منال الزعبي - النجاح الإخباري - في خضم الحرب المدمرة التي غلفت غزة بظلامها، وسلبت أهلها الراحة والأمان بل طمست ملامح الحياة كلها، فاتورة دم باهظة دفعها أهل قطاع غزة، لحرب لم يسلم منها أحد.
الطموحات والأحلام والعلم أيضًا أثمان دفعت من حسابات الطلبة في غزة، الذين فقدوا مدارسهم وجامعاتهم وكبتهم بل أرواحهم وأرواح أهاليهم ومحبيهم في كثير من الحالات.
وفي رصدنا لقصص الطلبة من قطاع غزة الذين تضرووا بسبب الحرب والتحقوا بجامعة النجاح ضمن مبادرة "يدًا بيد"، يروي لنا الطالب معتصم الفرا الذي عنون حياته بـ "ملحمة صمود ونجاة".
معتصم من خانيونس جنوب قطاع غزة، شاب طموح مجتهد، قبل السابع من أكتوبر عكف على مستقبله يبنيه بعزيمة وإصرار وتطلع نحو مستقبل رسم له صورًا علقها على جدران غرفته أملا في تحققها، اختار تخصص اللغة الإنجليزية في جامعة الأزهر ، وكان في سنته الدراسية الأخيرة، بدأ مرحلة التخرج وخوض الحياة، إلا أن الحرب لم تمهله، قطعت انشغاله وطمست أحلامه وطموحاته بل بيته كله!
بين أنقاض منزله المهدوم وأحلامه المتناثرة، كان الشاب الذي يطمح إلى التخرج، يهرب من الموت مع أهله تحت القصف، ويعيش صراع البقاء. في زمن أصبح فيه الأمل رفاهية!
يستعيد الفرا ذكريات ليست بعيدة وهو يروي تفاصيل أشبه بكابوس أو مشهد من فيلم رعب لم تظهر نهايته حتى الآن: "بدأت سنتي الدراسية وكلي طاقة وأمل في التخرج والبدء بحياة جديدة مليئة بالنجاح. كنت أحلم بلحظة استلام الشهادة، تلك اللحظة التي خططت لالتقاطها في مخيلتي مراراً وتكراراً، ورؤية درع التخرج معلقاً على جدران غرفتي. غير أن هذه الأحلام لم تستمر طويلاً، فقد جاءت الحرب وقطعت خيوط الطموح التي نسجتها!
ويكمل: "بين ليلة وضحاها، تحولت أفكاري من التخرج والمستقبل إلى البقاء والنجاة، أمضينا أيامًا مضنية في رفح، رأينا الموت بأعيننا وتوقعناه كان واحدنا يتفقد جسده فيما كان إذا ما زال على قيد الحياة في كل مرة، هربنا من الصواريخ التي لا مهرب منها، نزحنا مرة واثنتين وثلاثة.
في عزّ نزوحنا وشتاتنا وانعدام أبسط إمكانيات الحياة جاءت الأخبار المفجعة عن تدمير منزلنا في خانيونس، ذلك المكان لم يكن بيتًا فحسب، بل مأمن الحلم والطموح، تحول بلحظة إلى ركام وجدران تهدّمت على كل الذكريات فدفنتها".
ويتحدث بحسرة من فقد عزيزًا: "راحت مكتبتي كنت أضع على رفوفها الكتب التي رافقت رحلتي الدراسيّة، كانت رصيدي ورأس مالي الوحيد الذي أبني عليه آمالي وتطلعاتي"
رغم كل هذا الدمار والألم، وجد معتصم ضوءًا في نهاية النفق: فرصة لاستكمال تعليمه في جامعة النجاح الوطنية، وسط الركام والخوف، أصر على تحويل معاناته إلى قوة تدفعه لتحقيق أحلامه، متحديًا الحرب التي حاولت سلبه كل ما هو جميل.
"يدًا بيد" المبادرة التي أعلنتها جامعة النجاح فاتحةً أبوابها لطلبة غزة الذين انقطعت بهم السبل لاستكمال تعليمهم الجامعي. استعاد معتصم أمله من جديد، وسارع في الانتساب وقُبل في شهر أبريل 2024.
ورغم النزوح المتكرر والخوف المستمر، لم يتوقف معتصم عن الدراسة. كان ينجز واجباته ويقدم امتحاناته عبر الإنترنت، متحديًا الظروف الصعبة، وحول تجربته يقول: "الفريق الأكاديمي الذي رافقنا في المباردة من أروع ما يكون، كان المدرسون داعمين لي ولمئات الطلبة الآخرين". ويضيف: "كانت تلك التحديات بمثابة وقود لإصراري، ودافعاً للاستمرار. لم يكن هناك خيار سوى النجاح."
معتصم نموذج واحد من نماذج عديدة قدمتها غزة للعالم تثبت كل مرة أنّ العزيمة وليدة المحن، وأنّ أهل هذا القطاع يستحقون الحياة وهم أهل لها، يقول: "دائما هناك نقطة تحول، حتى في أحلك اللحظات، نرفض الاستسلام وسنواصل التحدي ما دمنا على قيد الحياة".
هي معاناة وأمل جيل كامل من طلبة غزة الذين استناروا بأمل جديد من مبادرة جامعة النجاح، ليظلوا متمسكين بأحلامهم رغم كل ما مروا به من قهر يصعب رصد تفاصيله.
صور للبيت المدمر: