نابلس - النجاح الإخباري - في وقت تحدثت تقارير عن أن المحكمة الجنائية الدولية قد تصدر مذكرات اعتقال بحق عدد من القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، رُصدت العديد من التهديدات والتقارير التي تتحدث عن تهديدات أميركية وإسرائيل للمحكمة في حال أقدمت على هذه الخطوة.

لكن في حال صدر مذكرات الاعتقال فإنها قد تمثل تحولًا تاريخيًا، إذ تعتبر إسرائيل دولة تتمتع بحماية خاصة تمنع مساءلة قادتها.

أسس قانونية وتحديات سياسية

وحول تداعيات تصدير المذكرات القانونية المحتملة وما إذا كانت المحكمة قادرة على محاكمة قادة إسرائيليين، مع التركيز على الأسس القانونية والتحديات السياسية:

قال الدكتور عمر رحال مدير مركز إعلام حقوق الانسان والديمقراطية – شمس لـ "النجاح" إن مجلس الأمن الدولي يمكن أن يتدخل في أعمال المحكمة ويحد من إجراءاتها، وأن المحكمة تواجه تحديات بسبب التأثير الدولي وضغوط الدول الكبرى.

وأشار د. رحال إلى المادتين 13 و16 من الميثاق التي تمنح الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن سلطة التأثير على المحكمة. وأضاف أن المحكمة الجنائية مستقلة عن الدول، لكنها تواجه تحديات بسبب التأثير الدولي، خاصة من الدول الكبرى.

أوضح أن نظام روما الأساسي، الذي أُقر في عام 1998، لا يشير مباشرة إلى الحالة الفلسطينية، لكن المادة الخامسة من الميثاق تحدد الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، بما في ذلك جرائم الحرب والإبادة الجماعية.

وأكد د. رحال أن السلطة الفلسطينية قدمت شكاوى للمحكمة الجنائية الدولية بدءًا من عام 2014، تتعلق بالعدوان على غزة وموضوع الاستيطان. ومع ذلك، أشار إلى أن المدعي العام للمحكمة، كريم خان، لم يقم بتحقيقات جدية حول الجرائم المزعومة، على الرغم من زيارته لرام الله ولقائه بالقيادة الفلسطينية.

وأضاف أن المحكمة الجنائية أقرت بولايتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس والضفة وغزة، وذلك بناءً على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ولو "بصفة مراقب". وأضاف أن إسرائيل وأمريكا حاولتا منع المحكمة من ممارسة اختصاصها بممارسة الضغوطات واستخدام أمريكا لحق الفيتو.

وأوضح د. رحال أن المواد 5 و6 و7 و8 من ميثاق روما تشكل الأساس القانوني للمحكمة في تحقيقاتها بشأن جرائم الاحتلال، بما في ذلك الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وأشار إلى أن الفلسطينيين لا يثقون بكريم خان ولا يعولون على الجنائية الدولية لتحقيق العدالة، معتبرًا أن خان يتعرض لضغوطات كبيرة من الولايات المتحدة وبريطانيا: "لا نعوّل على كريم خان لتحقيق الشفافية والنزاهة في التحقيقات" واصفًا إياه بـ “الجبان".

ولفت إلى أن الجنائية الدولية قد تصدر مذكرات توقيف بحق قيادات المقاومة الفلسطينية أيضًا، مشيرًا إلى أن القضية أصبحت سياسية وأنه لا يتوقع أي تحرك فعلي جدي تجاه ملاحقة الإسرائيليين إلا بضغط أمريكي.

اختبار حاسم

وحول تداعيات تصدير المذكرات القانونية، أكد قانونيون ومحللون على أن إصدار هذه المذكرات قد يحدث خلال الأسابيع القادمة لا سيما بعد إرسال كريم خان مذكرات الاعتقال للدائرة التمهيدية في المحكمة، وفي حال صدورها ستمثل تحولًا تاريخيًا، حيث تعتبر إسرائيل دولة تتمتع بحماية خاصة تمنع مساءلة قادتها.

بدوره قال عمار دويك، الخبير القانوني والمحلل السياسي لـ “النجاح": إن المحكمة الجنائية الدولية تواجه اختبارًا حاسمًا لمصداقيتها ونزاهتها، وأن ملف فلسطين يمثل أكبر اختبار لها.

وتوقع أن تحدث اختراقات قريبًا قد تشمل صدور مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين، ما يفرض عزلة دولية على قادة الاحتلال، مشيرا إلى أن هناك احتمالًا لصدور مذكرات اعتقال بحق قيادات المقاومة الفلسطينية أيضًا.

 وحول مسار القضية الفلسطينية داخل أروقة المحكمة الجنائية الدولية، أوضح دويك إن المحكمة، التي بدأت عملها في عام 2002، اكتسبت الاختصاص القضائي على القضايا الفلسطينية في عام 2014 بعد انضمام فلسطين إلى ميثاق روما.

وأكد أن المحكمة تنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن دولة فلسطين قدمت إحالات وبلاغات للمحكمة تشمل ملفات الأسرى، الاستيطان، والحروب على غزة، بالإضافة إلى الإعدامات وقتل المدنيين.

وأضاف دويك أن هناك مئات البلاغات التي قدمتها المؤسسات الحقوقية والدولية، وأن الهيئة المستقلة قدمت ملفًا مكونًا من 250 صفحة إلى المحكمة الشهر الماضي حول الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وأشار إلى أن المدعي العام للمحكمة هو الذي يقرر القضايا التي سيتم العمل عليها.

وتطرق دويك إلى القرار الصادر عن الدائرة التنفيذية للمحكمة في عام 2021، الذي أقر بولاية المحكمة القضائية على فلسطين، وأشار إلى أن المدعية العامة السابقة "بنسودا" قد بدأت التحقيقات رسميًا إلا أن المدعي العام الجديد، كريم خان، وضع ملف فلسطين جانبًا وأوقف التحقيقات حتى أكتوبر 2023.

وأكد دويك على أن الضغوطات الدولية وقرار محكمة العدل الدولية الذي أشار إلى وجود أسباب معقولة لوجود مخالفة لاتفاقية الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل، أدت إلى زيادة الضغوطات على مكتب المدعي العام لتحريك ملفات دولة الاحتلال.

وأشار إلى أن الدول الأعضاء في ميثاق روما، وعددها 124 دولة، لها القدرة على التأثير على عمل المحكمة، وأن هناك ضغوطات من دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة لتأخير أو منع صدور مذكرات الاعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين.

نفوذ أمريكي

منذ تأسيسها، واجهت المحكمة الجنائية الدولية انتقادات بسبب ما يُنظر إليه على أنه إفلات إسرائيل من العقاب على الرغم من الادعاءات بارتكاب جرائم حرب.

وعلى الرغم من الإعلان عن بدء التحقيقات، أعلنت إسرائيل صراحةً عن عدم رغبتها في التعاون، مُسندةً ذلك إلى أن المحكمة لا تملك الصلاحية لإجراء التحقيقات المتعلقة بإسرائيل.

في ظل دعم الولايات المتحدة الحليف الرئيس لإسرائيل، والتي أثرت سياستها على قرارات المحكمة الجنائية الدولية.

وأوضح الدكتور أيمن يوسف، الخبير في القانون الدولي، لـ “النجاح" تعقيدات العملية القضائية في المحكمة الجنائية الدولية وتأثير السياسة على قضايا الحرب والجرائم ضد الإنسانية. أكد د. يوسف على الصعوبات التي تواجهها القضية الفلسطينية في ظل النفوذ الأمريكي والغربي على المحكمة.

قال د. يوسف إن المحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست عام 1998، تواجه تحديات كبيرة في محاكمة الضباط والقادة الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب. أشار إلى أن الأحكام قد تتأثر بالسياسات الدولية، مما يجعلها أكثر سياسية من كونها قضائية.

أوضح أن القضاة في المحكمة يأتون من دول مختلفة وقد يتأثرون بسياسات دولهم، خاصة إذا كانت هذه الدول لها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والغرب. وأضاف أن هذا يمكن أن يؤدي إلى تأخير أو تسييس الأحكام.

وتطرق د. يوسف إلى الزيارة الأخيرة لكريم خان، المدعي العام للمحكمة، إلى معبر رفح ولكن ليس إلى غزة، مما يعكس النفوذ البريطاني والأمريكي. وأكد على أن العائق الأساسي أمام العدالة هو تسييس المحكمة وتأثر القضاة بسياسات دولهم.

وأكد د. يوسف على أن القضاء الدولي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في الصراع، لكنه يتطلب صبرًا وتقديرًا جيدًا للملفات والاستعانة بخبراء دوليين وقضاة دولية. وأشار إلى أن الاستراتيجية الفلسطينية يجب أن تشمل استعدادات واضحة للذهاب إلى القضاء الدولي للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من أجل الوصول إلى صفقة سياسية.

وتناول د. يوسف الإجراءات التي قد تتخذها إسرائيل لتجنب الملاحقة القضائية الدولية. أكد على أن إسرائيل قد تشكل لجان تحقيق داخلية لمحاكمة بعض الضباط أو القادة السياسيين لتجنب العقاب الدولي، ولكنه أشار إلى أنه في حال سفر هؤلاء الأفراد إلى دول وقعت على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، فإنهم قد يواجهون خطر الاعتقال.

ومع ذلك، أوضح د. يوسف أن من المستبعد أن يحدث ذلك نظرًا لأن إسرائيل تتجنب السفر إلى الدول التي قد تتخذ مثل هذه الإجراءات، مثل إسبانيا وإيرلندا والبرتغال واليونان، وكذلك دول أمريكا اللاتينية التي أظهرت دعمًا للفلسطينيين.

وأشار إلى أن القضايا القانونية تتطلب إرادة سياسية قوية ودعمًا من مناصرين حول العالم، وأن جمع الأدلة والبراهين يعتمد على المنظمات الدولية والإنسانية وشهادات أهالي الضحايا. وأكد على أن المحكمة الجنائية الدولية تتأثر بالاتجاهات السياسية والدول التي تقوم بهذه الجرائم.

وأضاف أن القضايا المرفوعة أمام المحاكم الدولية، مثل القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، تواجه تحديات بسبب الترويج الإعلامي والدبلوماسي، وأن الأمريكان والإسرائيليين قد يحاولون إخفاء هذه القضايا أو استغلال الوقت لإبطاء العملية.

ولفت إلى أن الاستراتيجية الفلسطينية يجب أن تشمل الاستعداد للذهاب إلى القضاء الدولي كجزء من صفقة سياسية، وأن القضاء الدولي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في الصراع، لكنه يتطلب صبرًا وتقديرًا جيدًا للملفات والاستعانة بخبراء دوليين وقضاة دولية.

وتطرق د. أيمن يوسف إلى الأبعاد السياسية والإنسانية المتشابكة في القضية الفلسطينية. أكد على أن القضاء الدولي قد يُستخدم كأداة للضغط السياسي وليس فقط كوسيلة لمحاكمة الضباط والقادة الإسرائيليين.

وأوضح أن الاستجابة الإيجابية للقضايا الإنسانية في قطاع غزة، مثل فتح الحدود وإدخال المساعدات، قد تُستخدم لتبرير الأفعال والتأثير على الرأي العام الدولي. وذكر أن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تُظهر كيف يمكن للدول أن تستخدم القضاء كجزء من استراتيجيتها السياسية.

وشدد على أن السياسة لا يمكن فصلها عن القضائي وأن التوقعات بشأن المستقبل غير واضحة، مشيرًا إلى أن البيروقراطية القضائية والإدارية قد تُستغل لإطالة الإجراءات وتأجيل القضايا. وأضاف أن هذه التعقيدات تجعل من الصعب تحقيق العدالة بشكل سريع.

وأشار إلى أن الجانب الفلسطيني قد يستغل القضاء الدولي كأداة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة للتوصل إلى صفقة سياسية تخفف من معاناة غزة وتسهم في إعادة الإعمار. وأكد أن إسرائيل قد تستخدم الحديث عن الإعمار والمساعدات للتهرب من الملفات القضائية المفتوحة ضدها.

الآفاق المستقبلية

ويجمع القانونيون والمحللون السياسيون على أن القادة الإسرائيليين قد يجدون أنفسهم أمام مرمى العدالة الدولية، وقد تحدث اختراقات قريبًا قد تشمل صدور مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين وقادة المقاومة الفلسطينية، ويرون أن الجنائية الدولية تقف على خط رفيع بين العدالة والسياسة

عزلة دولية

ويرى الخبراء أن القادة الإسرائيليون قد يجدون أنفسهم محصورين داخل حدود دولتهم، حيث قد تصبح إسرائيل بمثابة سجن لهم إذا ما صدرت بحقهم مذكرات اعتقال دولية، مما يحد من قدرتهم على السفر الدولي، وأن إسرائيل قد تواجه مساءلة دولية فتجد نفسها مرة أخرى في قفص الاتهام، مما يتطلب منها تجهيز فريق قانوني قوي للدفاع عن موقفها، وهو ما قد يؤثر سلبًا على صورتها كدولة ديمقراطية.

بالإضافة إلى التأثير الاقتصادي حيث إن العقوبات المحتملة قد تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في مجالات الطيران، السياحة، الاستثمار في التكنولوجيا العالية، وتجارة الأسلحة.

الغضب العالمي المتزايد، وخاصة الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية والأوروبية، يشير إلى تغيير محتمل في الرأي العام الدولي قد يؤدي إلى زيادة الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ إجراءات قانونية.

الاحتجاجات العالمية ضد الأعمال التي تُعتبر جرائم إبادة في غزة تذكر بالحركات التي أدت إلى إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مما يعزز فرضية بدء عزلة دولية على إسرائيل.

في هذا السياق، يبدو أن إسرائيل تسعى للتهرب من المساءلة الدولية من خلال التكامل القضائي، وذلك بتوجيه القادة والضباط المتهمين للاستعانة بمحامين للدفاع عنهم في المحاكم الدولية وأمام لجان التحقيق الداخلية. هذا النهج ليس جديدًا وقد تم اتباعه في العديد من الحالات السابقة، ولكنه لا يعفي من الحاجة إلى تحقيق دولي شامل وفعّال، خاصة في القضايا الجسيمة مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.

 ومع استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يبقى السؤال: هل يمكن للمحكمة أن تتجاوز العقبات السياسية وتحقق العدالة دون تمييز؟