د. دلال عريقات - النجاح الإخباري - ذهبت لزيارة معرض من العالم إلى القدس الذي نظمه الفنان الفلسطيني محمد سباعنة بالتعاون مع بلدية رام الله، حيث شاركتْ في المعرض اكثر من ١٥٠ لوحة لرسامين من ٤٠ دولة دعماً للقدس وللأطفال المقدسيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية.

أثناء تفحصي للوحات، شاهدتُ سيدة تتجول في المعرض بدا عليها الحزن وبعض الإحباط، تعرفت عليها وسألتها عما يشغلها فإذا بها تخبرني أنها مستاءة لأنها لم تجد في المعرض أي لوحة لابنها الطفل الأسير ذي ال ١٤ ربيعاً وهذا ما خَيب ظنها! دار نقاش بيني وبين السيدة التي كانت على ثقة ووعي كبيرين ودعتني لحضور شهادتها في مؤتمر في الْيَوْم التالي يستضيف أمهات الأسرى وزوجاتهم أو بناتهم.

كان المؤتمر بتنظيم من وزارة شؤون المرأة ويمثل آخر فعاليات شهر المرأة ومكان الانعقاد كان في أبهى قاعات فنادق رام الله، عندما دخلت القاعة، رأيت على المنصة مجموعة من السيدات، ليست كأي سيدات، سمعنا هناك شهادات مريرة وواقعا أليما ومآسي كثيرة ولحظات تقشعر لها الأبدان وتنساب فيها الدموع دون قدرة على السيطرة على الأحاسيس وما يجري في الوجدان، قصص وتجارب أمهات الشهداء والأسرى هزت الحضور الذي لم يتمالك نفسه من البكاء وكنتَ ترى دموع الحاضرين الذين كان أغلبيتهم من النساء، أمهات الأسرى وأمهات الشهداء كنّ الأقوى والأشجع والأصلب، نعم لقد رسمن أسمى صور الصمود والمقاومة.

خرجت من المؤتمر لحضور اجتماع خاص بأولياء الأمور في مدرسة أبنائي وكان هناك حضور كبير ونقاش بأصوات مرتفعة ومطالبات بالحقوق، خلال الاجتماع شردتُ بأفكاري وراودتني الكثير من الأسئلة والمشاهدات؛ كأم، حاولت أن أتخيل نفسي مكان إحداهن ولكني لم أجرأ على تخيل تجربة من كان على المنصة من أمهات. شعرتُ في تلك اللحظات أن الأسرى هم بمثابة شهداء تحت وقف التنفيذ، للأسف نحن شعب تعودنا على الاحتلال فأصبحنا نستمع لأم تروي قصة اعتقال ابنها لأكثر من ٢٠ عاما في سجون الاحتلال ونحن نتألم ونبكي! ومن هنا أدعو الْيَوْم كل أم وكل أب للتضامن مع الأسرى وأهالي الأسرى ولنجعل من قضيتهم أولوية وهما وطنيا يخصنا جميعاً. في مدارس ابنائنا، نحن ننشغل بالأقساط وبحفلات التخرج ونوع القماش المستخدم لخياطة الزِّي ونحتفل بتخريج أبنائنا من مرحلة الروضة الى المرحلة الابتدائية أو من المرحلة الابتدائية للإعدادية وترانا نبكي فرحاً من التأثر باللحظات الجميلة، ولكن هل هذا وضع طبيعي ونحن في فلسطين؟ سألت نفسي هذا السؤال تكراراً ومراراً، وبدأتُ أشك بنفسي وبمن حولي بأننا مخدرون بتأثير جرعات الاحتلال، كيف نفعل كل ما نفعل، أخجل من مقابلة أمهات الأطفال الأسرى وبدأتُ أخجل مما يشغلنا من تفاصيل، فكما عبر لي شخص ذكي، نحن منشغلون بمشاكل العالم المتطور ونحن مقيمون في دول العالم الثالث!!

ليس الغرض من المقال إضفاء روح الانهيار، بل على العكس، الهدف من مقال الْيَوْم هو تسليط الضوء عَلى يوم الأسير الفلسطيني الذي يُصادف يوم الثلاثاء القادم؛ وهو اليوم المُخصص لنصرة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ما نقوم به كأمهات وآباء من احتفال وفعاليات ابتهاجاً بأبنائنا هو الوضع الطبيعي وحق بديهي وما يجب أن يكون عليه الحال، علينا فضح جرائم الإحتلال ووضع الأسرى وأهاليهم على سلم الأولويات.

لقد أقر المجلس الوطني الفلسطيني في العام ١٩٧٤ يوم ٤/١٧ ليكون يوم الأسير الفلسطيني وفاءً لشهداء الحركة الأسيرة، وللأسرى القابعين في المعتقلات الإسرائيلية، ويعتبر يوماً لتوحيد الجهود والفعاليات لنصرة الأسرى ودعم حقهم المشروع بالحرية. نتمنى من المجلس الوطني القريب الانعقاد اتخاذ قرارات مهمة بخصوص الأسرى وترتيب الأولويات الوطنية وهنا نُقدم بعض الأرقام الفاجعة في سجون الاحتلال؛ هناك ٦٥٠٠ أسير فلسطيني، بينهم ٣٥٠ طفلاً، ٦٢ أسيرة(بينهن ٢١ أم، و٨ قاصرات)، ٧ نواب. ٥٠٠ معتقل إداري، ١٨٠٠ مريض، ٤٨ أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من ٢٠ عاما. ٢٥ أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن. ١٢ أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من ٣٠ عاماً. وأخيراً هناك ٢٩ أسيرا هم أسرى قدامى اعتقلوا قبل إبرام اتفاقية أوسلو، وكان من المفترض إطلاق سراحهم عام ٢٠١٤، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تنصلت من تعهداتها.

هؤلاء يعانون شتى اجراءات القمع والقوانين التعسفية الإسرائيلية من الضرب والتعذيب والعزل الانفرادي إلى منع زيارة الأهالي والحرمان من العلاج والإهمال الطبي، ومنع إكمال التعليم. الآن يجب أن يكون المطلب هو حرية هؤلاء جميعاً وإطلاق سراحهم، علينا فضح جرائم الاحتلال وتفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة تجاه إسرائيل على انتهاكاتها المتواصلة. تحية لمسيرات العودة السلمية للجمعة القادمة باسم الشهداء وحرية الأسرى القابعين في سجون الإحتلال.