وكالات - رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - ثمانية أعوام مرت على وقوع أربعة إسرائيليين أسرى لدى «حماس» في قطاع غزة، ولا تبدو هناك في الأفق بوادر لصفقة لتبادل هؤلاء بالأسرى الفلسطينيين الذين يعدون بالآلاف، والقابعين في سجون الاحتلال منذ عقود خلت، ليس ذلك وحسب، بل إن مفاوضات لا تجري بين الجانبين، بما يوحي بأن الصفقة قادمة، وأن الوقت عبارة عن عض أصابع بين الطرفين لتحسين شروط أو مواصفات أو بنود الصفقة بين الجانبين.
وبالمقارنة مع الصفقة الأهم التي جرت بين «حماس» وإسرائيل عام 2011، والتي سمتها «حماس» صفقة وفاء الأحرار، والتي كان من نتيجتها تثبيت حكم «حماس» في قطاع غزة، فضلاً عن إطلاق سراح نحو ألف أسير فلسطيني، صحيح أن بعضهم أُعيد أسره وفق سياسة الباب الدوار الإسرائيلية، إلا أن بعض هؤلاء ضخوا الدماء في أوردة «حماس»، ويكفي أن نشير الى أن يحيى السنوار قائد «حماس» في قطاع غزة حالياً، كان واحداً من هؤلاء، نقول بمقارنة تلك الصفقة بما تمنّي النفس «حماس» من عقده من صفقة جديدة، نلاحظ بأن صفقة العام 2011، حدثت بعد خمسة أعوام فقط من أسر جلعاد شاليت، الجندي الإسرائيلي الذي وقع في الأسر حياً، بعد عملية بطولية نفذتها «حماس» مع فصيل مقاوم آخر، في كرم أبو سالم عام 2006، وانتهت بإطلاق سراح نحو ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي الوحيد.
اليوم لدى «حماس» أربعة أسرى، ومضى على وجودهم في الأسر ثمانية أعوام بالتمام والكمال، أي منذ عام 2014، ولم تُبدِ إسرائيل الاهتمام الكافي، بما يفتح الباب لإتمام الصفقة التي يبدو بأن «حماس» بحاجة ماسة إليها، ليس لأنها تجد نفسها محرجة وهي تواصل الادعاء ليلَ نهار بأنها لن تدخر جهداً من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بل لأنها تبدو مع مرور الوقت أكثر تدجيناً، مما كانت عليه، وأنها بعد أن أقنعت «الجهاد الإسلامي» بتحييد غزة، مقابل إطلاق المقاومة في الضفة الغربية، فإنها لم تعد تمتلك ورقة إطلاق الصواريخ لتعزز حضورها السياسي المتآكل على أي حال، وقد ظهرت «حماس» كمن يقول أو يهدد ولا يفعل شيئاً، حين اشتد حبل التوتر في رمضان الماضي حول المسجد الأقصى باقتحامات جماعات الهيكل ومسيرات الأعلام، ولم تطلق الصواريخ كما فعلت العام الماضي، خشية وقوع حرب كتلك التي جرت عام 2021 وسمتها سيف القدس، فيما سمتها إسرائيل حارس الأسوار.
الإسرائيليون الذين لم يختلفوا في الحكومة البديلة عن حكومات نتنياهو، قالوا إن العام الذي تلا عملية حارس الأسوار، كان الأكثر هدوءاً في تاريخ العلاقة مع «حماس»، لذا فقد ذهبوا الى فتح معبر بيت حانون أمام العمال الفلسطينيين الذاهبين للعمل وراء الخط الأخضر، ويفكرون جدياً في إقامة منطقة صناعية دائمة هناك، لذا فقد بات لدى «حماس» ما تخسره جراء إطلاق الصواريخ، ولم يعد الأمر يقتصر على المنحة القطرية فقط، وصارت «حماس» «أنضج» في الحكم، تهتم بتوفير احتياجات موظفيها ونخبتها، وصارت مقاومتها أقرب ما تكون لجيش، مهمته الأولى الحفاظ على الحكم أولاً، وحماية الحدود الخارجية في أحسن الأحوال ثانياً.
أما المقاومة في الضفة الغربية، فإن استراتيجية «حماس» القائمة على ممارسة المقاومة المسلحة، ظهرت أقل كثيراً مما كانت عليه قبل نحو عقدين، فالمقاومة المسلحة التي توقع الخسائر البشرية في صفوف الإسرائيليين سُجلت لـ «الجهاد الإسلامي» فيما ظهرت المقاومة الشعبية مسجلة باسم «فتح» في قرى ومدن الضفة الغربية الأخرى.
كذلك فإن «حماس» تكذب، حين تقول بأن خلافة الرئيس محمود عباس لا تعنيها، وهي بقولها هذا تسعى الى تأجيج صراع الخلافة بين قادة «فتح»، لتستغل حدوث الشقاق داخل «فتح» للاستيلاء على السلطة في الضفة، كما سبق لها وفعلت في غزة، لذا هي بحاجة الى ورقة الأسرى، والى «فتح» باب التفاوض من أجل تحقيق الصفقة التي ستحتاج سنوات حتى تنضج.
و»حماس» أيضاً تدرك بأن الصخب الحالي الذي يحدث في الشرق الأوسط، ما هو إلا مؤقت، وإسرائيل سعت من وراء توتير العلاقة مع إيران الى الدفع بدول الخليج العربي خاصة، للتطبيع، وما دامت الولايات المتحدة نفسها ستعود للاتفاق النووي مع إيران، ومن ثم لاحتمال تطبيع العلاقات، فإن إسرائيل تريد فقط إنجاز مهمة التطبيع بشموله للمملكة العربية السعودية، وحينها فلن ترفع عقيرتها ضد إيران، أي أن النظام الإقليمي سيشرع في ترتيب الشرق الأوسط بعد وقت لم يعد طويلاً بتقديرنا.
«حماس» التي تسعى جاهدة لوراثة «فتح»، ولا تكتفي بقطاع غزة، تريد أن تظهر على صورة الحزب السياسي الأكبر والأهم في الساحة الفلسطينية، لذا هي بحاجة الى رافعة صفقة تبادل الأسرى، لتظهر هذه الأيام بأنها قادمة، في حين أن التجاهل الإسرائيلي، يثير حنقها، في ظل انعدام الأوراق بين يديها، وخير دليل على ما نقول هو نتائج الانتخابات البلدية والقطاعية التي جرت في الضفة الغربية قبل بضعة أشهر، والتي قوبلت بمقاطعة «حماس» رسمياً وخسارتها من وراء الكواليس، وأكثر من ذلك عدم جرأتها على إجرائها في غزة، رغم أنها سبق لها وأن اتفقت مع خمسة من فصائل غزة الحليفة لها، على إجراء الانتخابات البلدية والطلابية والنقابية، لكنها سرعان ما طوت الملف.
وتجاهل إسرائيل لملف أسراها في سجون «حماس»، مبعثه أولاً أن اثنين من الأربعة وهما الجنديان اللذان وقعا في أسر «حماس» إبان حرب العام 2014، ليسا على قيد الحياة، في حين أن الآخرَين وهما هشام السيد وافرا منغيستو، مدنيان، وقعا في يد «حماس» جراء دخولهما لغزة.
وقد حاولت «حماس» أن تدفع بمفاوضات صفقة التبادل قبل نحو عامين، عبر مبادرة السنوار، التي تضمنت تنازلاً جزئياً مقابل إطلاق سراح كبار السن والمرضى في ظل جائحة «كورونا» في حينه، ولم تُفضِ المبادرة حين كان نفتالي بينيت وزيراً للجيش، الى إطلاق التفاوض، والآن تقدم «حماس» تنازلاً مجانياً، عبر محاولة الضغط على الرأي العام الإسرائيلي لإجبار حكومته على إطلاق التفاوض حول الصفقة، وذلك عبر تقديم الشريط المصوّر لهشام السيد، متضمناً الإيحاء بأنه في حالة صحية صعبة، وبما يؤكد بأن «الفيديو» حديث بالطبع من خلال ظهور مشهد اجتماع النقب. وأخيراً، «حماس» التي كانت في السابق ترفض تقديم أي معلومة مجاناً عن أسراها الإسرائيليين، ها هي تقدمها بدافع ما هي فيه من ضائقة لا تخفى على الإسرائيليين، الذين لن يحركوا ساكناً، ذلك أن حكم «حماس» لم يعد يهمهم كثيراً، كما كان الحال من قبل، وكما ظهر أيام حكومات نتنياهو على أقل تقدير أو وصف.