المحامي زياد ابو زياد - النجاح الإخباري - ليست هذه هي المرة الأولى التي يدور فيها الحديث عن مشاركة المواطنين الفلسطينيين في القدس بالانتخابات البلدية التي ستُجرى في المدينة ، ولكن الجديد هو أن الحديث يدور هذه المرة على نطاق أوسع ومن خلال استغلال الضائقة التي يواجهها الفلسطينيون بالقدس على كل الأصعدة وغياب قيادة وطنية ذات مصداقية شعبية ووجود تربة خصبة للادعاء بأن السلطة لا تهتم بأهالي القدس ولا تعمل شيئا ً من أجلهم.

الإجماع الوطني بشأن الانتخابات بالقدس

لقد كان الإجماع الوطني في مدينة القدس منذ احتلال المدينة عام 1967 وحل مجلس أمانة القدس المنتخب إبان العهد الأردني وإبعاد الأمين روحي الخطيب الى الضفة الشرقية لمعارضته ضم المدينة لإسرائيل ، هو رفض المشاركة في الإنتخابات البلدية الإسرائيلية لأن الوجود الإسرائيلي في المدينة هو احتلال عسكري والمشاركة في الانتخابات البلدية الإسرائيلية هي شرعنة للاحتلال وقبول بالضم.

وفي كل مرة كانت تُجرى الانتخابات كانت هناك ضغوط على الفلسطينيين للمشاركة بالتصويت للقوائم الانتخابية الإسرائيلية وكان بعض أرباب العمل الإسرائيليين يستغلون العاملين لديهم وخاصة العاملين في البلدية والضغط عليهم ليشاركوا في التصويت لصالح أحزاب أرباب العمل. أي أن هذه الأصوات التي تُقدر بالمئات كانت تؤخذ من العرب لصالح قوائم يهودية سواء من اليهود المتدينين او حتى أحزاب اليمين كالليكود وهي لا تُعبر عن قرار حر من جانبهم بالمشاركة في الانتخابات أو عدمها وإنما تصويت من أجل الحفاظ على لقمة عيشهم وهذا أمر يتنافى مع أبسط مبادىء النزاهة وحرية الانتخاب.

والى جانب ظاهرة قيام أرباب العمل بحمل العمال والموظفين العرب على التصويت لأحزابهم كانت هناك ظاهرة على نطاق أوسع وهي محاولة حركة ميريتس إقناع الناخبين العرب على نطاق واسع بأن يشاركوا في الانتخابات ويصوتوا لها بحجة أنها هي التي تُدافع عن مصالحهم وحقوقهم وتقف الى جانبهم في مشاكلهم مع البلدية. وقد حاولت الحركة مرارا ً الاتصال بالقيادات والشخصيات الوطنية بالمدينة في محاولة لإقناعها بدعمها في الانتخابات وإعطاء الضوء الأخضر للمواطنين ليشاركوا في الانتخابات على نطاق واسع ولكن الموقف الوطني كان دائما يُعارض المشاركة في الانتخابات لأن المسألة ليست مسألة خدمات بلدية وشؤون محلية وإنما هي مسألة سياسية ووطنية سيادية من الدرجة الأولى.

وكانت وجهة نظرنا دائما ً ولا تزال هي أن القدس العربية هي مدينة فلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي وأن لا ولاية قانونية ولا سيادة لإسرائيل على المدينة ، وأن القبول بالمشاركة في الإنتخابات البلدية وفق القانون الإسرائيلي يشكل اعترافا ً بشرعية الولاية القانونية لإسرائيل في القدس العربية وبالتالي اعتراف بشرعية الاحتلال والضم والسيادة الاسرائيلية على المدينة.

تحرك جديد ولأول مرة

ومع أن الانتخابات البلدية الاسرائيلية ستجري في شهر تشرين أول القادم إلا أن تحركا ً هو الأول من نوعه منذ احتلال المدينة عام 1967 قد بدأ تحت شعار تشكيل قائمة مشتركة يهودية عربية يكون الطرف العربي فيها من سكان القدس العربية . ويقول القائمون على هذه القائمة بأن السكان العرب في المدينة والذين يتجاوز عددهم ثلاثماية ألف مواطن غير ممثلين في المجلس البلدي ولا سيطرة لهم على قرارات البلدية وأن وجودهم في المجلس البلدي سيعطيهم الفرصة للمشاركة في القرارات البلدية وخاصة فيما يتعلق برخص البناء والمساحة والتنظيم والخدمات البلدية بشكل عام وفي هذا خدمة ورعاية لمصالح وحقوق السكان العرب .

ولا شك بأن وجهة النظر هذه لا تخلو من الوجاهة من ناحية نظرية إلا أن الواقع مغاير لذلك تماما فالمشاركة في الانتخابات البلدية تُشكل أولا ً وقبل كل شيء اعتراف بشرعية الضم والاحتلال والسيادة الإسرائيلية على القدس بشطريها وهذا خطأ جسيم بكل المعايير وتفريط وتنازل عن حقنا في القدس لا يملكه أحد مهما كانت الظروف لأن القدس ليست للقاطنين فيها فقط وإنما هي لكل فلسطيني ولا يجوز لأحد أيا ً كان وتحت أي ظرف التنازل عن حق هو ملك للشعب بأسره لا لفئة أو جماعة منه.

هذا على الصعيد الوطني والسياسي ، أما على الصعيد النظري الواقعي فإنه لا توجد أية فرصة حقيقية ليقوم كافة سكان القدس الفلسطينيين بالمشاركة في الانتخابات البلدية بسبب المحذور السياسي والوطني آنف الذكر وبالتالي لن تكون هناك أية إمكانية عملية لوجود تمثيل للعرب في المجلس البلدي يستطيع حماية حقوقهم ورعاية مصالحهم وبالتالي فإنه حتى لو فاز أحد في هذه الانتخابات فإنه لن يكون لوجوده في المجلس البلدي أية قيمة ولكن مشاركته في الانتخابات ستستغل وعلى أوسع نطاق من قبل إسرائيل للإدعاء بأن القدس موحدة وأن العرب يعترفون بشرعية الضم في نفس الوقت الذي جاء به قرار الرئيس الأمريكي ترمب بنقل السفارة الأمريكية الى القدس وإعلان اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل وقول الرئيس ترمب بأن القدس لم تعد على طاولة المفاوضات.

قائمة عربية - يهودية مشتركة

وإضافة لكل ما ورد أعلاه فإن مجرد الإدعاء بأن هناك قائمة فيها عرب ستشارك في الانتخابات سيستغل من قبل اليمين الإسرائيلي لاستنهاض قوى اليمين والعنصرية اليهودية وحثها للتوجه الى صناديق الاقتراع ، كما فعل نتنياهو في انتخابات الكنيست الأخيرة ، بحجة أن العرب يريدون أن يسيطروا على المجلس البلدي الأمر الذي سيضاعف من قوة ووجود اليمين واليمين الديني المتطرف في المجلس البلدي مما سيزيد الطين بلة بالنسبة للسكان العرب في المدينة ويعرضهم للمزيد من التعسف الإحتلالي.

لقد قام مركز ليونارد ديفيس بالجامعة العبرية في الشهر الماضي بإجراء استفتاء للرأي العام بين المواطنين العرب في القدس شمل 612 مواطنا سألهم عن رأيهم في المشاركة في الانتخابات البلدية وحسب النتائج التي أعلنها فإنه يدعي بأن 58% منهم يؤيدون المشاركة في الانتخابات البلدية. ولا شك بأن مثل هذا الاستفتاء لا يمكن أن يعبر عن توجهات أكثر من ثلاثماية ألف مواطن فلسطيني في المدينة ولكن مثل هذا الاستفتاء والتحركات النشطة الجارية بهذا الصدد تعكس حقيقة أنه ربما تكون هناك جهات معينة تسعى لتحقيق مشاركة عرب من القدس المحتلة في الانتخابات البلدية ليس فقط إلا لتحقيق الهدف السياسي وهو الإدعاء بأن العرب وبعد خمسين عاما ً من الاحتلال والضم أدركوا أن وجود إسرائيل في القدس العربية هو دائم وثابت وأن ما عليهم إلا الاعتراف بشرعيته والعيش معه. في حين أن هذه المشاركة لن تعود عليهم بأية منفعة بل بالضرر على كل الأصعدة.

لا شك بأن الانتخابات البلدية القادمة بالقدس ستشكل اختبارا ً لصمود شعبنا في المدينة والتزامه بحقه ووجوده الوطني كما تُشكل تحديا ً للقيادة السياسية سواء في القدس أو في رام الله.

نقلا عن صحيفة القدس