د.أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - نظمت كأس العالم في إيطاليا، العام 1934، بمشاركة 32 دولة في التصفيات لاختيار 16 فريقا، ويظهر اسم فلسطين، لأنها لعبت في القاهرة ضد المنتخب المصري. ويُحتفى عادةً بهذه المشاركة، رغم الخسارة 7-1. ولكن يتضح من البحث أن لاعبي المنتخب الفلسطيني، حينها كانوا يهوداً وإنجليز (من عناصر الانتداب البريطاني)، وهذا ليس لضعف اللاعبين العرب بل تم استبعادهم لأسباب سياسية عنصرية.

أنهت الباحثة شروق زيد، مؤخراً، أطروحتها للماجستير، بجامعة بيرزيت، التي كان لي دور الإشراف عليها، ورغم أن موضوعها الأساسي هو الوضع الراهن، والرياضة باعتبارها نوعاً من "القوة الناعمة" في العلاقات الدولية، إلا أنّها وثقت قصة مباريات الثلاثينيات، مستفيدةً، من بين مصادر أخرى، من مراجع ومعلومات أرّخها ووثقها الباحث الفلسطيني، المقيم في الولايات المتحدة، عصام خالدي، الذي نقب في أراشيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).

قامت الأندية الصهيونية في عشرينيات القرن الفائت، بحصر تمثيل فلسطين الرياضي الخارجي، باليهود. فحصلوا العام 1929 على عضوية الفيفا، تحت اسم "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم"، ولم يكتف هذا الاتحاد بمنع الوجود العربي فيه، بل شدد على تفعيل قانون يمنع الدول الأخرى (مثل سورية ومصر ولبنان) من اللعب مع فرق عربية فلسطينية، بذريعة عدم انتمائها للاتحاد. بالمقابل أُنشِئ العام 1931 منتخب كروي عربي فلسطيني، خاض مباراته الأولى في بيروت، وتأسس في العام نفسه الاتحاد الرياضي الفلسطيني ليكون إطاراً عربياً للرياضة في فلسطين.

لعبت أندية يهودية في عشرينيات القرن الفائت، مباريات مع فرق دول عربية، فلعب فريق مكابي "هشموناي" القدس العام 1927 مع فرق من القاهرة والإسكندرية، ومع منتخب المدارس الثانوية المصرية العام 1931.

عندما تشكل فريق العام 1930 لكرة القدم أُبعد العرب عنه، وتشكل من 9 لاعبين إنجليز (من قوات الانتداب) و6 لاعبين يهود، وتم العمل دائماً على زج رموز صهيونية في مبارياته، فمثلا في زيارة لمصر ظهر حرف P على زيهم إشارة لفلسطين، وأضيف حرفان صغيران بالعبرية، يعنيان أرض إسرائيل، ولم يدرك الجمهور المصري بطبيعة الحال معناهما. 

حاول الفلسطينيون التصدي لهذه السياسة والتواصل مع الفرق العربية، ومع "الفيفا"، وعندما جاء فريق الجامعة المصرية لفلسطين العام 1931، لعب مع فرق يهودية، ولعب أيضاً مع نادي الشبيبة الأرثوذوكسية، العربي في يافا، الذي فاز بالمباراة.

ما حدث في كرة القدم، تكرر أولمبياً؛ فقد أُرسلت لجنة يهودية طلباً بالانضمام للجنة الأولمبية الدولية، العام 1933، وجاء الرد كالآتي: "نخبركم باستحالة اعتراف اللجنة الأولمبية الدولية باللجنة الأولمبية الفلسطينية بتشكيلتها الحالية، (...)  عليكم توسعتها، لتضم يهوداً ومسلمين ومسيحيين". فدعت اللجنة اليهودية العرب المسلمين والمسيحيين لعضويتها، ثم أبعدوا عقب حصولها على العضوية العام 1934.

تشير أبحاث عصام خالدي إلى أنّ سكرتير النادي الرياضي العربي خضر كمال، أرسل برقية إلى "الفيفا" جاء فيها: "إن فلسطين ممثلة الآن بالاتحاد الدولي بفريق يهودي كامل، رغم أن اليهود يشكلون أقل من ثلث سكان البلاد. (...) ونأمل منكم الاعتراف بالنادي الرياضي العربي ككينونة مستقلة وحالة خاصة، لأن أغلبية سكان البلد عرب، وليس معقولاً أن يكون ممثل البلد هم اليهود". ورد الفيفا بأنه "ستتم دراسة القضية"، إلا أن برقية أُرسلت فوراً للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لإبلاغهم بالأمر، وأخذ موافقتهم.

طلب الفلسطينيون العرب العام 1945 وساطة مصرية إما للاعتراف الدولي بالاتحاد العربي، أو فرض تمثيل مناسب للعرب في الاتحاد الفلسطيني. وكان مقرراً سفر سكرتير الاتحاد الرياضي الفلسطيني عبد الرحمن الهباب إلى لكسمبورغ لمناقشة الأمر في اجتماع الفيفا العام 1946، لكن الفيفا رفض حضوره لأسباب يرجح أنها تأثير الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم.

توثق شروق زيد النشاطات الرياضية الفلسطينية العديدة، آنذاك، محليا وإقليميا، والتي تعكس قدرات رياضية مهمة وواعدة، أخمدها النفوذ الصهيوني البريطاني، وتوثق تفاصيل التعسف السياسي والاعتقالات والتضييق على الأندية الفلسطينية قبل النكبة، وكذلك رفض الفيفا طلب الاتحاد الرياضي الفلسطيني عضويته العام 1951.
صحيح أن ما جرى باسم فلسطين قبل العام 1948، هو فلسطيني، ولكن الصحيح أيضاً، أنّ فصولاً لمعركة رياضية فيها تفاصيل كثيرة غائبة، ما يُحدِث لَبساً أحياناً لدى الجمهور، كما في مباريات الثلاثينيات.
عن الغد الاردنية