عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - من يتابع ثرثرة جيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس ترامب حول صفقة القرن، يلحظ تشابها كبيرا بين حالته، ومتلازمة داون، التي تصيب الأطفال المعاقين عقليا، التي شخصها الدكتور البريطاني، جون لانغدون داون عام 1862، ونشر تقريرا مفصلا حولها عام 1866، وأطلق عليها في البداية اسم "المنغولية"، أو "البلاهة المنغولية"، ومما ينجم عنها: الزهايمر، وقصر العمر، وثقل اللسان بالإضافة للجوانب المتعلقة بشكل العيون، والذقن، ودائرية الوجه، وحجم القامة. ومن ينظر إلى شخص المبعوث الأميركي، يكتشف، ان به صفات قريبة جدا من مرضى متلازمة داون من حيث الشكل والمضمون، فهو قصير، وعيونه أقرب إلى العيون المنغولية، وثرثار دون ضوابط، ومتخلف سياسيا، مع انه وريث إدارات أميركية أقامت إمبراطورية وفق المعايير اليانكية.
ومتلازمة داون لا تقتصر على المريض غرينبلات، بل أنها تطال كل مكونات الإدارة الأميركية، ومن ينظر إلى الجينات العامة لمركبات إدارة ترامب، يرى بأنها مخلوق معاق سياسيا، مما وضعها منذ توليها الحكم مطلع عام 2017 في دوامة من الأزمات المتلاحقة داخليا وإقليميا ودوليا. ولم تستطع حتى الآن من تجاوز أية أزمة تورطت فيها، ليس هذا فحسب، بل انها تصطدم دوريا وبمتوالية جبرية بأزمات جديدة وأكثر تعقيدا من ازماتها المتفاعلة في الواقع الأميركي، ومع العالم. 
ولو أخذنا نموذجا ما، أطلقت عليه "صفقة القرن" لحل المسألة الفلسطينية الإسرائيلية، نلاحظ انها وقعت اسيرة جهلها في التعامل مع الأزمة التاريخية، وضربت بعرض الحائط كل المرتكزات الأميركية السابقة عليها، وقرارات الشرعية الدولية، ومحددات التسوية السياسية المقبولة فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا. وبدأت في تطبيق صفقتها العقارية على الأرض، وقبل الإعلان عنها، وقبل التشاور مع اصحاب القضية، أو مع قطب اساسي منها. لانها افترضت، انها تستطيع من خلال: اولا نفوذها، وثانيا مركزها العالمي، وثالثا إمكانية فرض إملاءاتها على بعض دول العالم العربي والإقليم؛ رابعا اعتقادها ان العامل المقرر فيها، هو كسب ود إسرائيل، والتناغم معها في مآربها الاستعمارية؛ خامسا اعتبار الطرف الفلسطيني، الحلقة الأضعف، والأسهل في معادلة تمريرها، وإن استعصى عليها تلجأ للعصا الغليظة عبر تجفيف أموال الدعم لموازنتها، والخنق التدريجي للملفات الأساسية: القدس، اللاجئين، الأمن، الحدود عبر الإجراءات العملية؛ سادسا وإن لم تنفع العصا الغليظة تلجأ، لسياسة الجزرة، والترغيب، من خلال الإغراء بالمال.. وكأن القضية، قضية بيع وشراء، أي وفق منطق المتاجرة بالعمليات العقارية، مما دفعها للغرق اكثر فأكثر في متاهة متلازمة الثرثرة الفارغة والعبثية، وفقدان الذاكرة.
وافترضت إدارة ترامب وخاصة فريقها المنغولي، ان لعبة الإفلاس من خلال قلب المعادلة، التي انتهجها الرئيس ترامب للهرب من دفع الضرائب، يمكنها ان تنجح في تمرير الصفقة المشؤومة. اعتقادا منهم، أن الضغط وتجفيف الأموال الفلسطينية المستحقة على الإدارة، وعلى الدول المانحة ودولة الاستعمار الإسرائيلية يعفيها من دفع الالتزامات والاستحقاقات المترتبة عليهم جميعا تجاه الشعب العربي الفلسطيني. وتجاهلت كليا، ان القضية الفلسطينية، هي أولا وقبل كل شيء، قضية تحرر وطني، لا تباع، ولا تشترى، والحقوق المقبولة فلسطينيا: استقلال الدولة على حدود 1967، وتقرير المصير، وضمان حق العودة، والمساواة الكاملة، هي الحد الأقصى للمساومة التاريخية الممكنة والمقبولة، ولا يمكن لا للخمسة وعشرين مليارا، ولا لل 65 مليارا أن تساوي شيئا في المعادلة السياسية الفلسطينية. 
لكن ما العمل، والإدارة وفريقها المنغولي يدورون في حلقة مفرغة من الثرثرة، ومن الوهم، والاعتقاد انهم قادرون على تطويع الإرادة الفلسطينية، مع انهم يفترض، ان يكونوا لمسوا بالتجربة القصيرة الماضية منذ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في مطلع كانون أول/ ديسمبر 2017، أنهم لم يجنوا سوى الفشل، تلو الفشل، رغم إجراءاتهم المتناقضة مع محددات عملية السلام. 
بإمكان المنغولي غرينبلات، ومعه رئيسه ترامب وصهره كوشنير، والسفير الصهيوني فريدمان، أن يثرثروا ما شاؤوا حول الصفقة الملعونة، ولكن عليهم ان يعلموا علم اليقين، انه دون توقيع الرئيس محمود عباس، رئيس منظمة التحرير، لن تمر أية صفقة، وستبقى إجراءاتهم، وسياساتهم البلهاء عديمة الجدوى والفائدة. لكن إن شاؤوا التعافي من متلازمة داون، والثرثرة الفارغة، عليهم أن يعودوا لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام بما فيها مبادرة السلام العربية، وأن يلزموا إسرائيل بالانسحاب الكامل غير المنقوص من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، وأولا وقبل كل شيء القدس الشرقية، العاصمة الفلسطينية.
[email protected]

عن الحياة الجديدة