منال الزعبي - النجاح الإخباري - عامٌ أعاد إليّ تلك الطفلة الصغيرة، الكبيرة في حضورها اللافت على مسرح الإذاعة المدرسية، إذ كان شغفي الإلقاء وتنظيم البرنامج الإذاعي، ونسج صباحات مختلفة أمام معلماتي و زميلاتي، تشتتُ بين الكثير من المواهب من كتابة الشعر، والرسم، وتأليف المقاطع المسرحية، والمطالعة، والرياضة، حتى لمع اسمي في المدرسة تفوّقًا ومواهبًا، إلا أنَّ خطواتي  تاهت على أبواب التخصص، من كلية الفنون إلى كلية الآداب حيث درست اللغة العربية.

 ثمانية وعشرون حرفًا منحتني عمقًا وفكرًا ونصوصًا صغت فيها ذاتي، أربعة أعوام في رحلة جامعية، رحلة صعبة غَمغَمَتْها انتفاضة الأقصى، طريقي إليها كان جبليًا وعرًا ومزروعًا بالأشواك والجراح والمعاناة، فمن ذاق وبال تلك الفترة يدرك حتمًا ما أعني، كنت أنتمي لزوايا جامعة النجاح الوطنية حجرًا حجرًا، لكلّ ما فيها ومن فيها، وكان الفقد عنوان المرحلة إذ رحل عنّا الكثير من الزملاء ما بين أسير وشهيد، تعمّق انتمائي وإحساسي الوطني، رغم يقيني من أنَّ السياسة فتاة بغيّ تنام في أحضان الساسة والزعماء ويروح ضحيتها الأبرياء، انتهت الرحلة بالتخرج الذي كادت تخرج روحي قبله، خرجت من هذا النفق الضيّق في حياتي لأفضي إلى نفق أظلم وأعتم وأشدَّ قسوة، ووقعت في شرك البطالة.

ثلاثة عشر عامًا مرّت وأنا أجوب الوظائف كلاجئ بلا هوية، كنت أنجح في كلّ مكان أصله لكن سرعان ما أتراجع فلم أجد نفسي وشغفي، حتى ولجت أعتاب مركز الإعلام في جامعة النجاح، الإعلام؟ لماذا لم أدرس الإعلام؟ وفيه وجدت ضالتي فهو المنبر المناسب لتصل الصرخات المكتومة للعالم أجمع، أن تعمل في الاعلام يعني أن تكون على صلة بكلِّ ما يجري، أن ترصد الحقائق وتطلق العنان لفكرك وقلمك بمسؤولية بالغة، عام واحد فقط كان نقلة نوعيّة إذ نفض عني كلَّ غبار السنين؛ لتظهر من جديد صورة طفلة الإذاعة لكن هذه المرّة عبر أثير أشمل وأوسع، من مدققة لغوية تعصر النصوص الإخبارية والمقالات والتقارير إلى إعداد وتقديم البرامج بدءًا من برنامج "عقدة وحل"، الذي عانق صوتي فيه أثير صوت النجاح ولقي نجاحًا لأهمية القضايا المجتمعية التي تناولها وعالجها، ورصد آراء الناس واستضاف الكثير من الشخصيات النيّرة.

ونقل برنامج "هوانا الوطن" الذي يبثُّ على فضائية النجاح هوايتي في إعادة تدوير الأشياء وتحويلها من العدم إلى الجمال. 

ثمَّ فكرة "باص النجاح"، لم يكن  باستطاعتي وأنا التي عايشت الانتفاضتين أن أعرف فلسطين بأركانها، فلم ينعم جيلنا بالرحلات المدرسية، فكان لطرح فكرة باص النجاح الوقع الأجمل ليروي عطشنا لفلسطين بمحافظاتها وناسها، عبر برنامج  زيارة المحافظات.

والرفيق خير معين في رحلة الحياة.. في مركز الإعلام تعرفت إلى زميلات وزملاء أصبحوا جزءًا مهمًّا من يومي ضحكات وأجواء أسرية يسودها جو العائلة الدافئ، والعمل الجدي المنافس ما جعلنا نقدّم كلَّ ما بوسعنا كخلية نحل.

والآن يفتح لي برنامج "سوا ربينا " نافذة على قلوب المتابعين لأعيد لهم ذكرياتهم المسلوبة وأسلط بقعة ضوء على علاقاتنا الأصيلة بعنفوانها وصدقها.

سنتي الأولى في مركز الإعلام كانت حافلة بالتطور والانطلاق والمعرفة وخطوتي الأولى في مجال الأبحاث إذ شاركت في مؤتمر أدب السجون ببحث حول رواية "وجع بلا قرار"، وهذه بداية البداية والقادم حتمًا أجمل مادام الأمل نابضًا فينا، كلمة شكر وباقة محبة أهديها لكلّ فرد في مركز الإعلام وأخص مدير المركز الأستاز غازي مرتجى الذي رغم صرامة مواقفه إلا أنَّه استطاع أن يحدث تلك النقلة النوعية، والأخ بشار ضراغمة، وأقول اخ لأنّه تعامل بأخوية مطلقة، والأخ عنان الناصر بعطائه الكبير، وكلّ الزملاء والزميلات الذين أكنُّ لهم كلَّ الحب والاحترام.. ولأنَّ الحياة مراحل ومحطات قد نقف فيها وقد نغادرها أكتب هذه السطور كي لا أنْسى ولا أُنسى فقاعدتي تقول: " إذا مررت من هنا فاترك أثرًا". 

#منال_الزعبي