وكالات - تحسين يقين - النجاح الإخباري - "إلى الفنان وليد عبد السلام"
----
- العقدة الكبرى، المعضلة، أُم المشاكل في القضية الفلسطينية، أتعرفون ما هي؟
- نفي إسرائيل عن نفسها صفة الاحتلال، واعتبار شعبنا مجرد تجمعات تحتاج لإدارة حياتها في نطاق حيزها الضيق لا العام.
وعليه، منذ عقود طويلة، وهي تراهن على "تكيّف" شعبنا مع هذا المنظور الذي ينفي عنا أي تفكير بالكينونة والكرامة والاستقلال.
بل يمكن تتبع تجليات هذه السياسة منذ الاحتلال عام 1967، والتي تجلت بشكل ظاهر في البحث عن تمثيل فلسطيني في مفاوضات الحكم الذاتي أوائل الثمانينات، من خلال مقترح ما سُمي بروابط القرى والإدارة المدنية فيما بعد، والتي لاقت فشلاً ذريعاً لم تستطع الحرب على منظمة التحرير في لبنان عام 1982 إنقاذها، والتي أجهزت عليها تماماً انتفاضة عام 1987.
ولم تكد بضع سنوات ما بعد أوسلو تنتهي، حتى عاد اليمين الإسرائيلي (ولعل الكل السياسي الإسرائيلي هو يمين فعلاً) بقيادة بنيامين نتنياهو الذي هزم شمعون بيريس الذي ترأس الحكومة الإسرائيلية بعد اغتيال رابين، الى الحديث عن السلام الاقتصادي، والذي ظل حتى الآن يتردد في أي مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية.
في حديث قصير مع المفكر الفلسطيني علي الجرباوي، عن جذور هذا التفكير، وإمكانية استقصاء ذلك بحثاً، تساءلنا معاً: هل إن الإسرائيليين اليهود يربطون هذا المنظور بصورة نمطية للعربي (والفلسطيني) الباحث عن هكذا أهداف؟
ثم رحت أتذكر أمرين: الأول ما ارتبط قديما بالفكرة الصهيونية من مشروع استعماري اقتصادي، والثاني ما ارتبط حديثا بمشاريع التطبيع مع الدول العربية والإسلامية من حديث عن رفاه اقتصادي.
وهذا قادني، حسب معلوماتي التاريخية، عما اقترحه الصهاينة على الباب العالي من دعم اقتصادي عبر تسديد ديون الدولة العثمانية.
وربما، وفقاً لنظرية رأس المال اليهودي، فإنه يمكن عمل اختراق ناجح دوما لصالح المتعاونين مع أصحاب هذا المال اقتصادياً في العالم، وبالتالي لصالح المتعاون مع الكيان السياسي الممثل لليهود، أي إسرائيل الحديثة التي تم أقامتها عنوة عام 1948.
ربما يجد الباحثون الاقتصاديون في تاريخ الاستعمار تأطيراً أكاديمياً وفكرياً وسياسياً لكل هذا، باتجاه فهم طرح حكومات إسرائيل المتعاقبة لحل القضية الفلسطينية من منظور الاقتصاد. وليته اقتصاد إنساني عادل، إنه الاقتصاد التابع الذليل.
لذلك، فما زالت إسرائيل متخندقة في هذا الموقف لم تبرحه، ولم تتزحزح عنها.
ربما تجد للأسف من يتعاطى معها (مجاملة) بعد تحولات الانتفاضة الثانية، لكن في العمق ليس لذلك عمق شعبي أبداً، مهما صعبت حياة أبناء وبنات شعبنا.
ولعلنا نعود إلى سنوات مشروع الحكم الذاتي؛ ففي كتابه الصادر حديثاً، يقتبس دكتور علي الجرباوي، في الصفحات 275-279، ما استقاه أرئيل شارون في حكومة مناحيم بيغن هذه النظرة الاستشراقية من مناحيم ميلسون المستشرق وأستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية، الذي عمل مستشاراً للحكم العسكري ابتداء من عام 1976، حين رأى ان ولاء الشعب الفلسطيني لمنظمة التحرير ليس أصيلاً بل "ينبع من ارتباط مصلحي يستحصل عليه بإغداق المال على الموالين، وبقضاء منافع الناس... وخصت المنظمة في توطيد بنية دعمها على الشريحة المدينية.. متجاهلة الريف الفلسطيني، مع ان نسبة الريفيين الذين تركوا للتهميش تصل الى 70%"..الاهتمام بالريف بهدف "إيجاد الحل المناسب لإسرائيل لعقدة التمثيل الفلسطيني في مفاوضات الحكم الذاتي".
وعليه فقد منحت روابط القرى فرص تقديم خدمات للمواطنين مثل "الحصول على التصاريح والتراخيص وأذونات جمع شمل العائلات وتسهيلات اقتصادية"، وقد تم تضمين قرار شارون بإنشاء الإدارة المدنية "لرفاهية ومصلحة السكان ومن أجل تزويد الخدمات العامة وإدارتها..".
وكما قلنا، فقد فشل كل ذلك، وظل الفلسطينيون يسعون نحو التحرر والاستقلال الوطني.
ولعل اجتياح لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية كان هدفاً سياسياً في العمق، ولكن ما أن حصل الحسم العسكري بعد صمود الفدائيين الأسطوري وخروج المقاومة من بيروت، حتى مُنيت إسرائيل بهزيمة سياسية، فقد كانت النتيجة نصرا سياسيا للمنظمة.
فكان ما كان من تعاظم الوجود السياسي للمنظمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وصولا إلى ذروة الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987.
لعل الأغنية الشعبية التي اشتهرت بمطلعها "ما بدنا طحين يويا ولا سردين يويا" التي ظهرت في السنة الثانية للانتفاضة أي عام 1989، للفنان وليد عبد السلام، تعبر بدقة عما نتحدث عنه في هذا المقال.
لقد ارتبط "الطحين والسردين"، بما كانت تقدمه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-الأونروا، للذين تم تهجيرهم من فلسطين؛ فإذا كان ذلك قد تم إنسانياً بعد عامين ونصف تقريباً من اللجوء عام 1948، فإنه خلال 75 عاماً على نكبة فلسطين، و56 عاماً على احتلال عام 1967، فإن الفلسطينيين هم شعب كامل، يصعب تغييب حقوقهم الوطنية، واقتصارها على مجرد مساعدات مهما تطورت هذه المساعدات.
من تعرّف على ما يسمى الحاجات الإنسانية في هرم ماسلو، سيجد طبقات الحاجات، من تأمين الحاجات الأساسية انتهاء بالحاجات المعنوية، لكن حين نتأمل واقع اللاجئين الفلسطينيين، بشكل خاص، وواقع شعبنا بشكل عام، سيجد أن الفلسطيني العادي لم يكن لينسى حقوقه وطموحاته في العيش ملبياً حاجاته الإنسانية والقومية والثقافية عبر دولة خاصة به، فلا يعني شبع المعدة الكثير له، لأن الكثيرين/ات عاشوا وعشن بنصف معدة أو أقل، لكن أبداً لم يعيشوا بنصف طموح!
الإنسان لا يقاتل من أجل معدته!
-طيب؟
-ليس لنا إلا أن نكون وسنكون.
-وعقدة إسرائيل في النفي عن نفسها صفة الاحتلال، والنظر لشعبنا كسكان يحتاجون خدمات وتسهيلات حياتية؟
- سيرورة .. صيرورة التغيير لا استثناء لها.
يقول الراوي، لقد ظل الشعب الفلسطيني على أرضه، وهكذا صار بقاؤه خلاصه، فعاش حراً في بلده، وظل يزرع الأرض ويبدع، فها هي الحبوب والثمار، وها هي الكتب واللوحات والمواويل والأطفال الباسمون.