طلال عوكل - النجاح الإخباري - ربما كان من المناسب لأسباب وطنية وتاريخية، أن يعود الفلسطينيون على نحو جماعي، تبدأ به النخبة، لمراجعة، أحداث تاريخية وتجارب، تركت بصماتها بقوة على صفحات الصراع التحرري في مواجهة قوى العدوان والاستعمار. ثمة ما يفرض الحاجة لذلك في هذه المرحلة التي تشهد تقدما لمخططات الاحتلال نحو إسقاط الحقوق التي أقرتها الشرعية الدولية للشعب الفلسطيني الواحدة تلو الأخرى. فمع أن الحقوق التي أقرتها الشرعية الدولية، وقبل بها الشعب الفلسطيني، تشكل الحد الأدنى، من الحقوق التاريخية، إلا أن رفض إسرائيل للامتثال، والإقرار بتلك الحقوق، يعيدنا إلى البدايات. تقول البدايات أن المشروع الصهيوني أقيم استنادا لفكرة استعمارية، لزرع "شعب" مغاير لشعوب المنطقة يفصل بين القسم الأسيوي، والقسم الأفريقي من الوطن العربي، وتقول البدايات أيضا أن الحركة الصهيونية اشتعلت منذ بداية نشاطها على فكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وأن طموح تلك الحركة لا يقف عند حدود أرض فلسطين التاريخية وإنما يتعداها إلى ما بين النيل والفرات. وطالما أن أصل الفكرة والمشروع، استعماري، فإنه لا سبيل للبحث في مبررات وأهداف تبدل القوى العالمية التي تتبنى المشروع، وتؤمن له الدعم الكامل والحماية. كانت البداية مع الاستعمار البريطاني والفرنسي، باعتبارهما القوى الاستعمارية الأعظم، وبعد الحرب العالمية الثانية، وتراجع دور تلك الدول، تقدمت الولايات المتحدة لاستلام المهمة باعتبارها القوة الاستعمارية الأعظم وما تزال تفعل ذلك. إذا الصراع ليس فقط مع المنفذين المباشرين للمشروع وإنما في الأصل مع أصحاب المشروع، الذين يؤمنون له كل أسباب النجاح.

في زمن سابق، كانت القوى الفلسطينية وإلى حد ما العربية التحررية، ترفع شعار الكفاح في مواجهة مثلث أعداء يتكون من الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية فهل يكتشف الفلسطينيون اليوم خطأ حصر جبهة الأعداء بالاحتلال الإسرائيلي، أم أن ثمة من يجادل في ذلك؟. وفي الدروس الأساسية لتجربتي فيتنام والجزائر، نستعيد حقيقتين أساسيتين، الأولى مدى أهمية وحدة القوى المناضلة، ومنهج تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية خصوصا في مرحلة التحرر. لعل تجربة جنوب أفريقيا والمؤتمر الوطني في مقاومة العنصرية، يضيف مثالا آخر، أقرب من غيره للحالة الفلسطينية.

أما الحقيقة الثانية، فهي أن القتال لم يتوقف لحظة، خلال مرحلة المفاوضات فالمفاوضات لا يمكن أن تؤتي ثمارها، في ظل الهدوء، وما تفعله على الأرض سيظهر على طاولة المفاوضات.  في فيتنام تحديدا، لم تخضع الولايات المتحدة، إلا بعد أن اشتعل الداخل الأمريكي احتجاجا على سياسة الدولة. في الحالة الفلسطينية إدراك هذا المبدأ أمر يفوق في أهميته الدرس الفيتنامي، ذلك أن المشروع الصهيوني ما كان له أن يكون وينجح ويستمر، إلا لكونه قرارا دوليا، تبنته أعتى القوى الاستعمارية، وخضعت له القوى الأخرى الفاعلة على الصعيد الدولي حين اعترفت بإسرائيل في الأمم المتحدة.

هذا يعني أن على الفلسطينيين أن يحددوا أعداؤهم بوضوح تام، وأن يخوضوا معركة إعادة بناء وعي المجتمعات في الدول الاستعمارية، نحو فهم أعمق للرواية الفلسطينية، بحيث تشكل تلك المجتمعات ضغطا قويا على أنظمتها السياسية، التي لن تغير من سياساتها ومواقفها، إلا تحت ضغوط مجتمعاتها. في هذا السبيل ثمة تقدم معقول في الكفاح الفلسطيني، على هذه الجبهة، فاليوم ليس كالبارحة، ولكن أشياء كثيرة، منظمة، وممنهجة ينبغي أن تتم عبر استثمار الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية، في تلك الدول، حتى يمكن الاطمئنان إلى أن ساعة التاريخ تسير في الوجهة السليمة.

المصدر: النجاح الاخباري