وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - الاعتداء الإسرائيلي الأخير على غزة سقط ضحيته 46 شهيداً ثلثهم من الأطفال وأكثر من ثلثيهم من المدنيين العزل، ومئات الجرحى الآخرين ممن وضعهم القدر في مرمى القنابل الإسرائيلية التي دمرت البيوت فوق رؤوس أصحابها، كان اعتداء دموياً ومجرماً بشكل فاضح. ومع ذلك لم يحظ بالإدانة المطلوبة دولياً، بل عبرت العديد من الدول وخاصة الغربية منها وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا عن دعهما لإسرائيل في وجه "الهجمات الإرهابية" الفلسطينية التي شنتها حركة "الجهاد الإسلامي" ضد المدنيين الإسرائيليين الذين لم يقتل أي منهم وكانت الإصابات في صفوفهم طفيفة للغاية، ولا تكاد تذكر بالمقارنة مع حجم الأضرار في الجانب الفلسطيني وخاصة الضحايا من المدنيين.
مداولات مجلس الأمن أول من أمس، كانت مخجلة حيث حملت بعض الدول الفلسطينيين المسؤولية عن العدوان الإسرائيلي على غزة، مع العلم أن إسرائيل هي التي بدأت هذه العملية البربرية تحت حجج وادعاءات يصعب تصديقها أو إثباتها. وكان هناك استهتار كبير واستخفاف بالدم الفلسطيني، وتعاطف مع المجرم والجلاد. وهذا انتصار للعدوان الإسرائيلي، ويشجع إسرائيل على الاستمرار في حربها الإجرامية على الشعب الفلسطيني، وهو ما قاد فعلاً لعملية الاغتيال التي حصلت في نابلس صباح أمس وسقط فيها ثلاثة شهداء وحوالى 40 إصابة بعضها خطيرة وحرجة.
يستطيع رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يسجل لنفسه انجازاً كبيراً بأنه نجح في قيادة عملية عسكرية أودت بحياة 46 مواطناً في قطاع غزة وثلاثة في الضفة الغربية. وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها القناة 12 أول من أمس، أن 68% من الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن إسرائيل انتصرت على "الجهاد الإسلامي" وهذا بفضل أداء القيادة السياسية والأمنية، أي أنها إنجاز لكل من لابيد ووزير حربه بيني غانتس، وقد حصل لابيد على دعم 68% من الجمهور على الأداء الجيد مقابل 19% اعتقدوا خلاف ذلك، وهذا يعني أن عملية الإشادة بأدائه تجاوزت معسكره إلى كل المعسكرات تقريباً، بما في ذلك اليمين الذي يصوت لبنيامين نتنياهو ولآخرين. وعلى الرغم من أن ذلك لم ينعكس بصورة ملموسة في تغيير في نسبة المقاعد في الكنيست القادمة حسب هذا الاستطلاع، حيث سيحصل معسكر نتنياهو على 59 مقعداً ومعسكر لابيد على 55 مقعداً و6 مقاعد للقائمة المشتركة، إلا أن الوقت المتبقي للانتخابات وهو حوالى ثلاثة شهور سيكون لصالح لابيد ما لم تحصل مفاجآت ليست في الحسبان. ومن المهم رؤية أن الفجوة بين نتنياهو ولابيد حول من هو ملائم أكثر لرئاسة الحكومة تقلصت بعد المعركة في غزة، حيث حصل نتنياهو على 42% ولابيد على 31%.
ولكن كون لابيد الرابح الأكبر من نتائج العدوان على غزة، فهذا لا يعني أن حركة "الجهاد الإسلامي" قد هُزمت، فهذه الحركة "جهادية" وليست لها حسابات ومصالح سياسية أو مادية على الرغم من الخسارة الفادحة بفقدان قادة كبار بمستوى تيسير الجعبري وخالد منصور. وتستطيع الحركة تعويض الخسارة وإعادة ترتيب صفوفها، وعلى الأغلب ستوجه عملها باتجاه الضفة الغربية وربما داخل إسرائيل كذلك، وهي معنية أكثر الآن بالانتقام من إسرائيل والرد على عدوانها، خاصة بعد عملية الاغتيال التي حصلت أمس في نابلس وارتباط المجموعات المسلحة في الضفة بعضها ببعض بشكل يتخطى الانتماء الحزبي.
وفي الواقع هناك طرفان تضررا كثيراً من الناحية المعنوية من العدوان الإسرائيلي: "حماس" بسبب عدم مشاركتها بالمعركة مع "الجهاد" والفصائل الصغيرة الأخرى. والسلطة الفلسطينية التي تخسر جراء كل عدوان وجريمة ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وفي حالة "حماس" فهي تصرفت كسلطة لها حساباتها السياسية وفي أوج عملية تمنحها بعض الشرعية والقبول، بما في ذلك تغيير ملموس في الواقع الاقتصادي والحياتي في قطاع غزة. ووقوفها جانباً في هذه المعركة مرتبط بالتوقيت، وبحسابات مصالح أعمق من حسابات الرأي العام. ويبدو أن حركة "الجهاد الإسلامي" التي تشعر بخيبة أمل كبيرة مما حصل في غزة وعدم مشاركة "حماس" في التصدي للعدوان، ستعيد حساباتها هي الأخرى في المستقبل، وعلى الأغلب ستكون غزة بعيدة نسبياً عن المواجهات المقبلة.
      وضع السلطة لن يتغير لأنها لن تفعل أكثر من جهد سياسي ودبلوماسي على الأغلب لن يؤدي إلى تغيير ملموس في الوضع القائم، ربما باستثناء بعض التحسن على مستوى الدعم الدولي الاقتصادي. وخسارة السلطة بعد كل عملية اجتياح واغتيال في مدن وقرى ومخيمات في الضفة هي كبيرة بشكل متراكم، خصوصاً لدى قطاعات الجمهور في الضفة الغربية التي تحمّل السلطة مسؤولية الحفاظ على أمن المواطنين وحمايتهم من التغول الإسرائيلي على الدم الفلسطيني.
       في ظل هذا الوضع المأساوي لا يوجد أي مخرج للشعب الفلسطيني من عملية الدمار والاستنزاف التي يعيشها في ظل احتلال محصن دولياً ويرتكب جرائم حرب كما يتنفس، دون أي خشية أو خوف من حساب، سوى الوحدة. فلا يمكن مقاومة الاحتلال بطرق ارتجالية وبأجندات وبرامج مختلفة وأحياناً متناقضة. وأول خطوة في العملية الوحدوية يجب أن تتم بإجراء انتخابات عامة عاجلة وعلى وجه السرعة، وتوحيد شقَّي الوطن تحت قيادة سياسية واحدة وبرنامج سياسي موحد يمثل الحد الأدنى الممكن. وبرنامج الدولة الفلسطينية في حدود العام 1967 يمثل جوهر هذا البرنامج الذي يلتقي حوله الجميع.