عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - في اجتماع كتلة الليكود قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الإثنين الماضي، "إنه ناقش عملية ضم المستعمرات في الضفة مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب"، وأضاف "انه على تواصل مع الإدارة الأميركية بهذا الشأن". الأمر الذي استفز البيت الأبيض، ودفع الناطق الرسمي باسم الإدارة الأميركية، جوش رفائيل، ورجل كوشنير المقرب، صهر الرئيس الأميركي إلى إصدار بيان رسمي، لم ينفِ فيه أقوال نتنياهو، بل كذبه، وقال إن الإدارة لا علم لها بما ذكره رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل.

المفارقة أن الإدارة الأميركية تعتبر الحليف الاستراتيجي الأقرب لإسرائيل، هي التي كذبت نتنياهو. وهي من المرات القليلة، التي تكذب فيها الولايات المتحدة زعماء العالم. لا سيما وان مفهوم "الكذب" عادة لا يستخدم في العلاقات بين الدول، ويتم استخدام مفاهيم ومصطلحات أكثر دبلوماسية كالنفي أو مطالبة هذا الزعيم أو ذاك المصدر الرسمي بتصويب ما قاله. ومع ذلك كذبت إدارة ترامب ببيان رسمي رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولم تمرر له تزويره للحقائق، كونه اعتقد بحكم العلاقة الحميمة، التي تربطه بالرئيس الأميركي، بإمكانية القفز عن التصريح، وغض النظر عنه. غير ان البيت الأبيض لجأ لتعرية أقوال زعيم الليكود.

كما ان الملفت للنظر، أن زعماء الإدارات الأميركية السابقين لم يلجأوا لاستخدام مفاهيم حادة وجارحة لقادة إسرائيل، وإن كانوا يستخدمون ذلك داخل الغرف المغلقة في اوساطهم أو مع حلفائهم. كما حصل بين الرئيسين بارك أوباما ونيكولاي ساركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق، عندما قال الأخير للرئيس الأميركي "إنني لا احتمل نتنياهو، لأنه كذاب"، فرد أوباما "رغم ذلك انا مضطر للتعامل معه يوميا". وكان الميكروفون مفتوحا ما سمح للصحفيين آنذاك بالاستماع للحوار الثنائي بين الرئيسين ونشر الحوار.

ولا يبدو أن تكذيب البيت الأبيض لنتنياهو، سبب إحراجا له أو كب عليه ماء باردا، كما اعتقد بعض المراقبين الإسرائيليين، لأن الكذب مهنته؛ وكونه لا يتورع عن اللجوء له لتبرير وتمرير سياساته الاستعمارية؛ وللحفاظ على مقعده في رئاسة الحكومة؛ ونتيجة غروره وادعائه المفرط في قوة علاقاته مع زعماء العالم؛ وتأثير نفوذه عليهم في تحقيق إنجازات لصالح إسرائيل؛ وللجم أقرانه في الائتلاف الحاكم، باعتباره الأكثر قدرة على تعميم وتمرير الرؤية الإسرائيلية في اوساط العالم.

ورجل تطارده عمليات الفساد على مدار الساعة، ورغم وجود قرائن دامغة على تورطه بالفساد في القضايا 1000 و 2000 و 3000، ومسكون بـ "العظمة" والنرجسية والغرور لا يتورع عن اللجوء للكذب لتضخيم دوره ومكانته كزعيم غير مسبوق في إسرائيل، حتى انه يسعى من خلال حفاظه على مقعده في رئاسة الحكومة أطول فترة ممكنة، ليقول للإسرائيليين، انه الزعيم الأكثر حضورا، أو الملك الإسرائيلي، الذي لا ينازع، وهو الأهم من بن غوريون، رئيس الوزراء الأول لإسرائيل، ومن مناحيم بيغن، زعيم الليكود الأول.

ورغم تكذيب الإدارة الأميركية لنتنياهو، إلا ان تكذيبها له، لا يعني أنها تخلت عن دعمها وتساوقها مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وانها باتت وسيطا نزيها لعملية السلام، لأن التكذيب هنا لم يحمل أي دلالة إيجابية سوى الرفض لما قاله نتنياهو، وكون الرجل الطاووس القاطن في البيت الأبيض لا يقبل أن ينافسه أحد على ذلك، وهو الأصل، ونتنياهو، هو الصورة المسخ. وبالتالي محاولات الرئيس ترامب وأركان إدارته في الإيحاء بأنهم الأقدر على لعب دور الوسيط، لم تعد تنطلي على القيادة الفلسطينية، لأن ما أدلى به ترامب لصحيفة "يسرائيل هيوم" خير دليل على ذلك، عندما ادعى الرئيس الأميركي "بأن الفلسطينيين ليسوا جاهزين للسلام". فهذا كاف ليؤكد أنه يقلب الحقائق رأسا على عقب، ويفضح انحيازه الكامل لدولة الاستعمار الإسرائيلية. لا سيما وأن الفلسطينيين قدموا مسبقا كل استحقاقات عملية السلام، وأبدوا الاستعداد، وما زالوا يبدون الاستعداد للمضي قدما لتحقيق التسوية السياسية وفق مرجعيات عملية السلام، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

[email protected]