النجاح الإخباري - اختارت إسرائيل أكثر لحظات مخيم النصيرات ازدحاما يوم السبت لتدفع بعشرات من جنودها تحت غطاء كثيف من نيران المدفعية والطيران لتخليص 4 من أسراها بقوا بين أيدي مسلحي حركة حماس أكثر من 8 أشهر.

انتهت العملية باستعادة امرأة وثلاثة رجال إسرائيليين واستشهاد أكثر من 200 فلسطيني وإصابة مئات آخرين في ثاني عملية من نوعها تنجح فيها إسرائيل بعد عملية مخيم الشابورة في رفح في فبراير شباط الماضي.

لكن الثمن هذه المرة كان دماء أكثر سالت في دقائق معدودات.

تقول صحفية فلسطينية كانت شاهدة على ما جرى في وسط قطاع غزة إن القوة العسكرية التي قال الجيش الإسرائيلي إنها ضمت أيضا عناصر من جهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة، بدأت بتطويق منطقة النصيرات بالكامل من مختلف الاتجاهات قبل أن يخرج عشرات الجنود مما يعتقد أنها شاحنات تحمل لوحات فلسطينية ويبدؤوا في إطلاق النار بكثافة.

وأضافت الصحفية التي تحفظت على ذكر اسمها لأسباب أمنية في مقطع صوتي أرسلته لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "أنا كنت على دوار النصيرات.. ما رأينا إلا هذا القصف الرهيب. قصف كتير. صارت زي أهوال يوم القيامة أقسم بالله.. الناس صارت تجري.. تجري في كل مكان.. صارت القناصة تقنص في كل مكان.. في كل مكان.. والطيران يقصف والمدفعية تقصف".

وتابعت في وصفها للعملية: "قالوا قوة خاصة.. رأينا الدبابات تأتي من جهة النخيل.. من شرق البريج.. دخلوا على (شارع) صلاح الدين مباشرة.. جاؤوا من نتساريم.. حوطوا محيط نتساريم ومنطقة العودة وجاؤوا من شارع الطاقة. جاؤوا من شارع البريج وحاوطوا النصيرات كلها.. وأول ما القوة الخاصة جاءت.. طبعا عملية الإنزال شفناها كويس عند مستشفى العودة.. كانوا يمكن ولا 30 جنديا.. وصار اللي صار".

أعادت مروحيات إسرائيلية بعدها بقليل كلا من: نوعا أرغماني (25 عاما) وألموع مئير (21 عاما) وأندري كوزلوف (27 عاما) وشلومي زيف (40 عاما) إلى داخل إسرائيل. واحتفى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وساسة إسرائيل بالعملية التي جاءت بعد ثلاثة أشهر من تخليص مسنين إسرائيليين من قبضة مسلحين في رفح في فبراير شباط الماضي في عملية انتهت يومها بمقتل أكثر من 100 فلسطيني.

من زاوية أكثر قربا، يقول شاهد آخر إن القوة المتسللة نفذت حزاما ناريا كاملا حول المنطقة استخدمت فيها أسلحة مختلفة من مقاتلات إف-16 إلى مسيّرات كواد كابتر المسلّحة.

والحزام الناري هو طوق نيران يستخدم لإبعاد الطرف الآخر عن منطقة بعينها. وفي حالة غزة، يستخدمه الجيش الإسرائيلي لإخلاء مناطق محددة من المسلحين أو المدنيين تمهيدا لدخولها.

 أين المفر؟

على بعد لا يزيد على 400 متر من موقع منزلين كانا هدف العملية في المخيم الذي يصفه مسؤول في قطاع غزة لوكالة أنباء العالم العربي بأنه أكثر نقاط قطاع غزة ازدحاما في الوقت الحالي بعد دفع مئات الآلاف للرحيل عن رفح في أقصى الجنوب وانتفاء مظاهر الحياة تقريبا فوقها في خان يونس.

يقول شاهد العيان الذي طلب عدم التصريح باسمه "بدؤوا بغطاء ناري كثيف جدا ساعة العملية.. ضربوا أحزمة نارية على بعد 300 أو 400 متر من المكان إللي فيه المحتجزين.. ضربوا الحزام الناري وكان كل شيء لديهم يضرب النار. (مسيّرات) الكواد كابتر بتضرب والمدفعية بتضرب.. والمروحية بتضرب والإف-16 كمان.. كل الدنيا كانت تضرب". وأضاف: "الشهداء كانوا على الأرض والناس مش لاحقة تشيل شهداء".

لا يحدد الشهود مصير المسلحين الذين كانوا يتولون مسؤولية حراسة الإسرائيليين الأربعة الذين تقول إسرائيل إنهم اقتيدوا من حفل موسيقي في مستوطنة قرب غزة صباح السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي.

لكن شاهد العيان القريب، قا: إن الجنود المتسللين أطلقوا قنابل دخان بشكل كثيف جعلت حركة الجميع، بما فيهم المسلحون، بالغة الصعوبة. وأضاف "ضربوا قنابل دخان. غطوا على العملية بشكل رهيب. تعرف لما يصير القصف بهذه الطريقة الحركة بتكون صعبة جدا.. على المقاومين.. وعلى إللي بيحرسوا وعلى المواطنين.. الكل بيشوف مكان يختبئ فيه من الضرب. الناس كانت بتهرب وهما (الإسرائيليين) بينفذوا العملية. علشان هيك كانت عمليتهم ناجحة.. قتل منهم ضابط أثناء العملية. والله أعلم بيقولوا قتل بنيران صديقة".

يرجع خبير رسم السياسات الأمنية محمد القاسم ما جرى لما وصفها بأنها "زاوية ضعف" في حراسة الأسرى يعتقد أن وراءها "مبالغة حماس في الحفاظ على صحة الرهائن".

وأضاف لوكالة أنباء العالم العربي في رسالة نصية من عمّان "هل هي نقطة ضعف أو خلل عسكري؟ بعد 8 أشهر من الحرب الإسرائيلية المدمرة لابد في الحروب أن تكون هناك نقاط تفوق لأي طرف.. هي كر وفر ونقاط خسارة للطرف المقابل".

وتابع الخبير الأردني "نحن هنا لا نتحدث عن جيش بل نتحدث عن قوة مقاومة. بالتالي هي زاوية ضعف أكيد.. اخترقها الشاباك المدجج بكل هذه التكنولوجيا.. لكن قد تكون المعلومات التي وصلت إلى الشاباك من خلال مبالغة حماس في الحفاظ على صحة الرهائن وتوفير المسكن لهم في ظروف معينة. وهذا يخدم حماس من زاوية إعلامية وما إلى ذلك.. لكن في زاوية أخرى كان عليهم الانتباه لها وهي أن كثر المبالغة في هذا الأمر إن كانت مبالغة حقيقة.. قد تكون المعلومات التي قدمت للشاباك من خلال الملف الطبي".

 هل لا تزال النصيرات منطقة آمنة؟

يروي الشاهد القريب كيف رصد السكان في مخيم النصيرات عددًا ليس بالقليل من الشاحنات التي يستقلها مدنيون. ويقول فلسطينيون إن إسرائيل استخدمت هذه المرة شاحنات مساعدات مغلقة.

ورغم انتقادات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لما وصفها بأنها "العمليات العسكرية الإسرائيلية التي لا تزال تحصد العشرات من المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة"، وتصريح مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز بأن جنودا إسرائيليين اختبأوا داخل شاحنة مساعدات لتنفيذ عملية لاستعادة 4 أسرى بوسط غزة، فإن جيش الاحتلال الاسرائيلي نفى ذلك تماما، وقال إن جنوده لم يستخدموا في النصيرات أي سيارة أو شاحنة مساعدات.

كما نفى أدرعي استخدام الجيش الإسرائيلي للرصيف البحري الأميركي على سواحل غزة في الدخول إلى النصيرات "بأي شكل من الأشكال".

في الوقت نفسه نفت القيادة المركزية الأميركية استخدام الرصيف البحري المؤقت في غزة أو أي من المعدات أو العناصر الموجودة به في عملية تحرير محتجزين إسرائيليين بالقطاع أمس السبت. وأضافت في بيان "الإسرائيليون استخدموا منطقة إلى الجنوب من الرصيف البحري في غزة لإعادة المحتجزين لإسرائيل سالمين" مؤكدة أن "أي مزاعم مخالفة لذلك عارية عن الصحة".

لكن ألبانيز أشارت رغم ذلك إلى ضيقها من تخليص الأسرى الأربعة "على يد قوات إسرائيلية ... اختبأت داخل شاحنة مساعدات".

واتهمت ألبانيز إسرائيل باستخدام الرهائن "لإضفاء الشرعية على قتل الفلسطينيين وتجويعهم" في غزة. حدث هذا في النصيرات، وهي منطقة وإن أشبعتها إسرائيل قصفا في الأسابيع الماضية، فإنها تبقى الوحيدة في القطاع التي لم تتوغل فيها قوة إسرائيلية قبل اليوم.

قال الشاهد القريب لوكالة أنباء العالم العربي إن نجاح إسرائيل في اختراق المنطقة يرجع لعمليات تمويه متنوعة نفذتها خلال الأيام الماضية في النصيرات ومحيطها. وأضاف "بدأوا الساعة 11 صباحا.. طلعوا شائعة إن فيه خيمة سيتم قصفها في مستشفى شهداء الأقصى.. هذا المستشفى فيه كل الإعلاميين والصحفيين وفيه خيام للنازحين في المكان.

طبعا لما طلع الخبر إنه بده يصير قصف في المستشفى بدأت الناس تخلي وصارت الفوضى".

وصف الشاهد موقع مستشفى شهداء الأقصى قرب المخيم المزدحم، ورسم لنا مكانه على ذات الخط مع المخيم. قال "هو مستشفى بعيد عن النصيرات بأقل من كيلومتر واحد. كلهم على نفس الخط الداخلي الطريق يعني.. المستشفى على نفس الخط اللي بيجمع المستشفى مع الزوايدة مع النصيرات.. وغير كدا الجيش الإسرائيلي توغل اليوم في منطقة دير البلح وصارت اشتباكات.. كان الجيش يحاول يجذب المقاتلين إللي في الوسطى إلى دير البلح بحيث يخفف الضغط على المنطقة اللي عاوز يدخل عليها.. هي منطقة فارغة اسمها أبو العجين ولا أعتقد أن فيها أي شيء يخلي الجيش يتوغل فيها. وطلعوا شائعة بأن فيه الاشتباكات وصارت الدبابات تضرب.. كانوا يضربون بحيث يجذبوا انتباه المقاومة بحيث يشتتوهم".

ويعتقد مصدر سياسي فلسطيني أن عجز أفراد الحراسة عن التصدي للهجوم وراءه الغارات الكثيفة التي تعرضوا لها، خاصة أن المنطقة كانت بين تلك التي تصنفها إسرائيل "مناطق آمنة".

وقال "صار الاجتياح لمخيم 2 القريب من نتساريم.. أما داخل النصيرات أو المنطقة التي يطلق عليها الهايبر مول إللي هي في المخيم وهي منطقة كتير واسعة ومكتظة جدا بالناس. طبعا هما اختاروا توقيت وقت الذروة بالضبط وطلعوا الإشاعة الخاصة بدير البلح ومواضيع التصعيد وضرب القنابل من أيام في المناطق المحاذية". وأضاف "في ساعة الصفر كانوا مراقبين البيتين. فاجأوا الشباب اللي كانوا بيحرسوا وإللي كانوا المفروض يفجروا نفسهم ودخلوا ثبتوهم أو قتلوهم.. وأخذوا الأسرى. كانت عملية الإسناد كبيرة لأنه من الصعب جدا إنك تنزل مروحية في منطقة مثل هذه.. لو أي حد شاف المروحية من فوق أي بيت كان ضربها بسلاحه وقعها وصارت ضربة كبيرة".

هل تكررها إسرائيل؟

بين تخليص المسنين فرناندو مرمان (60 عاما) ولويس هر (70 عامًا) من مخيم الشابورة في رفح في التاسع من فبراير شباط والعودة بالشبان الأربعة من مخيم النصيرات أمس السبت، تفرغ الجيش الإسرائيلي للقصف الجوي والمدفعي ومحاولات السيطرة على مناطق من رفح في أقصى جنوب القطاع.

لكن الضابط السابق في المخابرات الأردنية عمر الرداد يعتقد أن الجيش سيعاود الكرة لمحاولة تخليص أكبر عدد ممكن من الأسرى من قبضة الفصائل الفلسطينية بعد العملية التي نفذتها قواته اليوم.

وأضاف الرداد لوكالة أنباء العالم العربي في رسالة نصية من عمّان "من المرجح أن يفتح النجاح الإسرائيلي بهذه العملية شهية الجيش والاجهزة الأمنية لتكرارها وربما بأساليب وتفاصيل جديدة مختلفة. ومن المؤكد أن أي نجاحات قادمة ستعزز مقاربات إسرائيلية بأن تحرير الرهائن ممكن عبر العمل العسكري والأمني، وهو ما يعني تقليل فرص التفاوض، وبالتالي انتزاع اهم أوراق حماس بهذه الحرب".

لكن خبير رسم السياسات الأمنية محمد القاسم يعتقد أن حماس ستكون أكثر حذرا في تعاملها مع الأسرى، خاصة في ظل ضيق المساحة التي تتحرك بها بعد توغل الجيش الإسرائيلي في رفح. وأضاف لوكالة أنباء العالم العربي "هل ستكون هناك عمليات أخرى؟ هذا يعتمد على ما أرادت إسرائيل تحقيقه من هذه العملية.

هل أرادت الحصول على صورة تعطيها النصر بحيث عندما يتم الموافقة على مقترح بايدن يكون نتنياهو قد قدم نفسه للمجتمع الإسرائيلي باعتباره منتصرا.. أنا وقعت الاتفاقية بعد نصر كبير؟ هل تريد إسرائيل هذه الصورة؟

وتابع "إسرائيل قد تستخدم هذه العملية اليوم كورقة ضغط على حماس للحصول على مزيد من التنازلات أو لإشعار حماس والفلسطينيين بالهيبة المفقودة منذ السابع من أكتوبر. وبالتالي تستطيع إسرائيل من خلال هذه العملية أن تفرض على أرض الواقع نقاطا وشروطا تفرضها هي".

المصدر: وكالة أنباء العالم العربي