نابلس - النجاح الإخباري - أرسى الدستور الأميركي نظاما منح فيه سلطات قوية للمؤسسات التنفيذية والتشريعية، وجعلها تتشارك في صنع وتنفيذ القرار من خلال مبدأ الفصل بين السلطات.

وفي ظل حالة الاستقطاب الواسعة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تمنح سيطرة أي الحزبين على المؤسستين التشريعية والتنفيذية الفرصة لإحداث تغييرات واسعة بحيث لا يكترث الحزب المسيطر برأي أو موقف الحزب الآخر.

وعندما يدلي الناخبون الأميركيون بأصواتهم يوم الثلاثاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني، فلن يختاروا رئيس للبلاد فحسب، بل سينتخبون أيضا 435 عضوا في مجلس النواب، و35 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ المئة.

ويشغل الجمهوريون حاليا أغلبية مجلس الشيوخ بـ53 عضوا مقابل 47 للديمقراطيين، في حين يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب بأغلبية 230 نائبا، ويحتاج أي حزب إلى 218 نائبا لضمان سيطرته على الأغلبية داخل مجلس النواب.

وعلى الرغم من تركيز الاهتمام على الانتخابات الرئاسية، تظل انتخابات الكونغرس شديدة الأهمية بحيث تسفر نتائجها عن مجلس تشريعي له أن يعيق أو يدعم سياسات الرئيس القادم.

كما يزيد من أهمية انتخابات كونغرس 2020 احتمال أن يلعب مجلس النواب نفسه دورا كبيرا في حسم اختيار الرئيس الجديد إذا تأزم إعلان نتائج الانتخابات بفوز واضح لأحد المرشحين بسبب الخلافات القانونية والسياسية المتعلقة بالتصويت البريدي وبطء عملية عد وفرز بطاقات الاقتراع.

وتشهد انتخابات الكونغرس حماسا غير مسبوق يرجع لزيادة أعداد المشاركين في التصويت مقارنة بالنسب التي شهدتها السنوات الماضية، وذلك بسبب التوسع في التصويت بالبريد والتصويت المبكر لأسباب تتعلق بمخاوف من نقل عدوى فيروس كورونا.

قد تكون انتخابات 2020 شبيهة بانتخابات 2008 التي منحت البيت الأبيض وأغلبية مجلسي الكونغرس للحزب الديمقراطي. ويعطي متوسط الاستطلاعات الديمقراطيين فرصة 87% للفوز بالرئاسة، و73% للفوز بمجلس الشيوخ، وفرصة مقدراها 95% للفوز بمجلس النواب.

اعلان

وهكذا يبدو أن هناك فرصة أن نرى في يناير/كانون الثاني 2021 واشنطن بوصفها مدينة وعاصمة يسيطر على مؤسساتها السياسية حزب واحد له القدرة على صنع القوانين وتنفيذ السياسات.

 

ويبقى السؤال: ماذا تعني سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس والبيت الأبيض؟

 

إلغاء حق التعطيل

سيعمل الديمقراطيون ما في وسعهم لتعديل أو إلغاء أهم القوانين التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وفي سبيل ذلك لا بديل للديمقراطيين عن البدء بإلغاء حق التعطيل داخل مجلس الشيوخ.

ويسمح "حق التعطيل" (Filibuster) لحزب الأغلبية بتعطيل نظر المجلس في أي تشريع لا يروق له باستثناء تعيينات الرئيس الخاصة بالقضاة والوزراء وتشريعات الميزانية الفدرالية.

ويسمح أيضا لحزب الأقلية بطلب الحديث لساعات وأيام بلا انقطاع كطريقة لتعطيل النظر في التشريعات التي لا تروق له، ويتطلب وقف التعطيل توافر أغلبية 60% من الأصوات.

ويمنح فوز الديمقراطيون بأغلبية مجلس الشيوخ إمكانية تعديل قوانينه الداخلية، ويتطلب وقف التعطيل أغلبية بسيطة (50+1) فقط، ومع توافق المجلس مع مجلس النواب والبيت الأبيض، سيتمكن الديمقراطيون من تمرير حزمة قوانين أساسية لمحو آثار سنوات وقوانين فترة حكم الرئيس ترامب، ومن أهمها:

(1) توسيع المحكمة العليا وزيادة عدد قضاتها

صمم الجمهوريون على تعيين القاضية المحافظة إيمي كونر باريت سريعا وعدم انتظار انتهاء الانتخابات الرئاسية ليختار الرئيس الجديد قاضي المحكمة العليا، هذه سابقة أخلت بتوازن المحكمة العليا ليصبح هناك 6 محافظين مقابل 3 ليبراليين للمرة الأولى في التاريخ المحافظ.

ودفع ذلك لطرح العديد من الديمقراطيين فكرة ضرورة زيادة أعداد قضاة المحكمة العليا (تتطلب فقط قانونا من الكونغرس يوافق عليه الرئيس) ليحدث توازن بين جناحيها المحافظ والليبرالي كي لا يتم تهديد حق الإجهاض، أو إلغاء برامج الرعاية الصحية المعروف باسم أوباما كير، أو إلغاء حق زواج الشواذ جنسيا (المثليين).

وتعد فكرة إضافة 4 قضاء للمحكمة العليا، ليصبح مجموع قضاتها 13 قاضيا بدلا من 9 قضاة، من أكثر الأفكار رواجا في هذا السياق.

(2) إصلاح نظام الضرائب

تعديل مشروع إصلاح الضرائب الذي مرره الجمهوريون عام 2017 بحيث يتم زيادة الضرائب على الشركات وقطاع الأعمال والشريحة الأكثر دخلا من الشعب الأميركي.

(3) إصلاح برامج الرعاية الصحية

تمرير قانون تعديل برامج الرعاية الصحية بما يسمح للبرامج الصحية الحكومية بالتنافس مع البرامج التي تقدمها شركات التأمين الصحي الخاص ضمن منظومة أوباما كير، وتخفيض السن للحصول على تأمين صحي حكومي مجاني.

(4) منح صفة الولاية للعاصمة واشنطن وبورتوريكو

تحدث بعض قادة الحزب الديمقراطي عن ضرورة استغلال السيطرة على البيت الأبيض والكونغرس لمنح صفة الولاية لواشنطن وجزيرة بورتوريكو (أحد الأقاليم التابعة للولايات المتحدة).

ويتمتع الديمقراطيون بأغلبية كبيرة تتخطى 85% فيها، ومن شأن منحهما صفة الولاية أن يصبح لكل منهما عضوان في مجلس الشيوخ، وهو ما يضمن استمرار سيطرة الديمقراطيين على المجلس بسهولة.

أجندة أخرى متخمة

طرح عدد من أعضاء مجلس الشيوخ أفكارا لإصدار قوانين تتناول قضايا مختلفة منها قضية إصلاح أجهزة الشرطة وتعديل طريقة إنفاق مخصصاتها المالية، وتشريعات تتعلق بالبيئة وسياسات تغير المناخ، وسياسات متعلقة بقضايا الهجرة، وقوانين تحد من تأثير المال في السياسة، والتوسع في حق الاقتراع، وتعديل قوانين حق امتلاك الأسلحة النارية بحيث يتم حظر الأسلحة الآلية الهجومية، وإصلاح نظام التعيينات القضائية الفدرالية.

ستتوقف رغبة الديمقراطيين على تغيير ما قام به ترامب بناء على نسب وهامش انتصارهم، فلو كان انتصارهم الثلاثي كاسحا سنرى تغييرات واسعة تستمر بلا توقف، أما إذا كان الانتصار محدودا فسيتبع ذلك تغييرات محدودة أيضا.