نابلس - ماجد هديب - النجاح الإخباري - منذ أن تأسست الحركة الصهيونية كحركة استعمارية، فان قادتها لم يتوقفوا يوما عن عرض مشاريعهم الاقتصادية في المنطقة العربية قصد اغراء اصحاب القرار فيها ،ودفعهم للتجاوب مع المطالب اليهودية بالهجرة الى فلسطين والاستيطان فيها ،كمقدمة لتحقيق اعلان دولة اسرائيل الكبرى ،ولذلك كان اليهود ومن خلال اتفاقيتهم مع قائد الحركة العربية في حينه قد نجحوا في تحقيق ما ارادوا من هجرة واستيطان بعد هزيمة الدولة العثمانية ،التي اوقفت تلك الهجرة ومنعت الاستيطان ،ولعل رسالة الامير فيصل قائد تلك الحركة الى كبير الصهيونيين في اميركا عقب توقيع تلك الاتفاقية عام 1919 تلخص ما جاء في تلك الاتفاقية من نصوص والتي جاء فيها "بان الحركتان العربية والصهيونية مكملتان لبعضهما البعض ،ولا يمكن لأي منهما النجاح بدون الاخر وصولا الى شرق متطور ومترف “.

بعد اعلان دولة اسرائيل عقب سيناريو حرب 1948 ،واغتيال الملك عبدالله الاول على عتبات المسجد الاقصى ،فان احلام اسرائيل الكبرى قد انحصرت في الحفاظ على حدود تلك الدولة ، الا انه وبعد تنفيذ خارطة طريق جاء اعدادها من اجل تهيئة ظروف تؤهلها لإعادة طرح مشاريعها الاقتصادية لفرض التسوية ،وبما يتوافق مع مصالحها في التوسع وتحقيق الاطماع بمساعدة ومساندة من الولايات المتحدة ،فان الدولة الاسرائيلية اعلنت عن مشروع "السلام الاقتصادي" الذي جاء ضمن ما يسمى صفقة القرن ، فما هو مضمون هذا المشروع ؟،وكيف تم التمهيد له ؟،وهل سينجح اليهود من خلال تطبيقه في تجسيد احلام بناء اسرائيل الكبرى في ظل الملك عبدالله الثاني ، ام ان تلك الاحلام ستتحطم على صخرة موقفه الثابت والرافض لهذه الصفقة ؟ ،والى اين سيتجه الاردن في ظل مواجهة الملك الهاشمي لتلك التحديات المفروضة ؟.

مشروع السلام الاقتصادي يمكن القول بان مشروع السلام الاقتصادي قد استند على ما جاء به شمعون بيريز من افكار في مشروعه "الشرق الاوسط الجديد" ،والذي اعتقد بان حل النزاع العربي الاسرائيلي يتمثل في تشكيل "سوق شرق أوسطى" يحقق الازدهار والرفاهية لشعوب المنطقة كافة بعيدا الانتماء القومي ،وذلك من خلال دعم اتفاقيات التسوية لترسيخ مكانة اسرائيل وديمومتها في المنطقة مهما حدث من متغيرات استنادا الى عوامل النجاح في انهاء فكرة الخلاص من اسرائيل ليحل مكانها تعزيز التعايش معها بعد الاعتماد عليها ،ولذلك كان بيريز قد حرص عقب ﺗﻮﻗﻴﻊ اتفاقية اوسلو على تامين المساعدات اللازمة للسلطة الفلسطينية اقتصاديا ،الا ان ذلك المشروع لم يتحقق لأسباب كثيرة ،ومنها تعثر عملية السلام بعد صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الاسرائيلية ،واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية .

في ظل حكومة نتنياهو اتجهت اسرائيل نحو تهيئة عوامل ومتغيرات جديدة لطرح مشروع اقتصادي مماثل ،ولكن على قاعدة التطبيع الاقتصادي اولا ،ومن ثم تحقيق السلام،فجاءت رياح التغيير على العالم العربي والانهيارات المتتالية لبعض الانظمة العربية، وذلك بعد تفكيك قدرة العراق الشاملة ، بالإضافة الى اضعاف الفلسطينيين انفسهم من خلال دفعهم الى الانقسام والابقاء عليه تحقيقا لتجويع الشعب الفلسطيني والذهاب به نحو البحث عن ادنى مقومات المعيشة لانتزاع موافقته على اية حلول او مشاريع مطروحة بالاستناد على قوة الرخاء والازدهار الاقتصادي في المنطقة ،وليس من خلال السلام العادل والمتكافئ ،حيث يرى نتنياهو بان تحقيق المشاريع المشتركة ، الاقتصادية منها والامنية ،ومن بيها المواصلات والاتصالات مع الدول العربية المجاورة من جانب،وعقد اتفاقات متعددة الاطراف وبتدرج من جانب اخر ،هو ما سيؤدي الى تحقيق الامن والاستقرار، وبالتالي الى فرض السلام على اسس اقتصادية ،ولذلك كان قد تبنى خطة كاتس للسكك الحديدية .

وفقا لما جاء به كاتس عند عرض خطته ،فان مرحلة تنفيذها الاولى تستند على اﻷردن ،حيث يبدا خط هذه السكك من مدينة حيفا لتمر عبر جسر الشيخ حسين ، ومن هناك الى مدينة اربد شمالا ،ومن ثم الى الدول الخليجية بعد اتصال خطط السكك من شمال الاردن حتى جنوبه ،وهي نفس الخطة التي ادرجها مبعوثي السلام“ كوتشير وغرينبلات ” في صفقة القرن التي يروجون لها على اعتبار ان هذا المشروع هو بمثابة الركيزة الاساسية لتنفيذ هذه الصفقة وفرض السلام بالقوة . ووفا لما جاء في تصريحات كل من كاتس غرينبلات وكوتشير ايضا ،فان صفقة القرن وما تحويه من مشاريع اقتصادية تقوم على اساس الامن المشترك ما بين اسرائيل والدول العربية والمصالح الاستراتيجية فيما بينهما ايضا ضد ما اسموه بالأطماع الايرانية ،ولذلك جاءت دعوة كاتس الى العرب ووفقا لما جاء في ثنايا تصريحاته الى ضرورة الاتجاه، اما نحو تشكيل موقف ضاغط على الفلسطينيين للقبول بالتسوية السياسية المطروحة بصفقة القرن لعقد اتفاقات سلام جامعة وشاملة ،واما بالاتجاه نحو عقد اتفاقات سلام بعيدا عن مواقف الفلسطينيين ،بل وبتجاهل ما يتطلعون اليه ، فهل يمكن القول بان اسرائيل قد استطاعت فعلا من خلال مشروع كاتس اغراء العرب وانتزاع موافقتهم على صفقة القرن بعيدا عن امال وتطلعات الفلسطينيين وفقا لما صدر من تصريحات عربية في الآونة الاخيرة حول اهمية التطبيع ،وخاصة بعد ان التقى كاتس نفسه في العديد من وزراء خارجية تلك الدول بتنسيق من مبعوثي السلام في الشرق الاوسط،في الوقت الذي ما زال فيه الملك الهاشمي ثابتا على موقفه الرافض لتلك الصفقة، رغم ما تحمله هذه الصفقة من فوائد للأردن بالمقارنة مع باقي الدول العربية.؟

انعكاسات السلام الاقتصادي على الاردن لو نظرنا الى الفوائد التي قد يحققها المشروع لكافة الاطراف ، والتصريحات الاخيرة ايضا لكل من وزراء خارجية ،عمان ،البحرين ،والامارات حول اهمية التطبيع مع اسرائيل لخلصنا الى استنتاج بان ما يجري من لقاءات هي بمثابة الموافقة علي صفقة القرن وبما تحويه من مشاريع، وان تلك التصريحات هي ايضا بمثابة المقدمات لممارسة الضغط على الاردن والفلسطينيين للقبول بالتسوية المطروحة ،او ذهاب تلك الدول مع الاردن لتنفيذ المشروع دون موافقة الفلسطينيين انفسهم ،وبالتالي بتجاهل كافة امانيهم وتطلعاتهم بالتحرر والاستقلال ،فما هي تلك السيناريوهات المرتقبة التي تنتظر الاردن حال اعلان تلك الصفقة في ظل المواقف المتباينة منها ؟.

صحيح بان هناك خطورة على المشروع الوطني الفلسطيني من خطة نتنياهو للسلام الاقتصادي والتي تتبنى تسويقها الإدارة الأمريكية ،ولكن علينا ان لا نتجاهل ايضا تلك الخطورة على مستقبل الاردن الذي هو الان امام خيارين احلاهما مر، فاذا ما اتجه الاردن نحو الموافقة على صفقة القرن ، فان تلك الموافقة ستؤدي بطبيعة الحال الى احداث سخط شعبي لن يتوقف رغم ما سيجنيه الشعب الاردني من فوائد جراء تنفيذ هذه الصفقة ،واذا ما استمر العاهل الهاشمي في معارضته لهذه الصفقة ايضا فان زلزال قد يضرب الاردن، ولن يتوقف، الا بزوال العرش الهاشمي او خلخلته ،لان رفض العاهل الاردني عبدالله الثاني لهذه الصفقة سيكون بمثابة رفض الاستمرار بتنفيذ ما تعهد به الملك عبدالله الاول لتشرتشل من اشتراطات تأسيس امارة شرقي الاردن ،وعليه فان اسرائيل لن تتوانى وبمساعدة ومساندة الولايات المتحدة بتشكيل اليات ضغط ستمارسها بشكل مباشر وغير مباشر على الاردن، وهي نفس الاليات التي ما زالت تمارسها في دول الجوار من تخريب وانهيار واقتتال والذهاب بشعوبها نحو البحث عن الوجود والهوية لسنوات. باعتقادي فان انعكاسات رفض الملك الهاشمي لصفقة القرن ستكون اقل ضررا من انعكاسات الموافقة عليها ،وذلك اذا ما استطاع العاهل الهاشمي تحصين جبهته الداخلية والاتفاق مع السلطة الوطنية ايضا ،وكذلك مع جمهورية مصر العربية المعرضتين للخطر من تلك الصفقة كما الاردن تماما ،خاصة ان ربط مدينة ايلات الساحلية على البحر الاحمر بعدة مدن ساحلية على البحر المتوسط ،ومنها تل ابيب وحيفا واسدود وذلك لنقل الركاب والبضائع ستصبح بديلا ومنافسا لقناة السويس المصرية ، وهدا ما يهدد اهم مصادر الدخل القومي المصري وهو قناة السويس ،بالإضافة الى ما يشكله انشاء المطار الدولي الذي اقامته اسرائيل مؤخرا في ايلات لتنشيط السياحة على غرار شرم الشيخ .

رغم القاسم المشترك ما بين الأردن ،فلسطين، وكذلك مصر من حيث رفض مخرجات صفقة القرن بعد الاتصالات والتنسيق فيما بينهما ، الا انني اعتقد بان الطريق امام صفقة القرن اصبحت سالكة بكل ما تضمنته هذه الصفقة من مشاريع بصياغة اسرائيلية ،وذلك بعد ان نجحت اسرائيل وبمساندة من الولايات المتحدة الامريكية في دفع العرب والفلسطينيين انفسهم الى مرحلة لا يمكن لهم فيها رفض السلام المحدود والمقترن بقوة الرخاء الاقتصادي ، وهذا ما سيؤدي بطبيعة الحال الى وأد المشروع الوطني الفلسطيني وتمييع القضية لسنوات، ليس بفعل عجز الفلسطينيين عن الوقوف مع انفسهم فقط ،وانما بفعل تجاوز اسرائيل ايضا للعاهل الهاشمي وذلك لنجاحها بتفعيل عوامل عدم الاستقرار في الاردن ،ومن بين تلك العوامل ،بل واهمها عامل الاخوان المسلمين ،الذين كانوا وما زالوا بالنسبة للدول الاستعمارية هي بمثابة الورقة الرابحة في تمرير مخططاتها كلما اقتضي ذلك منهم وتحت حجج وعناوين واهية. السؤال الذي يجب ان يبقى مفتوحا ،والذي لا يمكن الاجابة عليه الان لتعدد الخيارات ،وبما تحمله تلك الخيارات من تناقضات وتداخلات ،كما هي طبيعة المجتمع الاردني بتداخلات وتناقضات اصوله ومنابته، هو اذا ما كان يمكن لإسرائيل الانطلاق في تحقيق احلامها بالتوسع من الاردن اعتمادا على نجاح الاخوان المسلمين بالاتجاه نحو التحالف مع بعض عشائر شمال الاردن وجنوبه بذريعة المطالبة بالديمقراطية الحقيقية واعلان الحكم الوطني بعد التمهيد لتلك المطالبة بضم الضفة الغربية اليها ودفع سكانها نحو الاردن ؟،ام ان احلام اسرائيل ستتوقف مجددا وستعود نحو الانحصار في الحفاظ على حدودها وذلك بفعل التفاف الشعب الاردني حول مليكه والدفاع عن حياته ووجوه ؟.حينها فقط ، يمكن لنا القول ،بانه اذا ما كانت احلام اليهود قد توقفت بفعل اغتيال الملك الهاشمي عبدالله الاول، فإنها قد توقفت الان ايضا، ولكن بفعل حياة العاهل الهاشمي عبدالله الثاني.