وكالات - النجاح الإخباري - اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الإثنين، الولايات المتحدة الأمريكية بـ«التقاعس» عن تقديم التعويضات أو غيرها من سبل الإنصاف للعراقيين الذين تعرضوا للتعذيب وغيره من الانتهاكات في سجن أبو غريب، وغيره من المعتقلات التي أدارتها واشنطن في العراق قبل عقدين.
ووفق تقرير للمنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، «ما يزال العراقيون الذين تعرضوا للتعذيب من قِبل عناصر أمريكيين بلا سبيل للحصول على الإنصاف أو الاعتراف من الحكومة الأمريكية، رغم أن آثار التعذيب أصبحت واقعا يوميا للعديد من الضحايا العراقيين وعائلاتهم».
وذكّرت أن، في أغسطس/آب 2022، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية، خطة عمل لتقليص الضرر بالمدنيين في العمليات العسكرية الأمريكية، لكنها لا تتضمن أي طريقة لمنح تعويضات للمدنيين الذين تضرروا سابقا.
وأكدت أن «الحكومة الأمريكية تقاعست على ما يبدو عن تقديم تعويضات أو سبل إنصاف أخرى للعراقيين الذين عانوا من التعذيب وغيره من الانتهاكات، رغم مرور عقدين على ظهور أدلة على إساءة القوات الأمريكية معاملة المعتقلين في سجن أبو غريب وغيره من السجون التي أدارتها الولايات المتحدة في العراق».
ووفق المصدر «بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، احتجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها نحو 100 ألف عراقي بين 2003 و2009».

«اعتراف ضئيل»

ووثّقت «هيومن رايتس ووتش» ومنظمات أخرى «التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة على يد القوات الأمريكية في العراق». وقدم ضحايا الانتهاكات لسنوات شهاداتهم حول المعاملة التي تعرضوا لها، لكنهم «لم يتلقوا سوى اعتراف ضئيل من الحكومة الأمريكية، ولم يحصلوا على أي تعويض».
وأوضحت أن «الحظر المفروض على التعذيب بموجب القانون المحلي الأمريكي، واتفاقيات جنيف 1949، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والقانون الدولي العرفي، هو حظر مطلق».
وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن: «بعد مرور 20 عاما، لا يزال العراقيون الذين تعرضوا للتعذيب على يد عناصر حكوميين أمريكيين بدون سبيل واضح لرفع دعوى أو الحصول على أي نوع من الإنصاف أو الاعتراف من الحكومة الأمريكية. وقد أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أنهم يفضلون وضع التعذيب خلفهم، لكن الآثار الطويلة الأمد للتعذيب ما تزال واقعا يوميا للعديد من العراقيين وعائلاتهم».
بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2023، قابلت المنظمة، المعتقل السابق في سجن أبو غريب طالب المجلي، إضافة إلى ثلاثة أشخاص على علم باحتجازه وقضيته بعد إطلاق سراحه، ورغبوا في عدم الكشف عن هويتهم.

وقابلت أيضا محاميا عسكريا أمريكيا سابقا عمل في بغداد العام 2003، وعضوا سابقا في المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، وممثلين عن ثلاث منظمات غير حكومية تعمل في مجال التعذيب. وراجعت أيضا ووثائق حكومية أمريكية، بما فيها تحقيقات وزارة الدفاع، في مزاعم إساءة معاملة المحتجزين.
وفي مايو/أيار، قال المجلي لـ«رايتس ووتش» إن القوات الأمريكية عرّضته للتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، بما فيها الإذلال الجسدي، والنفسي، والجنسي أثناء احتجازه في سجن أبو غريب بين نوفمبر/تشرين الثاني 2003 ومارس/آذار 2005.
المجلي، «كان أحد الرجال الذين ظهروا في صورة من أبو غريب انتشرت على نطاق واسع تظهر مجموعة من السجناء عراة وفوق رؤوسهم أكياس وهم مكدسون فوق بعضهم البعض في هرم بشري، بينما يبتسم جنديان أمريكيان خلفهما» وفق ما أكد، مضيفاً: «أمرنا جنديان أمريكيان، رجل وامرأة، بالتجرد من ملابسنا. كوّمونا، سجينا فوق سجين. كنت واحدا منهم».
واعتقل المجلي أثناء زيارة لأقاربه في محافظة الأنبار العام 2003، ففي صباح 31 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام حاصرت القوات الأمريكية القرية التي كان يعيش فيها عمه.
ووفق قوله «أخذوا أولادا وشيوخا من القرية. أخبرتهم أنني ضيف من بغداد وأعيش في بغداد وجئت لزيارة عمي. وضعوا غطاء على رأسي وربطوا معصميّ برباطات بلاستيكية. وضعوني في عربة هامر».
وبعد قضاء بضعة أيام في قاعدة الحبانية العسكرية (في محافظة الأنبار) ومكان مجهول في العراق، نقلت القوات الأمريكية المجلي إلى سجن أبو غريب. وبدأ التعذيب حينها، إذ «نزعوا ملابسنا. تم الاستهزاء بنا والأكياس فوق رؤوسنا. لا حول لنا ولا قوة. تعذيب بالكلاب البوليسية، والقنابل الصوتية، وطلقات النار الحية، والمياه في الزنزانات» تبعا لكلامه.
وبرغم أن «رايتس ووتش» أكدت أنها غير قادرة على التحقق بشكل قاطع من رواية المجلي، بما فيه إذا كان أحد الرجال الذين ظهروا في صورة «الهرم البشري» لكن قصة احتجازه في أبو غريب قابلة للتصديق، وفق المنظمة.

هوية ورسالة

وقدم المجلي أدلة تعزز روايته، منها بطاقة هوية سجين تحمل اسمه الكامل ورقمه ورقم الزنزانة، والتي قال إن القوات الأمريكية أصدرتها له في أبو غريب بعد التقاط صورته ومسح قزحية العين وبصمات الأصابع. كما أطلع المنظمة الحقوقية على رسالة حصل عليها العام 2013 من المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان، وهي هيئة حكومية مكلفة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في العراق، تؤكد احتجازه في سجن أبو غريب، بما فيه تاريخ اعتقاله (31 أكتوبر/تشرين الأول 2003) وتضم رقم السجين نفسه الموجود في بطاقة هوية السجين الخاصة به.
وأثناء الاحتلال الأمريكي للعراق من 2003 إلى 2011، احتجزت السلطات آلاف الرجال، والنساء، والأطفال في سجن أبو غريب، إذ ورد في تقرير أصدرته «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في فبراير/شباط 2004 موجه إلى التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة، أن عناصر من المخابرات العسكرية أخبروا اللجنة أن نحو 70 إلى 90٪ من المحتجزين لدى قوات التحالف في العراق في العام 2003، اعتُقلوا عن طريق الخطأ.

«سرقوا منا مستقبلنا»

ووفق المجلس، بعد 16 شهرا في أبو غريب، أطلِق سراح المجلي دون تهمة.
ورغم نيل حريته، قال إنه وجد نفسه مريضا جسديا، ومفلسا، ومصدوما، لافتاً إلى إنه أثناء احتجازه، بدأ يعض يديه ومعصميه للتغلب على الصدمة التي كان يعاني منها والتي استمرت منذئذ. كانت الكدمات الناتئة الأرجوانية على يديه ومعصميه مرئية بوضوح.
وأضاف: «أحاول أن أنسى الأمر، ولكن لا أستطيع. حتى اليوم، لا يمكنني ارتداء قميص بأكمام قصيرة. عندما يراها الناس، أقول لهم إنها حروق. أتجنب الأسئلة».
وإضافة إلى الآلام التي تعرض لها، يتألم المجلي من التأثير السلبي الذي خلّفه ذلك على أطفاله: «غيرت هذه السنة والأربعة أشهر كياني كاملاً، إلى الأسوأ. دمرتني ودمرت عائلتي. سبّبت مشاكل صحية لابني وأدت إلى ترك بناتي الدراسة. سرقوا منا مستقبلنا».
وعلى مدى عقدين، سعى المجلي إلى الحصول على الإنصاف، بما فيه التعويض والاعتذار، عن الانتهاكات التي تعرض لها بسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف محام أو الوصول إلى السفارة الأمريكية في بغداد. وسعى إلى الحصول على المساعدة من نقابة المحامين العراقيين، التي رفضت، قائلة إنها «لا تتعامل مع مثل قضيته». ثم ذهب إلى المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان، لكن كل ما استطاعت فعله هو إصدار رسالة تؤكد وجوده في سجلاتها كمعتقل سابق في أبو غريب، غير إنه لا يعرف كيفية الاتصال بالجيش الأمريكي وتقديم المطالبة.
وحسب، سارة ياغر، مديرة مكتب «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن، فإن «على وزير الدفاع والنائب العام الأمريكيين التحقيق في مزاعم التعذيب وغيره من أشكال الانتهاكات بحق الأشخاص الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة في الخارج أثناء عمليات مكافحة التمرد المرتبطة بـ(الحرب العالمية على الإرهاب) التي تشنها».
وعلى السلطات الأمريكية أيضا «بدء الملاحقات القضائية المناسبة ضد أي شخص متورط، مهما كانت رتبته أو منصبه. على الولايات المتحدة تقديم التعويضات والاعتراف والاعتذارات الرسمية إلى الناجين من الانتهاكات وعائلاتهم».
ولم تجد «رايتس ووتش» أيّ دليل على أنّ الحكومة الأمريكيّة دفعت تعويضات أو قدمت أي سُبل انتصاف أخرى إلى السجناء ضحايا الانتهاكات في العراق، كما لم تقدم الولايات المتحدة أي اعتذارات أو أشكال جبر أخرى فرديّة.
كما لم تردّ وزارة الدفاع الأمريكية على طلبات متكررة للحصول على معلومات حول ما إذا كانت الحكومة الأمريكيّة قد دفعت تعويضات بموجب قانون المطالبات الأجنبيّة أو أي تعويضات أخرى للضحايا أو أسر أولئك الذين ماتوا بسبب الانتهاكات أثناء الاحتجاز في العراق.
وبين، جوناثان ترايسي، وهو محامٍ عسكري سابق نظر في دعاوى تتعلق بأضرار حصلت في بغداد في 2003، لـ«هيومن رايتس ووتش» إنّه لا يعلم بأيّ أموال صرفها الجيش بموجب قانون المطالبات الأجنبيّة لضحايا التعذيب. وأضاف: «حتى إذا تلقى أيّ من الناجين أموالا، فإنّي أشكّ في أنّ الجيش كان راغبا في استخدام قانون المطالبات الأجنبيّة لأنّ ذلك سيُفهم على أنّه إقرار حكومي».

تحقيقات

وحاول عراقيون آخرون الحصول على العدالة في محاكم أمريكية، لكنّ وزارة العدل دأبت على رفض هذه المطالب باستخدام قانون يعود إلى سنة 1946 يوفّر حصانة للقوات الأمريكيّة «من أي مطالبات ناشئة عن أنشطة قتاليّة للقوات العسكريّة أو البحريّة أو خفر السواحل في وقت الحرب».
وفتحت «إدارة التحقيقات الجنائيّة التابعة للجيش الأمريكي» ما لا يقلّ عن 506 تحقيقات في انتهاكات مزعومة من قبل القوات الأمريكيّة وقوات التحالف الأخرى في العراق بين 2003 و2005، وفقا لوثيقة صادرة عن وزارة الدفاع راجعتها «هيومن رايتس ووتش» تضمّنت الوثيقة تفاصيل عن تحقيقات في 376 حالة اعتداء، و90 حالة وفاة، و34 حالة سرقة، وست حالات اعتداء جنسي يُزعم أنّ القوات الأمريكيّة وقوات التحالف ارتكبتها.
وحسب تقرير المنظمة فإن «هذه التحقيقات الجنائيّة التي أجراها الجيش الأمريكي تعطي صورة واضحة عن حجم ونطاق الانتهاكات المزعومة داخل السجون الخاضعة للقوات الأمريكية في العراق. بعض القضايا البارزة ومئات حالات الانتهاك الأخرى التي لم تتصدّر العناوين، معروضة مع وصف طبي لأفعال العنف».