عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - الثلاثي الأهم في «يمين» العالم، ترامب، جونسون ونتنياهو تلقوا هذا الأسبوع ثلاث ضربات موجعة نتج عنها حتى الآن ثلاث خسارات كبيرة.
فقد عجز ترامب عن الذهاب إلى ما هو أبعد من بعض «الضغوط» الجديدة على إيران في رده على الهجوم الذي تعرضت له شركة «أرامكو» في العربية السعودية، ولم يتمكن من الخروج عن «دائرة» البحث عن حل سياسي للازمة في منطقة الخليج.
فشل ترامب هو أنه بات «مكشوفاً» تماماً لإيران، ولم يعد بمقدوره المناورة خارج الاطار الذي حدده لنفسه في «معالجة» تلك الأزمة، خصوصاً بعد إقالة بولتون، وبدء الحديث علناً عن رغبته بالتسوية السياسية للأزمة.
هذه لم تكن الضربة، حتى وإن كانت تعادل ما هو أكبر منها، لكن الضعف الذي ظهر به الرئيس ترامب في الأمم المتحدة، ربما شجع الحزب الديمقراطي على الشروع بإجراءات «العزل» على خلفية قضية بايدن ـ اوكرانيا، وعلى قضايا أخرى فيها شبهات بالفساد.
إجراءات العزل هذه المرة في ظل سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب، وفي ظل «العزلة» التي يعاني منها (إذ لم يتبق لديه المزيد من «الأصدقاء» بعد إقالة معظمهم)، وفي ظل توالي خيبات الأمل التي حصدها حتى الآن في فنزويلا، وكوريا الشمالية، والمكسيك، والصين، وروسيا وفي الشرق الأوسط، أيضاً، تبدو (أي الإجراءات) أكثر جدية من كل التوجهات السابقة.
والمهم هنا ليس مجرد كل ذلك وإنما الأهم هو أن مراهنة الحزب الديمقراطي على جدية الأمر، لأن الجانب القانوني فيها لا يترك للرئيس ترامب هوامش واسعة للتنصل والمراوغة.
أما النسخة البريطانية من الترامبية، والتي مثلها «بامتياز» بوريس جونسون، فقد تلقى ضربة موجعة حقاً، عندما اخذت المحكمة العليا البريطانية، أول من أمس، قراراً باعتبار «توصية جونسون» للملكة بتوقف أعمال البرلمان أمرا غير قانوني، واعتبرته لاغياً قانونياً.
هذه نكسة حقيقية لجونسون وحكومته. الحقيقة أن النكسة هي بمثابة هزيمة مبكرة، لأن المسألة وصلت الى حدود الحديث عن ممارسة الكذب، وتضليل الملكة، بهدف تمرير سياساته حول الانسحاب من الاتحاد الأوروبي قبل نهاية شهر تشرين الأول من هذا العام، بعيداً عن أعين البرلمان ورقابته وتدقيقاته!
لم يعد أمامه سوى الذهاب إلى الانتخابات المبكرة، وهو ذاهب إليها على خلفية الكذب والتضليل والمراوغة والفشل.
لم يكن حال جونسون أفضل من حال ترامب، بل هو أكثر سوءاً، لأن بريطانيا تتخبط منذ العام 2016، دون مخرج حقيقي، ولم يكن ينقص البريطانيين هذا الاستخفاف بمؤسساتهم التشريعية العريقة، وصولاً إلى تضليل الملكة نفسها.
أما نتنياهو فقد مُني بهزيمة كبيرة، إذ فقد حزبه، الليكود، سبعة مقاعد بالتمام والكمال، وتفوق عليه تحالف «أزرق ـ أبيض»، وهو عالق في منطقة وعرة وشائكة، ولا يبدو حتى الآن أن لديه ما يخرجه من مأزق نهاية حياته السياسية والانتهاء إما في البيت أو في السجن.
ها المأزق لا يتعلق بتشكيل الحكومة في اسرائيل، وانما يتعلق بأن يكون هو بالذات وليس غيره رئيس هذه الحكومة، وان يكون الرئيس الاول لها ـ أي قبل غانتس اذا ما تم الاتفاق على التناوب كما يقترح ليبرمان.
ومن هذه الزاوية فإن مأزق نتنياهو هو على أعلى درجات الصعوبة والتعقيد، لأن عدم ترؤسه للحكومة في الفترة الأولى يعني أن الليكود قد تحرر من العبء الذي بات يمثله نتنياهو على كامل النظام السياسي في إسرائيل.
وعلى الرغم من أن نتنياهو يتصف بـ»القدرات الاستثنائية» على المراوغة والتلاعب الا ان الامور ما زالت تستعصي عليه، وما زال يبحث عن أي حل مهما كان، حتى قيل إنه اقترح أن يرأس الحكومة في السنة الأولى من عمرها ويترك السنوات الثلاث كلها إلى غانتس كي يتيح لكل من غانتس ولابيد التناوب بينهما حسب الاتفاق المبرم ما بين غانتس ولابيد عندما تم إنشاء تحالف»أزرق ـ أبيض».
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا وقع ثلاثتهم في هذه الأزمات، وهل من تفسير منطقي لهذا الأمر الخطير؟
يقال إن المجتمعات الرأسمالية المتطورة بدأت تفرز في العقود الأخيرة ظاهرة الشعبوية المرتبطة بالهوس الديني، والمرتبطة، أيضاً، ببعض القطاعات «الاقتصادية» ذات الطابع الطفيلي، وكذلك تزايد مساحة التهميش الاجتماعي في هذه المجتمعات، ويقال، أيضاً، إن ظروفا سياسية وثقافية معينة قد أدت إلى تفشي واستفحال ظواهر التعصب والانغلاق والتقوقع في ظل معدلات غير مسبوقة من «الاغتراب». والبحث عن مخارج أصبح بحاجة إلى قوائم من العداء والكراهية والإقصاء في ظل تشجيع أيديولوجيات دينية وقومية عنصرية لكل هذه التوجهات، والاستعانة بالإعلام بكل وسائله وشبكاته بهدف إطباق رأس المال على مقاليد السلطة في الكثير من البلدان الغربية.
الامر المؤكد هنا هو أن «صعود» الشعبوية المفرطة، في نهاية عشرينات القرن الماضي والنازية والفاشية واليابان وبلدان أخرى كثيرة، قد جاء بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة (1929)، ويقال إن ازمة 2007 ـ 2008 قد كان لها ارتداداتها التي نراها اليوم في شعبوية القرن الجديد، ويقال، أيضاً، إن الأزمة القادمة والتي ستضرب الاقتصاد الأميركي أولاً ثم باقي الاقتصاديات الغربية لم يعد أمامها المزيد من المساحة لمزيد من الشعبويات الجديدة، ما يعني أن مسارات تنموية جديدة ستنشأ على أنقاض الاقتصاديات «المالية» القائمة، وأن هذه المسارات ستحاصر الشعبوية، وستبدأ بإعادة هيكلة هذه الاقتصاديات على أسس اجتماعية جديدة، ما سيمهد لمرحلة سياسية جديدة تكون الغلبة فيها للطبقات الوسطى والفقيرة، وبما قد يؤدي إلى تحولات ثقافية كبيرة ستطيح بـ «الصرح» الاقتصادي القائم على حرمان الغالبية الساحقة من الناس في هذه المجتمعات.
اي أن الدورة الإنتاجية ستعود إلى دورة القيادة، وستعود للتحكم بحلقات التداول والتوزيع، وسيعاد الاقتصاد إلى مربعه الأصلي إذا استطاعت الرأسمالية أن  تنقذ نفسها من نفسها.
باختصار، هناك من القراءات، وقبلها من الكتابات بما يكفي لإثبات أن عصر الشعبويات ليس قادماً كما يعتقد البعض وإنما هو نحو الأفول ونحو الاندحار.
أقصد أن اليمين المتطرف والمتعجرف قد يتمكن من خداع المهمشين ولكنه لن يستطيع خداعهم في كل وقت وهو لن يتمكن من صد التحولات الموضوعية في الاقتصاديات الغربية. انهيارات اليمين ظاهرة مقبلة وتأتي مسرعة والضربات الموجعة والخسارات التي نراها هي الارتدادات الأولى لهذا الانهيار.
أما صعود القوى العمالية والديمقراطية الليبرالية، فهو حتمي وإن كان التقدم هنا ما زال بطيئاً.

الايام