نابلس - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - الاعتداء الإرهابي الذي قامت به مجموعة من مستوطني «جفعات رونين» المتطرفين ضد المواطنين الفلسطينيين وضد المتضامنين الإسرائيليين من منظمتي «حاخامات من أجل حقوق الإنسان» و»ائتلاف قطاف الزيتون»، والذي أدى إلى إصابة عشرة إسرائيليين بجروح وكسور، وحرق مركبة خاصة بأحدهم وتحطيم أخرى، يلقي الضوء على أهمية العمل المشترك الفلسطيني- الإسرائيلي ضد الاحتلال والمشروع الاستيطاني الذي يهدد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي إقامة دولة مستقلة خاصة به على الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وتحقيق السلام العادل في المنطقة الذي يضمن الأمن والاستقرار لجميع الأطراف.
هذا الهجوم العدواني أحدث ضجة كبيرة في إسرائيل، ليس فقط بسبب ازدياد تطرف وإرهاب المستوطنين وتهديدهم للأمن في المناطق الفلسطينية المحتلة وإمكانية استدراج ردود فعل فلسطينية تقضي على الهدوء الذي شهدته هذه المناطق بصورة كبيرة، بل أيضاً لأن المعتدى عليهم هذه المرة هم إسرائيليون يهود، ذنبهم أنهم شاركوا الفلسطينيين في عملية تشجير في بلدة بورين جنوب نابلس. واتسع نطاق الإدانات الإسرائيلية لعنف المستوطنين وشملت وزير الخارجية يائير لابيد الذي قال إن «العنف الصادم الذي يرتكبه الخارجون على القانون في نابلس يجب أن يضيء أضواء تحذير لنا جميعاً». ونائب وزير الدفاع ألون شوستر الذي وصف المعتدين بأنهم «يقوضون أمن إسرائيل ويضرون بصورتها»، ووزير الدفاع بيني غانتس الذي قال رداً على إرهاب المستوطنين أن «الأحداث الأخيرة للإجرام القومي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) خطيرة، وأنوي التعامل بشدة». حتى أن مجلس المستوطنات في الضفة أدان الاعتداء، ونشرت إدانات أقوى وأشد من قبل شخصيات ومنظمات يسارية وكتابات وتعليقات لكتاب وصحافيين ونشطاء تصف الاعتداء بعمل إرهابي منظم يتوجب القصاص والمعالجة السريعة.
في الواقع، يشكل إرهاب المستوطنين خطراً يهدد الأمن الإسرائيلي، وهناك مطالبات من مختلف المستويات بأن يقوم جهاز الأمن العام «الشاباك» بدوره في القضاء على الإرهاب اليهودي المنظم في الضفة المحتلة. وما يحدث في الأراضي الفلسطينية هذه الايام يمثل أحد أهم الأخطار والتحديات التي تواجه إسرائيل. وهو حسب تصنيف «معهد ابحاث الأمن القومي» الذي أصدر تقدير موقف عن التحديات التي تواجه أمن إسرائيل وتؤثر على مستقبل الاستقرار فيها في العام الحالي 2022، في المرتبة الثانية بعد التهديد النووي الإيراني- كما يقول تقرير المعهد. والذي يشير إلى الاحباط لدى الأجيال الفلسطينية الشابة والتفكير الجاد بحل الدولة الواحدة الذي يهدد مستقبل إسرائيل كدولة «يهودية وديمقراطية». حتى أن الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين يؤثر على التحدي الثالث المتعلق بالوحدة الداخلية التي تشهد انقسامات وتوترات بينها ما يحصل بين اليهود والفلسطينيين داخل الدولة.
شعور عدد كبير من الإسرائيليين بخطر المشروع الاستيطاني على دولة إسرائيل، وهذا يشمل النظر بخطورة إلى إرهاب المستوطنين، يشكل مدعاة لتفكير فلسطيني جدي في شراكة فلسطينية- إسرائيلية لمواجهة حركة الاستيطان وعنف المستوطنين، وما حصل في بورين هو نموذج ينبغي أن يتطور، فوجود الإسرائيليين المتضامنين والمشاركين في الاحتجاجات الشعبية السلمية يحرج إسرائيل الرسمية ويقود لانقسام في المجتمع الإسرائيلي، وهذا بدوره يؤدي إلى التغيير السياسي المنشود مع الوقت. ولعل تجربة الانتفاضة الأولى هي خير دليل على ما يمكن أن يحدثه هذا النضال في أوساط المجتمع الإسرائيلي.
الحمد لله أن النشطاء الفلسطينيين في تناولهم للاعتداء على المتضامين الإسرائيليين لم يتحدثوا عن التطبيع، على اعتبار أن أي نشاط فلسطيني- إسرائيلي يندرج تحت هذا التعميم الخاطئ. وربما ما يحدث يشكل دعوة لكل الفلسطينيين لإعادة النظر في مفهوم «التطبيع»، والتمييز بين النضال المشترك من أجل حقوق الشعب الفلسطيني والسلام بين الطرفين على قاعدة الشرعية الدولية والمصالح المشتركة وبين التطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال، كما حصل بين الدول العربية وإسرائيل دون ربط التطبيع بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967.
والنضال على الجبهة الداخلية الإسرائيلية على درجة كبيرة من الأهمية لا تقل عن المعركة الدبلوماسية في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن والجمعية العمومية ومجلس حقوق الانسان والمنظمات الحقوقية الأخرى، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية. وبالمناسبة ترفض إسرائيل الرسمية وتحارب النضال الفلسطيني- الإسرائيلي المشترك، وهناك منظمات إسرائيلية مدعومة من الدولة مثل «أن جي أو مونيتور» تحارب المنظمات والشخصيات الإسرائيلية التي تدين وتناضل ضد الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني وتفضح ممارساته وتتعاون مع الفلسطينيين من أجل إنهاء الاحتلال والسلام. ونحن يجب أن نكون في صف المناضلين من أجل حقوقنا حتى لو كان ذلك من منطلق مصالحهم الخاصة، وألا نكون في صف الاحتلال والتطرف حتى لو استخدمنا أكثر الشعارات ثورية وراديكالية.