ريما كتانة نزال - النجاح الإخباري - هذه هي التراجيديا الفلسطينية، شعب يحاول الحياة فلا يجدها إلا في مماته، وتعددت أسباب الرحيل في فلسطين والموت واحد. وسيبقى الموت يدهم غزة وأهلها ويقرع فوق رؤوسهم كلما مر بها، ليسحب من مخيم نحيل جداً ومكتظ بصفيحه وعائلاته، مزيداً من الأرواح.

لا يمكن إحصاء عدد مَن يعيشون في مخيم جباليا وتل الزعتر وغيرهما من مخيمات القطاع بعجالة رغم موتهم العاجل، يعملون فيما يتيسر لهم من أعمال.

ها هم يقيمون على مرمى نظرة من قراهم وبلداتهم الأصلية التي هجروا منها، يعيشون على أبسط الوسائل المتاحة، على الكوبونات أو أبواب الرزق المحدودة جداً ويحاولون تيسير حياتهم وحمايتها بتأمين أبسط الاحتياجات للحياة البشرية في مواجهة الحصار وقلة الموارد وفقدان المواد التموينية، الرئيس منها قبل الكمالي، يعيشون، بينما لا تسمح الحياة بالبقاء في الكفاف.

رغم الكفاف العام، وفر رب أسرة أبو ريا مقومات المعيشة كما ينبغي لرب العائلة أن يفعل في كل مكان في العالم، فوفر مقومات العيش الكريم والدافئ، وفر التعليم الجامعي والسكن العائلي اللائق ومستوى مقبولاً من الحياة بينما المكتوب أن تبقى في النقصان. لم يحسب حساباته جيداً ولم يضع في اعتباراته أنه لدى صرخته من النوافذ طلباً للنجدة بأن باب البيت مغلق بإحكام وأن الحديد قد تمدد عندما احمرت عين الحديد وأغلقت على نفسها خوفاً من تسرب فرحة اللقاء الذي غمر واحداً وعشرين شخصاً من العائلة، ولم يحسب حساباً لتأخر سيارات ورافعات رجال الدفاع المدني الذين يشبهون واقع غزة أكثر من شبههم برجال الإنقاذ الذين نراهم على الشاشات، ولم يتسنّ الإنجاز لفزعة شباب جباليا الذي هبوا لتهريب فرحة العائلة، فلم يكن بإمكان العائلة سوى أن تحتسب نفسها شهيدة كمال الاستعدادات لمواجهة الحصار.    

باختصار، ونظراً للطابع يمكن القول إن هذه الحياة لا يمكن وصفها. أو يمكن القول، وبثقة محزنة، إن ما يُعاش اليوم في غزة لا يمتّ لأسباب الحياة بصِلة.

بات المواطن في القطاع يصرف الكثير من تفكيره ووقته المتاح لتأمين حاجياته الضرورية: تأمين الوقود وتوفير أساسيات عيشه اليومية غير المضمونة، فضلاً عن أن البلد يعاني من أعلى معدلات البطالة في العالم، وانقطاع شبه شامل للتيار الكهربائي، وندرة في مصادر المياه الصالحة للشرب، وفوق كل ذلك حصاراً مستمراً واعتداءات عسكرية دورية ما أن تنهي دولة الاحتلال أحدها حتى تبدأ بالإعداد للعدوان التالي.

كثيرون ممَّن يحبون غزة وعاشوا فيها معظم سنوات حياتهم يعملون بجهد لهجرانها إلى أي مكان، حتى لو قادتهم هجرتهم إلى التهلكة. وليس ثمة ما لا يمكننا تخيله في وصف حال غزة في سياق الانهيار المتسارع، البيئي والصحي والاقتصادي، وكل ما أوتيت به غزة من إيمان لم يشكل ترياقاً شافياً لأزمتها السياسية والاجتماعية والمعيشة المحاصرة من جميع الجهات، من البر والبحر والجو.

غزة تحتضر احتضاراً بالغاً بسبب الاحتلال والانقسام، هذه الثنائية القاسية والظالمة تؤسس لاستمرار مأساة الفقر المدقع وديمومة البطالة العالية بما يجعل المواطنين ينشغلون في البحث عن حلول فردية للعيش والبقاء أكثر على قيد الحياة، ليس بعابر سبيل ولن يكون كذلك، ما دام الواقع مرشحاً للبقاء على ما هو عليه، وما دام أهل غزة لا يملكون من الأمل أكثر من فسحة البقاء على قيد الحياة.