نابلس - هيا قيسية - النجاح الإخباري - حين لا يعيق التقدم بالعمر شغف الإنسان وطموحه، وتتفوق الإرادة على تحقيق ذلك مهما طالت به السنين، تجد النتيجة مدعاة للفخر ومصدرا للأمل. 

سيدتان فلسطينيتان، واحدة من قرية جماعين والأخرى من قريوت جنوب محافظة نابلس، يقدمن في هذه الأيام امتحانات الثانوية العامة، ليحققن أحلاما راودتهن منذ الصغر، متحديتان بذلك العمر والزمان والمكان والتطور العلمي والتكنولوجي.

تحقيق الذات دفعها للدراسة بعد غياب 45 عاماً عن مقاعدها

شريفة صقر، 64 عاماً، من قرية قريوت جنوب نابلس، أسيرة محررة أصرت على إكمال الدراسة وتحقيق الذات بعد سنين العمر المضنية، التي ضاع منها سبع سنوات في الأسر. 

تقول صقر للنجاح الإخباري معرفة بنفسها، " أنا شريفة صقر "أبو نجم" أسيرة محررة أمضيت سبع سنوات في الأسر، حيث اعتقلت عام 1978، كان عمري حينها 20 عاماً.. حصلت على درجة "الماتريك" التي تعادل التوجيهي في هذا الوقت، وبعد الاعتقال وتحديدا في العام 1985 قبيل الانتفاضة، درست تخصص القبالة ليس حبا بها لكن لأخرج من المجتمع وأعمل، حيث كانت الثقافة السائدة حينها أن من المعيب للفتاة الخروج والعمل في المجتمعات القروية، ولأنني احب تطوير ذاتي عملت بالقبالة ، ثم دخلت في السلطة في الأمن الوقائي وحصلت على رتبة رائد، وتقاعدت عام 2008.

تتابع صقر بكل شغف ولباقة في الحديث قصة حياتها.. حيث انخرطت بالعمل النسوي واثبتت وجودها، وكانت تنخرط بالأنشطة والمحاضرات الدينية وتتثقف هنا وهناك.. إلا أن اتخذت قرارا بإكمال دراستها للثانوية العامة،  حباً في تطوير ذاتها، وتحقيقا لأمنية راودتها منذ الطفولة وهي الالتحاق بالجامعة، فلا العمر ولا الزمان ولا الظروف منعتها من تحقيق ذلك الحلم، وتلقت الدعم والتشجيع من المحيطين بها، وكما تقول " أعيش سلطانة زماني"، وصلت لمرحلة أرغب بالتغيير في حياتي وروتينها، فتقدمت للثانوية العامة، وتم قبولي وتسهيل انخراطي بالمدارس من قبل التربية والتعليم، ولكنني فضلت الدراسة بمجهودي الذاتي لأكتشف قدراتي، وإن نجحت بمشيئة الله فلا مانع من إكمال الدراسة الجامعية لتحقيق حلمي بذلك".

 

الخجل قديما.. كان السبب! والتحدي حالياً هو المحفز

لعل القصة بالمجمل مشابهة للأخرى لكن التفاصيل حتماً تحمل بثناياها مايثلج الصدر من إرادة وتحدي ونموذج يحتذى به، فها هي السيدة الفلسطينية المبدعة كعادتها، والمتحدية لظروفها، تثبت في كل مرة قدرتها على العطاء والإنجاز.

أحلام سليمان، 53 عاماً من قرية جماعين جنوب نابلس، تقدم هذا العام امتحانات الثانوية العامة، بكل شغف. 

تواصلنا معها من خلال النجاح الإخباري، لتبهرنا بطلاقتها بالحديث وبشخصيتها المميزة المليئة بالتجارب، كاشفة لنا سر العودة للدراسة الآن.. لتجيب بكل صراحة أن الخجل هو السبب!. 

وفي التفاصيل أوضحت أنها كانت في مدرسة مختلطة لم ترغب بإكمال الدراسة الثانوية في ذلك الوقت لخجلها من الجنس الآخر.. لكنها لم تتوقف يوماً عن التعلم والقراءة والدورات، فهي الآن ناشطة نسوية وعضو في الاتحاد العام للمرأة، وعضو مجلس إدارة في الإغاثة الزراعية ورئيسة نادي نسوي، وشكلت قائمة عام 2012 وخاضت انتخابات بلدية ، وكانت عضو مجلس بلدي جماعين لمدة 5 سنوات. 

لم تنته الأنشطة بعد فقد تعلمت تصميم الأزياء والتجميل وعملت في مجال التدريب، وهي الآن خياطة جيدة ومزارعة، ولديها مشاريعها الخاصة، فلا يوجد لديها طمع بوظيفة ما.. فقط تريد التعلم للتسلية وتعبئة الوقت الضائع خاصة مابعد الكورونا بشيء مفيد بعيدا عن العلاقات الاجتماعية النسوية المليئة بالثرثرة.

تقدمت أحلام لامتحان المستوى ودرست الصف التاسع لمدة شهر، ونجحت.. وهنا أصرت إكمال مسيرة النجاح من خلال هذه التجربة التي تسلط بها الضوء على الجانب المشرق من حياتها.

نوهت أحلام المتزنة والواعية والمثقفة للتنمر الاجتماعي الذي لا تباليه ولا تركز به، بعد ان انتشرت صورتها وهي على مقاعد الدراسة، لتؤكد انها بذلك لاتؤثر على أحد سواء أكملت تعليمها أم لا.. فهي تدرس لذاتها ولا تطمع بأي وظيفة، فقد حققت بحياتها نجاحات لم يستطع الكثير من المتعلمين تحقيقها، فلديها مشاريع خاصة وتنهل من العلم والثقافة دونما انقطاع.

أحلام وشريفة حققتا حلم الطفولة لنيل شرف التجربة، وستكملان التعليم بالمرحلة الجامعية في حال توفقن بالدراسة، وأكدتا إن لا قدر الله اخفقن في إحدى المواد.. لن يقف الحلم والمشوار.. بل سيكتمل ليكتمل الحلم.