النجاح الإخباري - بعد تقديم مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان طلبات للدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة لإصدار أوامر قبض بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، و3 قادة من حماس، سارعت إسرائيل إلى بحث سبل التصدي لما وصفته بعض وسائل الإعلام العبرية بـ"الكارثة"، كون القرار بحسبها سيحمل انعكاسات عدة على سمعة إسرائيل الدولية وعلاقاتها وتزويدها بالأسلحة، وقد يمتد ضرره لسنوات طويلة.

وكشفت صحيفة يديعوت أحرنوت في تقرير لها أن إسرائيل كانت تستعد لزيارة كريم خان الأسبوع المقبل حيث ستحاول إقناعه بعدم وجود صلاحية للمحكمة، لكنها تفاجأت بإعلانه أمس. هذا فيما يرى محللون أن المحكمة الجنائية لم تكن لتصدر قرارات بحق إسرائيل لولا موافقة الولايات المتحدة على ذلك، واصفين ما يطلقون عليها باسم المسرحية الأميركية من أجل الضغط على نتنياهو الذي يتمرد على بايدن ويرفض تنفيذ توصياته المتعلقة بوقف الحرب والتطبيع مع المملكة العربية السعودية.

وتعمل إسرائيل على التواصل مع الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة للضغط على الإدارة الأميركية لفرض عقوبات تعطل عمل المحكمة الجنائية الدولية.

وتبلغ ميزانية المحكمة قرابة 200 مليون دولار، وأغدقت الولايات المتحدة الأموال على المحكمة بعد إصدارها مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية الحرب على أوكرانيا، لكن الولايات المتحدة الآن بحسب صحيفة نيويورك تايمز تدرس ممارسة الضغوط على الجنائية الدولية.

ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت، "دول العالم إلى سحب التمويل من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".

وأضاف بينيت "أن طلب المدعي العام هو لحظة عار للمحكمة الجنائية الدولية والمجتمع الدولي. كما أنه يوفر دفعة كبيرة للإرهاب الجهادي العالمي".

وقال بينيت: "المحكمة التي تقارن منفذ مجزرة دموية متعمدة شملت اغتصاب النساء وحرق الأطفال، بمن يدافع عن نفسه، من الأفضل ألا تكون موجودة".

موقف متأخر

ويرى المحلل السياسى والمستشار القانوني نعمان العابد أن هذه المذكرات الدولية ضد قادة الاحتلال وموقف المحكمة الجنائية جاءت متأخرة جدا، مشيرًا إلى تأخر كريم خان في استصدار مثل هذه المذكرات بحق نتنياهو ووزير دفاعه وأقطاب حكومته وجيش الاحتلال، وتعثر المحكمة الجنائية في فتح ملفات أو تحقيقات لاعتبارات سياسية، رغم وجود عدة ملفات تتعلق بالقضية الفلسطينية.

وفيما يتعلق بإعلان المدعي العام عن تقدمه لاصدار مذكرات توقيف بحق قيادات من المقاومة الفلسطينية تشمل يحيى السنوار ومحمد ضيف قال العابد لـ "النجاح" إن المدعي العام قد جانب الصواب بسبب معاملته المتساوية للجلاد والضحية. مؤكدًا أن المذكرات بحقهم قابلة للطعن ويمكن بحثها قانونيًا، معتبرًا أن القضايا المنسوبة إليهم ضعيفة وتحتاج إلى دفاع قانوني متخصص.

وتحدث العابد عن التأثيرات القانونية والسياسية لهذه المذكرات، مشيرًا إلى أن جميع الدول الموقعة على اتفاقية روما ستكون ملزمة قانونيًا باعتقال أي شخصية تصدر بحقها مذكرة جلب وإحضار. وأشار إلى إمكانية إضافة مذكرات أخرى ضد قادة الاحتلال في المستقبل القريب.

وشدد العابد على أن الاحتلال رغم كل ما يجري على الساحة الدولية وكل الضغوطات إلا أنه مستمر في العدوان على الشعب الفلسطيني وتنفيذ سياساته الصهيونية بالاحتلال والتهجير، لافتًا إلى ضرورة إصدار مذكرات بحق جميع المسؤولين عن هذه الجرائم الحقوقية.

مسرحية أميركية

بدوره أكّد د. عمر رحال أنَّ التصريحات الأخيرة الصادرة عن المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان ما هي إلا مسرحية أميركية للضغط على إسرائيل التي لم تعد تستجيب لتوجيهات الولايات المتحدة في المنطقة.

وأوضح رحال لـ"النجاح" إنَّ المدعي العام لم يصدر مذكرات توقيف فيما يتعلق بالإتهامات حول جرائم الحرب أو الإبادة. بل القضية لا تزال في مراحلها الأولى، حيث سيتم إحالة الاتهامات إلى الدائرة الابتدائية لتقرر ما إذا كانت هناك جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

وقال إنه استنادًا إلى المادة 16 من ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يحق لمجلس الأمن الدولي إيقاف التحقيق أو العقوبة لمدة 12 شهرًا قابلة للتجديد. وأوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تستخدم هذه الصلاحية للضغط على إسرائيل في ظل اقتراب الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2024.

وأكد د. رحال أن الإجراءات الحالية تأتي في سياق سياسي بحت، حيث رفض المدعي العام كريم خان فتح تحقيقات في جرائم الحرب التي طالبت بها الرئاسة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية منذ عام 2014، بما في ذلك العدوان على قطاع غزة والاستيطان كجريمة حرب مستمرة. واعتبر أن هذه التحركات تأتي بضغط أمريكي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأسباب داخلية تتعلق بالانتخابات الأمريكية.

وأشار د. رحال إلى أن المدعي العام سيقوم بإحالة القضية إلى الدائرة التمهيدية، التي ستكون مسؤولة عن إصدار مذكرات إتهام أو جلب في حال ثبت وجود جرائم. وأكد على ضرورة أخذ هذه المراحل بعين الاعتبار، حيث أن الحديث عن وجود مذكرات توقيف في الوقت الحالي غير دقيق.

سياق سياسي معقد

الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي يرى أن الإعلان عن استصدار أوامر اعتقال بحق شخصيات إسرائيلية بارزة، بما في ذلك نتنياهو وغالانت، قد يؤدي إلى تداعيات كبيرة داخل إسرائيل. وأشار إلى أن هذه التصريحات تأتي في سياق سياسي معقد، ولا تعكس بالضرورة الواقع الفعلي، معتبرًا أن القرارات الدولية لا تُتخذ إلا بموافقة ضمنية من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة.

وتطرق ياغي في حديثه لـ "النجاح" إلى الوضع العسكري في رفح واحتلال الجيش الإسرائيلي لمحور فيلادلفيا، موضحًا أن المهلة التي أعطاها غانتس ليست موجهة لنتنياهو بل للجيش لإكمال عملياته. وأضاف أن هذه الخطوات قد تؤدي إلى تساؤلات حول الخطط الاستراتيجية لإسرائيل بعد الحرب على غزة، والتي قد تفضي إلى تغييرات سياسية كبيرة.

وأكّد على أن الأحداث الجارية قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي وتغييرات في السياسة الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن الضغوط الدولية قد تزداد في حال استمرار نتنياهو في سياساته الحالية.