أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - ه حتى ساعة نشر هذا المقال ستكون صناديق الاقتراع قد فتحت وبدأ الإسرائيليون يصوتون لاختيار قادتهم بعد أن انتهت المعركة الانتخابية والتي لم تغير كثيرا في توازنات قائمة هناك ، فاليمين بقي تقريبا محافظا على كتلته البرلمانية بفائض بعض الأصوات التي تمكنه من تشكيل حكومته كما السنوات الماضية ويمين الوسط المتنافس معه بقي كما هو وإن تغيرت الأسماء. المشهد على الجانب الأخر من الحدود مدعاة للغيظ لشعب فلسطيني يرزح تحت الاحتلال توفرت له فرصة حكم نفسه لأول مرة في التاريخ وإذ به يخرج أسوأ ما لدى العربي من ثقافة صراع على الحكم الذي لم

يتوقف في منطقة لم تعرف البطالة من حروب السلطة بعد أن حاولت قبائلها أن تصنع دولا حديثة كما العالم وإذ بها تغرق في أقدم نزعاتها وغرائزها. الذين عاشوا تحت الحكم الإسرائيلي واعتادوا على المشهد الانتخابي هناك أشد احباطا من غيرهم لأن أمالهم بالاستقلال كانت تعانق السماء حين اعتقدوا أنهم سيبنون دولة ونظاما سياسيا لا يشبه النظم العربية، كانوا يحلمون بنظاما ديمقراطيا حضاريا حداثيا يتجاوز إسرائيل كدولة محتلة ومجتمع لا يمكن أن يكون سويا طالما أنه يحكم مجتمعا أخر، لكن حين نحكم أنفسنا سيكون النموذج مختلف وهو ما رد عليه شاعرهم الكبير محمود درويش قائلا "من قال أننا استثناء؟" أما الفلسطينيين الذين نمت تجربتهم تحت ظلال الحكم العربي وأجهزة أمنه فيبدو أن الأمر لا يثيرهم كثيرا وجزء منهم لدينا في سدة الحكم لذا يبدو أن عملية الانتخابات خارج تكوينهم الثقافي أو السياسي الذي خبروه لدى زعماء عرب إما لا تجري لديهم الانتخابات أو انتخابات صورية يحكم فيها الزعيم لثلاثة عقود أو إلى أن يشاء الله.

النموذج الاسرائيلي الذي يعبر عن نفسه بالاحتلال المنافي للديمقراطية في علاقته مع الشعب الفلسطيني والشعوب الاخرى لكنه يعبر في الداخل الاسرائيلي عن قدر كبير من احترام لشعبه وتلك واحدة من أسرار قوة إسرائيل. الشعوب لا تبنى بالكلام ولا بالشعارات ولم تحن اللحظة لنقف أمام أنفسنا بشكل جدي لأن الوقوف سيجعلنا نرى أسوأ ما فينا .. العطب الذي أحدثناه لأنفسنا والجروح والخدوش التي فعلناها بمستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة، لذا يتملكنا الحزن من مشهد الانتخابات في إسرائيل ومقارنته مع قوى وأحزاب وفصائل ونظام سياسي يعيد طحن الهواء والكلام والإنشاء منذ أن شكل سلطته وتنازع عليها ومنذ أن ذهبت ريحه ولم تعود ولم يعد لما يقوله أي معنى لأن لعبة الخداع والتبرير لها نهاية وقد انتهت منذ سنوات دون أن يشعر أي مسؤول فلسطيني بفقدان صلاحية كل ما يقوله منذ زمن.

هذا هو الانفصال عن الواقع وهذا هو الواقع الذي أمامنا نحن مجموعة من المتصارعين على الوهم والحكم المنزوع الدسم نقاتل دولة علينا أن ندقق بانتخاباتها ربما لنرى واحدا من جوانب عجزنا والمقارنة لنعرف أن الصراع بيننا وبين تلك الدولة ليس صراعا مسلحا أو عسكريا ينتظر أن نعد العدة والقوة وأربطة الخيل وأسرجتها وحذواتها بل صراع يتعلق باحترام المواطن ومفهوم السلطة سلطة الشعب أم سلطة السلطة وفصائلها. لقد ذهب الصراع على الحكم أبعد مما يجب في منتصف الطريق ليس فقط ليضعف القوى ويفقدها ثقة الناس بل وصل إلى حد المس بالإرادة الشعبية وهي الاحتياط الوحيد لاستمرار الكفاح فبعد هذا النموذج الذي تقدم هل لازال المواطن يتوق لأن يحكم الفلسطيني نفسه بصلاحيات أوسع ؟