النجاح الإخباري - بعد إصدار مدعي عام المحكمة الدولية في لاهاي كريم خان مذكرات اعتقال للدائرة التمهيدية للمحكمة بحق كل من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، بالإضافة إلى ثلاثة مسؤولين في حركة حماس، تطرح تساؤلات كبرى، على غرار: هل تتمكن المحكمة بالفعل من توقيف نتنياهو؟ وإن فشلت في تحقيق ذلك، هل تستطيع على الأقل تشكيل أداة ضغط تدفع باتجاه إيقافه عن الاستمرار الحرب على قطاع غزة؟

وقال نتنياهو عقب بيان كريم خان حول إصدارات مذكرات الاعتقال، إن "هذا الإعلان لن يوقفني، أو يوقف إسرائيل".

وسبق أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في السنوات الماضية العديد من مذكرات توقيف علنية ضد العديد من الشخصيات في العالم ولم تتمكن من تنفيذها على غرار مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويرفض نتنياهو الضغوط الداخلية والدولية لإيقاف الحرب رافعا شعار "تحقيق النصر المطلق"، وهو مصطلح بحسب مراقبين يهدف إلى إبقاء نتنياهو في الحكم لأطول فترة ممكنة بحثا عن إنجاز ما يرفع شعبيته المهتزة بعد هجمات السابع من أكتوبر.

وإسرائيل ليست عضوًا في المحكمة ولا تعترف بولايتها القضائية، لكن الأراضي الفلسطينية أصبحت دولة عضوًا فيها عام 2015، ومن هنا تستمد المحكمة اختصاصها في النظر بالقضية من أساسها، لكن المحكمة لا يمكنها توقيف نتنياهو إلا إذا سافر لدولة موقعة على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، وعدد هذه الدول 123 دولة، وبالتالي فان اعتقال نتنياهو أو غالانت في حال صدرت مذكرة اعتقال بحقها لن تكون بمتناول المحكمة، لأنهما من المرجح ألا يسافرا لدولة موقعة على اتفاق روما، لكن قرار المحكمة قد يكون عامل ضغط لإيقاف نتنياهو عن الاستمرار في الحرب على قطاع غزة، وفقاً لخبراء قانونيين ومحللين سياسيين تحدثوا لوكالة أنباء العالم العربي.

  • قرار المحكمة أداة ضغط لإيقاف نتنياهو

يقول الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي لوكالة أنباء العالم العربي: "المدعي العام لم يكن ليأخذ هذا القرار لولا وجود ضوء أخضر كما يبدو من إدارة البيت الأبيض حتى لو كان من تحت الطاولة بهذا الاتجاه، وبالتالي هذه ستأخذ ضمن مفهوم الضغط على نتنياهو في الداخل، لأنه واضح جدًا أن الإدارة الأمريكية لم تستطع أن تقنع نتنياهو بشيء، وبالتالي هذه المسائل ستؤدي لاحقا خلال الأيام والأسابيع القادمة إلى تحرك أكبر في الداخل الإسرائيلي من أجل إسقاط نتنياهو وإحداث تغيير، لأن واضح أن الكل الدولي والأمريكي وحتى الإقليمي تبين له أنه لا يمكن إحداث أي تغيير بوجود نتنياهو رئيسا لحكومة إسرائيل".

ويضيف: "أن يتجرأ كريم خان ويقدم ذلك (مذكرات اعتقال) ضد قيادات داخل دولة إسرائيل. سيكون له تأثيرا كبيرا في الشارع الإسرائيلي وعلى إسرائيل، وتأثيرا كبيرا على المجتمع الدولي بهذا الاتجاه تحت عنوان أن المجتمع الدولي ضاق ذرعا بشكل كامل بما يقوم به نتنياهو، خاصة أنه لا يوجد لديه أي خطة استراتيجية لما بعد الحرب على قطاع غزة، وبالتالي لم يعرض أي شيء يؤدي إلى توافق أو يتوافق عليه الإقليم والمجتمع الدولي بهذا الخصوص، لذلك أعتقد أن القرارات قد تصدر إذا ما استمر نتنياهو في تعنته وإذا تراجع عن ذلك. تكون المسألة تحت عنوان أن الأمور اختلفت حتى الآن. لكن دعنا نقول نعم التوجهات ذاهبة باتجاه اتخاذ قرارات ضد نتنياهو ووكلائه".

بدوره يقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، د. بلال الشوبكي لوكالة أنباء العالم العربي: "بعيدا عن كون الإدارة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر أم لا، لأن هذه التقديرات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية أيضا تتضرر من مثل هذا القرار على اعتبار أنها دعمت إسرائيل بكل شيء".

وأضاف: :فيما يتعلق بإمكانية الضغط، نعم يمكن أن يكون هناك ضغط على إسرائيل، لكن ليس بصورة أمنية عاجلة، بمعنى أن إسرائيل في البداية ستبدي تعنتا حتى لا تظهر على أنها استجابت لمثل هذه القرارات، وبالتالي إذا ما كان هناك من ضغط ربما يكون من المؤسسات العميقة داخل إسرائيل المؤسسات الأمنية ومؤسسة الجيش بالإضافة إلى المستشار القضائي، على اعتبار أن ذلك لا يضر فقط ببعض الشخصيات الإسرائيلية وإنما قد يضر بإسرائيل أيضا، وبالتالي المخرج هو التعاطي مع مشاريع التسوية التي تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية حول التسوية، بمعنى أن الموضوع أشمل من الصفقة، يعني لن يكون الموضوع فقط في سياق صفقة تبادل، وإنما في سياق تسوية سياسية وفقا للرؤية الأمريكية، دون أن يعني ذلك أن هذه التسوية ستفضي إلى دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وإنما الدخول في مسار جديد من مسارات التسوية.

وعاد د. الشوبكي وأكد: "وبالتالي عملية التوظيف السياسي لقرارات المحكمة ستستخدم في محاولة للضغط على بنيامين نتنياهو وإفقاده الكثير من عوامل القوة داخل المجتمع الإسرائيلي".

وعقبت مصادر مطلعة على القانون الدولي لموقع صحيفة يديعوت أحرنوت على قرار المحكمة بالقول: "هذا حدث استراتيجي ضخم، سيخلق المزيد من موجات التسونامي في العديد من المناطق بما يتجاوز مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت.. سينزلق القرار أيضًا بسرعة في تأثيره على مشتريات إسرائيل من الأسلحة والاتفاقيات الاقتصادية، إلى جانب اتفاقيات الكيانات الخاصة في المجالات الأمنية. القرار يضع وصمة عار على إسرائيل، مشابهة للمقاطعة التي فرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في وقته".

وفي ظل هذه المخاوف الإسرائيلية، يرى الكثير من المحللين الإسرائيليين أن إصدار مذكرات الاعتقال بشكل رسمي سيزيد من الضغوط على نتنياهو لاستئناف مباحثات وقف إطلاق النار، وهي خطوة تضغط الولايات المتحدة باتجاهها منذ مدة لكنها تصطدم بتعنت نتنياهو، وفقا لتقديرات الكثير من الخبراء والمحللين في إسرائيل.

ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي باراك رافيد في مقال نشرته موقع "واللا العبري": كان نتنياهو على دراية بمحكمة العدل الدولية في لاهاي، وبالوضع السياسي لإسرائيل، وبالقيود القانونية، وبخطر اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، لكن السياسات التي انتهجها منذ بداية الحرب لم تأخذ ذلك في الاعتبار. تجاهل وزراء الكابنيت بغطرسة وجهل المسؤولين المهنيين، مما أدى إلى عزل إسرائيل بشكل غير مسبوق".

وتابع رفيد: "من المرجح أن يوافق قضاة المحكمة الجنائية الدولية على طلب المدعي العام إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت. إن ممارسات مثل توقيع أعضاء الكنيست على عريضة ضد المحكمة، وصيحات "النفاق" هي أمور جيدة لسياسة نتنياهو الداخلية، لكنها لن تساعد إسرائيل".

ويضيف: "ومن شأن خطوة المدعي العام أن تزيد من عزلة إسرائيل الدولية والضغوط الممارسة عليها لوقف الحرب، حتى دون إطلاق سراح المحتجزين. كما أنه سيجعل الأمر أكثر صعوبة على إدارة بايدن لمواصلة تقديم الدعم السياسي والمساعدة الأمنية لإسرائيل".

أما المحلل السياسي والمستشار القانوني، نعمان العابد، فيقول لوكالة أنباء العالم العربي: "تأخر مدعي عام محكمة الجنايات الدولية في استصدار مثل هذه المذكرات بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه وبحق كافة أقطاب الحكومة وجيش إسرائيل. نحن نعلم أن محكمة الجنايات الدولية لديها العديد من الملفات منذ ما قبل السابع من أكتوبر في الشأن الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ولكن تلكأت المحكمة لاعتبارات أعتقد أنها سياسية في فتح ملفات والتحقيق وإصدار مذكرات توقيف".

وأشار نعمان إلى أن المحكمة تتعرض لضغوط شديدة، وقال: "في المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه (كريم خان) عن طلبه بإصدار مذكراته أيضا تحدث عن موضوع أن المحكمة لن ترتهن للتهديدات ولن تنتهج لبعض الدول التي تحاول التأثير على المحكمة، وبالتالي أظن أن محكمة الجنايات الدولية يعني وازنت ما بين المواقف السياسية والمواقف القانونية".

وتابع: "تحت ضغط الإبادة الجماعية الحقيقية... وتحت ضغط أيضا المحاكمات التي تجري في محكمة العدل الدولية، تحركت الجنائية الدولية لأنه بات الأمر أمامها يعني بصراحة مخجل أن هذه المحكمة التي تحركت سريعا في موضوع الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من الملفات، حيث أصدرت بسرعة بالغة مذكرة جلب وإحضار بحق بوتين، وكل هذا التلكؤ في الموضوع الفلسطيني قديما وحديثا، ثم عندما قررت أن يعني أن تصدر مثل هذه المذكرات التي طالبت يعني أوصى بإصدار مذكرات اعتقال بحق اثنين من قادة الاحتلال الإسرائيلي رغم أن يعني رئيس هيئة الأركان (هرتسي هاليفي) هو الأكثر بالمساهمة الفعلية على أرض الواقع بالإبادة الجماعية".