ريما كتانة نزال - النجاح الإخباري -
المتهم/ة بريء/ة حتى تثبت إدانته/ا، قاعدة حقوقية مهمة نحترمها ونلتزم بقواعدها. ليس هذا ما أريد البحث فيه بقضية توقيف الشابة "جنى أبو دياب" من قبل الأمن العام في بيروت، بل في طريقة تناول الخبر ومفرداته بما أفقده مهنيته. الخبر يوجه اتهاماً قبل أن تفعل الجهات المختصة، يضلل الرأي العام حول جنسية الفتاة، بما يثير الريبة حول مقاصد الخبر وتوجيهه الرأي العام لوجهة ما، ابتعاده عن الحياد المفترض حسب المعايير الصحافية المتبعة، انحياز يحمل موقفاً، ابتغاء حرف الأنظار.
خبر ينشره أحد المواقع الإخبارية تحت عنوان عريض يقول: "توقيف الفلسطينية جنى أبو دياب يثير استغراب اللبنانيين"، ويضيف الخبر: "إن الشابة حازت على الهوية الفلسطينية الفخرية تقديراً لخدماتها في لبنان وهي معروفة بين مختلف الصحافيين بوصفها مفتاحاً لإجراء المقابلات في المخيمات الفلسطينية نتيجة التصاقها الشديد بسكان المخيمات واللجان الشعبية فيها". انتهى الاقتباس.
الخبر المثير؛ يدفعني للبحث عن اسم "جنى أبو دياب". بعض الأخبار توحي بأن الفتاة فلسطينية، وهو إيحاء قصدي يريد الإيحاء بأن الفتاة فلسطينية، بينما في الحقيقة تحمل الجنسية اللبنانية. في هذا لا أعني أسطرة الفلسطيني وتنزيهه عن الوقوع في براثن مؤسسات الاحتلال الأمنية، حيث وقعت اختراقات صعبة، بل أذهب إلى سبب ومقاصد الخبر في منحها الجنسية الفلسطينية، لا أعتقد أن الجهل هو السبب.
جميع الصور المنشورة تُظهر الشابة تحيط عنقها بالكوفية الفلسطينية مجدولة مع الشال الفلسطيني المطرَّز بالوحدات الكنعانية، تأسيسها جمعية تحت اسم "معاً إلى فلسطين" المهتمة بتنمية الوعي بالقضية الفلسطينية وتنظيم الأنشطة المساندة لها ومناهضة التطبيع. الخبر كذلك؛ يُقَدِّم الناشطة المُشار إليها بمثابة المَدْخل وكلمة المرور للالتقاء بالفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية. إيحاءات واضحة.
تاريخياً رُفع السِتار عن عمليات تجسس تحبس لها الأنفاس، ورُفع النقاب عن عملاء كانوا فوق مستوى الشبهات، حالة "جنى أبو دياب" واحدة من الحالات الصادمة بسبب اختفائها خلف رموز وشعارات وطنية أبعدت عنها كل شبهة، مكنتها من تكوين صورتها وشخصيتها. فكانت مفاجأة من العيار الثقيل لم يتقبلها الرأي العام اللبناني والفلسطيني. 
الصدمة بالغة الشدة والتعقيد دفعت أصدقاء الموقوفة إلى فتح صفحة على الإعلام الاجتماعي دعماً لها عنوانها "كلنا جنى"، بسبب القناعة بها وبسبب تأخر الأمن العام في توضيح الوضع القانوني للموقوفة، رغم أن الصراع الضاري الذي يعيشه الإقليم تجعل من أمر تجنيد العملاء أمراً متوقع الحدوث في ظل السريالية العجائبية التي تعيشها المنطقة العربية، بهدف تحقيق اختراقات في ظل زعزعة بنيان الدُوَل وتفتتها، وتجنيد العملاء لصالح الاحتلال كفرصة سانحة أمامه. 
جدير بالاهتمام والتفكير ترافق اعتقال "أبو دياب" مع اعتقال الفنان المسرحي "زياد عيتاني" بذات التهمة. الحصول على معلومات أو بثّ الإشاعات وزعزعة القيم والنظم الأخلاقية، وهدم وشائج الثقة والتماسك، ونشر ثقافة التطبيع وتمهيد الطريق أمامها. 
ليس مهماً بالنسبة لي كيف أُسقطت الكوفيّة عن عنق "جنى"، معروفة ومكررة ولكل إسقاط سياق ومفتاح. لقد انتقلت الفتاة من جهة إلى أخرى، بزاوية مقدارها مئة وثمانون درجة، من ناشطة ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، إلى سجينة متهمة بالعمالة لأجهزة عدو الشعب الفلسطيني. بل المهم لماذا قدّمت الصحيفة خبرها فاقداً المصداقية والمهنية، ولمصلحة ماذا ومن..؟ هذا ما يجب التدقيق به، هل الهدف رمي شرارة في هشيم جاهز للاشتعال وبث الفوضى حول المخيمات؟.