وكالات - عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - لو أخذنا الأمور في ظاهرها فإن الإقليم هو أقرب إلى حالة الهدوء. فمن ناحية تتقدم المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وتتحدث الولايات المتحدة نفسها عن قدرٍ معين من هذا التقدم، و"تستشعر" إسرائيل مدى الشوط الذي قطعته المفاوضات، وتستمر في التهديد والوعيد، مع أنها تعي وتدرك جيداً أن ليس بمقدورها تنفيذ مثل هذه التهديدات طالما أن إدارة الرئيس بايدن ما زالت تأمل وتراهن على عقد اتفاق جديد. ناهيكم، أيضاً، أن "التمرد" على إدارة بايدن ليس متاحاً من الناحية الواقعية بسبب الحالة "الانتقالية" للحكومة الإسرائيلية، وبسبب أن غانتس ولابيد لن يغامرا بمثل هذا التمرد عشية الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وعشية الانتخابات في إسرائيل نفسها. وليس في نيّة أحد من أطراف الائتلاف الحاكم في إسرائيل اليوم "التخريب" على "خطط" الإدارة الأميركية.
وفي الظاهر، أيضاً، يبدو "حزب الله" "مطمئناً" إلى حاجة الولايات المتحدة، وإلى سعيها للبحث عن حل وسط لأزمة "كاريش"، بل وحاجة إسرائيل نفسها لـ"حل" كهذا، وكذلك تبدو عليه الأمور من زاوية رؤية الدولة اللبنانية، بما في ذلك الرئيس عون نفسه، وكذلك الرئيس برّي وميقاتي، أيضاً.
وعلى الجانب الآخر من الإقليم تبدي تركيا رغبة لم تعبّر عنها من قبل، بهذا القدر من الجدية والوضوح في "التفاهم" مع النظام السوري، وصولاً إلى "التصالح" معه، وأرجأت لأكثر من مرة "حملتها" العسكرية في الشمال السوري، وتراجعت في ضوء اللقاءات الأخيرة المتكررة مع القيادتين الروسية والإيرانية في مؤشر على استعداد تركيا لاستدارة سياسية كبيرة جديدة، بعد سلسلة من الاستدارات الكبيرة، والمصالحات الأكبر مع دول الإقليم، بما في ذلك مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل، مدفوعة بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بها، ومن القلق الكبير الذي يساور الرئيس أردوغان، و"حزب العدالة والتنمية" على المستقبل السياسي للحزب وللرئيس على حدٍّ سواء.
هكذا تبدو الأمور في ظاهرها فعلاً.
لكن تحت رماد هذا الإقليم تستعر النار التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وقد تباغت الجميع في لحظة من غفلة الجميع، أو في لحظة خادعة للجميع.
دعونا نبدأ من "حقيقة" الموقف الأميركي، ومن حقيقة ما يمكن أن يكون عليه التفكير الأميركي، والخطط الأميركية الكامنة أو المبيّتة.
ولنبدأ بالسؤال الآتي:
ما الفائدة الحقيقية والجوهرية التي ستجنيها الولايات المتحدة من التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران؟
لو نظرنا إلى الأمر من الناحية الاقتصادية المباشرة فإن الفوائد على الاقتصاد الإيراني أكبر بكثير من الفوائد على الاقتصاد الأميركي، خصوصاً في ظل تبعات الحصار والعقوبات الخانقة على إيران.
ولو نظرنا للمسألة من زاوية "حساسية" مسألة الطاقة في ظل الأزمة العالمية المستمرة جرّاء تواصل الحرب في أوكرانيا فإن الفوائد من هذه الناحية تحديداً تعتبر هامشية في ظل العقود التي تربط إيران بالصين وتركيا وروسيا نفسها، ما يعني أن عودة إيران إلى سوق الطاقة العالمي لن تحدث الفرق الذي تبحث عنه الولايات المتحدة، وأقصى حد أن يحدث مثل هذا الفرق بعد عدة سنوات للاقتصادات الأوروبية وليس للولايات المتحدة.
ولو نظرنا إلى المسألة من الناحية السياسية الداخلية الأميركية فإن معارضة الاتفاق من داخل الحزب الديمقراطي جزئياً، ومن غالبية الحزب الجمهوري، ومن اللوبي الإسرائيلي تعني أن الإدارة الأميركية ليس بوسعها "استخدام" الاتفاق لتحسين وضعها الانتخابي، إن لم يكن العكس هو الصحيح.
وحتى لو تم عقد الاتفاق فإن تسويقه والدفاع عنه داخل مؤسسة الكونغرس سيكون هشّاً طالما أن المؤشرات، أو بعضها على الأقل تفيد بإمكانية خسارة الحزب للكونغرس في الانتخابات النصفية، ما يؤشر على إمكانية خسارة الانتخابات الرئاسية لاحقاً.
فهل حقاً أن الإدارة الأميركية مهتمة بالوصول إلى هذا الاتفاق أم أن هذه الإدارة تشتري وقتاً فقط بانتظار تطورات الحرب في أوكرانيا، وبانتظار وضوح الصورة هناك لكي تقدم الولايات المتحدة على خطوتها الحقيقية في منطقة الإقليم، وبحيث تكون هذه الخطوة هي تحويل هذا الإقليم إلى نقطة ارتكاز، ومنطلق لتعويض الخسارة المحتملة للغرب في أوكرانيا؟
في حالة واحدة فقط يمكن لهذه الإدارة أن تقدم على عقد مثل هذا الاتفاق وهي أن "تضمن" كفّ يد إيران عن التدخل في سورية ولبنان، وتقليل وتقليص تدخلها في اليمن والعراق، حينها ستدافع الولايات المتحدة عن الاتفاق وستعتبره في المحصلة انتصاراً لها.
لكن يبقى السؤال: لماذا ستوافق إيران على شروط كهذه، وما الذي يجبرها على ذلك، طالما أنها تعايشت مع العقوبات، وهي في وضع يمكّنها من المزيد من هذا التعايش في الظروف الدولية السائدة؟
ولهذا فإن الحرب في أوكرانيا وتطوراتها هي التي ستحسم الموقف الأميركي قبل أي سبب آخر.
فإذا مالت الموازين لصالح "الناتو" ولو قليلاً هناك "وهو أمر بعيد الاحتمال"، فإن الولايات المتحدة ستعقد الاتفاق فوراً، لأن انفجار الإقليم يمكن أن يبدد كل شيء، وفي حال أن قررت روسيا "حسم" المعركة نهائياً بزيادة 20-30% عن وتائر الحرب الحالية "وهو احتمال وارد وقريب" فإن الولايات المتحدة هنا، أيضاً، ستسارع إلى عقد الاتفاق لضمان سيطرتها النسبية على الإقليم، لأن خسارة الإقليم ستعني كارثة سياسية ستضاف إلى كارثة خسارة الغرب في أوكرانيا.
صاعق التفجير ليس هو "الهجوم" على إيران من قبل إسرائيل، لأن إسرائيل لا يمكنها التمرّد على الموقف الأميركي، صاعق التفجير موجود في لبنان، إذا ماطلت أميركا وإسرائيل في "حل" أزمة "كاريش" فعلينا أن نحضّر أنفسنا لانفجار كبير قد يتحول إلى حرب إقليمية طاحنة، أما إذا "وجدت" الإدارة الأميركية حلّاً وسطاً لأزمة "كاريش" قبل فوات الأوان فعلينا أن نعرف وندرك أن الحرب الإقليمية قد تراجعت لعدة سنوات على الأقل، وأن هذه الإدارة قررت عدم المغامرة بحربٍ من هذا القبيل.
حالة الانتظار، وحالة اللاسلم واللاحرب، وحالة التردد تعود بالأساس إلى تطورات الوضع في أوكرانيا، وإلى مخاوف الإدارة من تفكك الحلف الغربي في الشهور القليلة القادمة، كما يعود، أيضاً، إلى هشاشة وضعف القيادات الغربية وتضاؤل قدراتها القيادية أمام القيادتين الروسية والصينية، وهو ما لم يعد يخفى على أوساط غربية جادة.
قلنا إن لبنان هو صاعق التفجير، وإسرائيل إن بادرت بضربات استباقية لـ "حزب الله" فستخسر الغاز والنفط بكل تأكيد، وإن ماطلت فالدولة اللبنانية لن تقبل التخلي عن (مُنْقِذها) الوحيد، والحزب يتستر وراء الدولة، والدولة تتستر وراء الحزب، والمعارضة اللبنانية تُركت وحيدة دون أي سند دولي، ودون أي سند عربي أو خليجي، ولهذا فإن المراهنة الأميركية والإسرائيلية على تخويف وإرعاب لبنان بالتدمير لم يعد مقنعاً لأحد بمن في ذلك الإسرائيليون أنفسهم، ما يعني أن الإقليم على كفّ عفريت، وهو يعيش في مرحلة أُسمّيها مرحلة الخداع الاستراتيجي، فإما أن تتراجع الإدارة الأميركية وإما أن تغامر بكل شيء.
الأسابيع القادمة، والشهور القادمة ستكون حاسمة وفاصلة لأن مرحلة الخداع هذه لا يمكن لها أن تستمر طويلاً.. أما من سيدفع الثمن فهذه تحتاج إلى معالجة قادمة.