محمد ياغي - النجاح الإخباري -  

 

الموقف الأميركي من القضايا العربية كان دائماً فيه انحياز وبدرجات متفاوتة لإسرائيل، لكنه لم يصل أبداً لمرحلة العداء الصريح والمباشر لقضاياهم إلا خلال ولاية الرئيس الحالي ترامب.

الرئيس ترومان، على سبيل المثال، وقف ضد نصيحة مستشاريه الذين أشاروا عليه بعدم الاعتراف سريعاً بدولة إسرائيل لعدم إغضاب العرب، لكنه كان على قناعة بأن تأييده لإسرائيل سيجلب له أصوات يهود أميركا في الانتخابات لولاية ثانية، خصوصاً بعد المذابح التي تعرض لها اليهود من قبل المانيا النازية والتي دفعت العالم جميعه للتعاطف معهم.

الرئيس أيزنهاور كان يرى أن العلاقة مع إسرائيل يجب ألا تكون على حساب العلاقات مع العرب، وأن الانحياز الصريح لها قد يكلف أميركا أثماناً كبيرة في العالم العربي. لذلك عندما تم العدوان البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي على مصر (العدوان الثلاثي) العام 1956، أمر أيزنهاور الدول الثلاث بوقف عدوانها والانسحاب من الأراضي التي احتلتها بما فيها غزة وسيناء. كان ذلك عندما كان الفكر القومي جامعاً للعرب وعندما كانت خطابات عبد الناصر تُخرج مئات الألوف للشوارع لتأييد ما يريده.

رفض عبد الناصر لسياسات المحاور، بمعنى رفضه للاصطفاف مع أميركا ضد الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت ومساعدته لحركات التحرر الوطني بما في ذلك الجزائر واليمن، ومن ثم قدرة إسرائيل على الحاق الهزيمة بثلاث دول عربية العام 1967، دفع الأميركيين للانحياز بشكل واضح لإسرائيل.

لذلك شاهدنا كيف قامت أميركا بعمل جسر جوي في عهد الرئيس نيكسون لنقل الأسلحة لإسرائيل في حرب العام 1973 بعد خسارة الأخيرة للجولة الأولى منها. وشاهدنا لاحقاً كيف وافقت ودعمت إدارة الرئيس كارتر طلب إسرائيل باستثناء الضفة بما فيها القدس وغزة من مفاوضات كامب ديفيد مع مصر العام 1978.

الانحياز الأميركي لإسرائيل استمر بالطبع خلال عهود الرؤساء الأميركيين لاحقاً: ريغان أيد الغزو الإسرائيلي للبنان وساعد إسرائيل على إخراج الفلسطينيين منها.

بوش الأب خضع لإسرائيل عندما أصرت أن يمثَّل الفلسطينيون بوفد أردني-فلسطيني مشترك في مفاوضات مدريد العام 1991. بل ان كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد العام 2000 كان ينسق خطواته أولا مع إسرائيل ويعرض عليهم ما تعرضه إسرائيل أو ما تقبل به إسرائيل.

أما بوش الابن الذي دمر العراق، فقد تبنى الرواية الإسرائيلية بأن الرئيس عرفات عليه أن يرحل أولاً من أجل إحلال السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. أوباما قدم لإسرائيل تعهدات أمنية ومالية لم تحصل عليها إسرائيل سابقاً رغم الأجواء المشحونة التي كانت بينه وبين نتنياهو.

الانحياز كان شديداً لدرجة أن جميع سياسات أميركا في العالم العربي كانت تبنى على قاعدة إن كانت هذه السياسات تضر بأمن إسرائيل أم أنها تقوم بتعزيزها: لذلك كانت دعوات أميركا للحرية والإصلاح السياسي وللحفاظ على حقوق الانسان تتوقف عند حدود العالم العربي، لأن أي تغيير فيه قد يهدد أمن إسرائيل.

على الرغم من ذلك، جميع رؤساء أميركا ما قبل ترامب كان لديهم ثوابت شكلت حجر الزاوية فيما يتعلق بسياساتهم تجاه القضية الفلسطينية، وهي التي جعلتهم وسيطاً "مقبولاً" لحل الصراع بين العرب وإسرائيل.

هذه السياسات أساسها دعوة إسرائيل لتنفيذ قرار 242 الذي يطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها العام 1967، وأن الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية وسابقا في غزة غير شرعي، وأن إسرائيل لا يمكنها أن تنعم بالسلام الذي تريد وأن تحافظ على "ديمقراطيتها" دون إعادة أراضي العرب للعرب، وأن القدس الشرقية هي جزء من الأراضي التي يشملها قرار 242، وأن اللاجئين الفلسطينيين مشكلة حقيقية يجب حلها.

صحيح أن هذه المواقف لم يجر تفعيلها بآليات عمل وبقرارات ملزمة من مجلس الأمن لتنفيذها، لكنها سمحت للإدارات الأميركية بالادعاء بأنها وسيط، وهي مواقف على أية حال كانت متقدمة على مواقف الكونغرس الأميركي الذي صوت على أن القدس بشقيها الغربي والشرقي عاصمة لإسرائيل في منتصف تسعينيات القرن الماضي.

على عكس من سبقوه، الرئيس ترامب يمثل قمة العداء والكراهية للعرب والمسلمين جميعاً.

ترامب أنهى سياسة أميركا فيما يتعلق بالقرار 242 عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلادة اليها، وعندما اعترف بضم إسرائيل للجولان السوري.

ترامب أنهى سياسات أميركا المعارضة للاستيطان في الأراضي المحتلة عندما قال إن الاستيطان حق لإسرائيل.

ترامب أنهى موقف أميركا الذي يقر بوجود مشكلة للاجئين الفلسطينيين عندما أوقف دعم بلاده لوكالة الغوث (الانروا).

ترامب يؤيد جميع سياسات إسرائيل المعادية للفلسطينيين ولحقوقهم.

ترامب يحتقر العرب عندما يقول ويكرر بأنهم لا يمتلكون غير الأموال وإذا أرادوا الحماية من بلده فعليهم أن يدفعوا. وهو يحتقرهم عندما يقول إن شيئاً لن يحدث في العالم العربي جراء تأييده لإسرائيل. وهو يحتقر المسلمين جميعا عندما يقرر منع دخول مواطني عدة دول من دولهم من دخول أميركا، وعندما يصف دينهم بالتطرف.

ترامب فعلياً نقل بلاده من دولة منحازة الى إسرائيل الى دولة متآمرة ومتواطئة معها ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين عموماً. لهذه الأسباب على العرب أن يبذلوا كل جهد ممكن لإسقاطه في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، وهم يمتلكون الكثير لفعله إن أرادوا ذلك، أقله التوقف عن التجارة مع أميركا وعدم استقبال مبعوثيها لمنطقة الشرق الأوسط، وهذا أضعف الايمان لمن لا يزال لديه القليل من مشاعر الانتماء للعالم العربي.   

نقلاً عن صحفية الايام المحلية