفول والبازيلاء، إضافة للمزروعات الورقية كالسبانخ والبقدونس".

ولفت إلى أن الوزارة، أقرت منع "قطف أو بيع المحاصيل المتضررة"، إلى جانب منع تداولها في الأسواق؛ "بعض المزارعين أتلفوا هذه المزروعات بأنفسهم، وتحملوا الخسائر وأعباء نقلها إلى مكبات الإتلاف".

وأكد على ضرورة تحرك المؤسسات الدولية الحقوقية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها المرتكبة بحق القطاع الزراعي.

وبحسب وزارة الزراعة، فإن إسرائيل بدأت أولى عملياتها برش المبيدات، لهذا العام، في 14 يناير/ كانون ثاني الماضي، حيث شملت كافة المناطق الزراعية الواقعة في المنطقة الشرقية الحدودية من شمالي القطاع حتى جنوبه.

وفي يوليو/ تموز 2018، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية في تقرير لها، إن السلطات الإسرائيلية تستخدم مبيدات ذات تأثيرات خطيرة، في منطقة السياج المحيط بقطاع غزة، لمنع النباتات من النمو، وإبقاء المنطقة فارغة كي يتسنى لقوات الجيش مراقبتها بشكل جيد.

وسبق لمنظمة "چيشاه-مسلك"، الحقوقية الإسرائيلية أن انتقدت في عدة تقارير لها، رش المبيدات، وقالت إنها "تدل على أن السلطات الإسرائيلية ممعنة في تطبيق سياسة الأرض المحروقة في المنطقة المحاذية للحدود مع غزة، دون سبب واضح أو أي تبرير مقنع".