قسم اللغة العربية، جامعة النجاح الوطنية - سارة عبد السلام بلاطية - النجاح الإخباري - لعلّنا كُنّا دائمي الإدراك لِكُلِّ ما نُقِلَ إلينا من فحاوَى حقوق الفرد عبر جيوبِ الدبلوماسيّين أو نصوص الفُرقان، وريثما تستوجب هذه الحقوق الدفاع عنها فلا نجد سوى أن فاضت الشوارع بشريحةٍ تكادُ أن تُجردَ من حقوقها أو تريد الدفاع عمَّا كان يجب أن يكون لها، وَكَثُرت التغريدات، وامتلأت جدران المحاكمِ بمُرافعاتٍ وقضايا طُبِع أصحابُها على حقٍّ فطريّ كان قد خُرِق. ومن هُنا نُعرِضُ إلى عدد من الإشكالات التي طُرحِت عن حقوق الفرد ما بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي في ضوء المعجم القانوني، وذلك من "بدء التنفيذ" وحتى "الاتهام" ، ونطرَحُ: ما إن كان أحدهما قد ربح القضية والتمس حقه الإنساني؟

في ظلِ هذه المرافعة، دخل كلا الفكرين إلى "حيز التنفيذ" عن طريقِ عدد من الاجتهادات المطروحة لتعزيز حقوق الفرد، فاجتهد الغرب بهذا الصدد بسلكِ عددٍ من الطرق: كإعلان وثيقة "الماجنا كارتا" بالقرن الثالث عشر، وصولًا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - الذي لم يمضِ على ولادته سوى نصف قرن- مرورًا بالحروب الدينيّة الأوروبيّة والحروب الأهليّة في إنجلترا بالقرن السابع عشر، والثورتيْن الأمريكيّة والفرنسيّة بالقرن الثامن عشر، وتطور الديمقراطيّة بالقرن التاسع عشر -الذي مهَّد إلى ظهور حق الاقتراع العام-  إلى جانبِ أكثر من عشرين معاهدة صدرت عن الأمم المتحدة. أما الفكر الإسلامي، فقد امتلك "لقوة الأمر المقضي به" مُنذ القرن السابع؛ وذلك عن طريق تسخير جُلّ اجتهاده لتأويل ما ورد بالقرآن الكريم من نصوصٍ أقرت على حقوق الفرد مُنذ نزوله، وظهرت وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخطبة الوداع إعلانًا عامًّا لحقوق الفرد، إضافة إلى بعض الجهود التي بذلها المسلمون حديثًا: كإصدار البيان الإسلامي العالمي من قِبل المجلس الإسلامي الأوروبي، والذي تبعه إصدار البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، فضلًا عن تقديم مشاريع أخرى كمشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام. 

وعلى الرغم من بذلِ كلا الطرفين جهودًا مذكورة في هذا الصدد؛ لتعزيز حقوق الفرد، إلا وقد ظهرت بهما نماذج قد أشركت بحقوق الفرد،  كاستخدام الغرب لحقوق الفرد " كقرينة لإعلان براءته" عندما انتهك حقَّ التملك بابتلاعه لعددٍ من المستعمرات الشرقيّة، إلى جانب امتلاكه لعددٍ من "السوابق الجنائيّة"، منها: انتهاك حقّ الحياة، وذلك بإبادة "ألمانيا النازيّة" لملايين الناس، ومنح أمريكا تصريحَ الإجهاض للنساء قبل صدور قرار إلغائه بالسنة الماضية من قِبل المحكمة العُليا، وانتهاك أوروبا لحقِّ الحريّةِ الدينيّة عن طريق استخدام السيف؛ لنشر الديانة المسيحيّة، وتصريح الرئيس الفرنسيّ "نيكولا ساركوزي" لعام ٢٠٠٩، والذي نصَّ على أنَّ الحجاب الديني غير مرحب به في فرنسا، أما فلسفة الفكر الإسلامي لحقوق الفرد، فقد أعلنت براءتها من نماذجَ تجردت من إنسانيّتها بانتهاكها لحق الحياة، كما الحروب الأهليّة التي سادت بعض الدول العربيّة الإسلاميّة، إلى جانبِ انتهاك بعض الحكومات لحقِّ مشاركة الفرد السياسيّة باتّباعها للنظام الوراثي والانتخابات الصوريّة بعيدًا عن منهج الشورى. 

ظهرَ "سوء السلوك القضائي" لدى الغرب عن طريق تقديمه إلى  "لائحة اتهام" تجاه موقف الإسلام من حقوق الفرد، وبشكلٍ أوضح، فقد استغل الغرب عددًا من الأبواب للتشكيك في عدل الإسلام ومدى منحه لحقوق الفرد، ومن أهم هذه الأبواب: النصوص الواردة في ميراث المرأة وشهادتها، إلا أنّ افتراءاتهم المروّجة لا تدل على شيء سوى الفهم القاصر لتفاسير القرآن وأسباب النزول، وعلى النقيضِ من افتراءاتهم، فإن اتباع ما ورد بهذه النصوص يمنح الفرد حقَّ التحرر من القوانين البشريّة القاصرة. 

ورغم اختلاف الأسبابِ والدوافع واتفاق الإنسانيّة، نصل بنهاية المرافعة إلى "تسويّة قضائيّة" من خلال رغبة كلا الطرفين بتحصيل حقوق الفرد، ولكن تختلف هذه الرغبة بزمانها ومكانها، فما ورد عن السياسي "ماركو سوتو"، بقولِه: "إنّ الاعتقاد بأن كل فرد بحكم إنسانيته، يحق له التمتع ببعض حقوق الإنسان هو أمرٌ جديد إلى حدٍّ ما، وهو شيء نابع من تطور مراعاة الكرامة الإنسانيّة على مدى القرون الماضية"، يتنافى مع تآصل حقوق الفرد بالفكرِ الإسلامي منذ قديم الزمان، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)﴾، وهذه الحقوق الواردة بالنص القرآني لا تسقطُ بالتقادم ولا تأذنُ لنا بأن نقول "رُفعِت الجلسة" ، بل إنَّ هذه الجلسة قد رُفعت مُنذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنًا، وربِحَ الفكر الإسلامي هذه القضيّة.