عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - شهد الأسبوع الماضي حراكا فلسطينيا دبلوماسيا وسياسيا هاما تمثل في زيارتين للرئيس محمود عباس لكل من البلدين الشقيقين الجزائر وتونس، وكانت الزيارتان ذواتي مغزى ودلالات سياسية لا تخفى على أي مراقب، وأعتقد أن الزيارتين كانتا هامتين بما عكستاه من عمق الروابط بين الشعوب والقيادات السياسية على المستويات كافة. 
ويمكن الجزم ان عملية الاستقبال والوداع في كلا البلدين الشقيقين للرئيس أبو مازن من قبل شقيقيه الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيد عكست مدى الأهمية والتقدير الكبيرين من قبل قيادتي البلدين لفلسطين ورئيسها وقضيتها وشعبها. لم يكن الاستقبال والوداع من قبل الرئيسين العربيين وأعلى الهيئات القيادية في كلا البلدين للرئيس أبو مازن عاطفيا أو عفويا، وإنما هو رسالة عميقة لكل ذي بصيرة من العرب والعجم ومن والاهم. ويعلم العارفون بالبروتوكولات الدبلوماسية ما لهذه الحفاوة في التقاليد الدبلوماسية العربية والعالمية من أهمية خاصة، وكأن الرئيسين تبون وسعيد أرادا إرسال رسالة للأشقاء قبل الأصدقاء والأعداء، أن رئيس دولة فلسطين، هو رئيس أعدل وأهم قضية سياسية في العالم، وهي قضية العرب المركزية، واستقبال الدولة له ليس ترفا ولا مبالغة ولا مجاملة لفلسطين وشعبها، إنما للقيمة والمكانة السياسية للقضية الفلسطينية عند كل من الجزائر وتونس. أضف إلى أن مبادرة الرئيس عبد المجيد تبون بتقديم 100 مليون دولار دعما لموازنة السلطة الوطنية كان لها أهمية وارتياح شديد في أوساط الشعب العربي الفلسطيني. لا سيما وأنها تأتي في ظل الضائقة والأزمة المالية نتاج عدم التزام الدول المانحة بالوفاء بالتزاماتها بما في ذلك الدول العربية الشقيقة، وبسبب القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة الفلسطينية، التي تصادر سنويا ما يزيد على المليار شيقل بذريعة صرف رواتب أسر الشهداء وأسرى الحرية، وللأسف بتواطؤ مع الولايات المتحدة الأميركية، التي يسعى كونغرسها ومجلس شيوخها لتعميق قانون تايلور فورس لفرض مزيد من الحصار على القيادة والشعب الفلسطيني لتتخلى عن رموز القضية الوطنية، وروافع مكانتها التحررية. 
وتحتل زيارة الجزائر في اللحظة الراهنة أهمية خاصة، كونها تأتي عشية انعقاد القمة العربية القادمة في آذار/ مارس القادم 2022 من حيث تنسيق الجهود الأخوية المشتركة، وترتيب الأولويات السياسية لمخرجات القمة، فضلا عن أنها تأتي ردا على عمليات التطبيع المجانية، والمعاهدات العسكرية المعيبة بين بعض الدول العربية ودولة المشروع الصهيوني وعلى حساب مصالح شعوب الأمة كلها، وليس على حساب مصالح الشعب العربي الفلسطيني فقط.   
وكان لمبادرة الرئيس تبون بعد اللقاء الرسمي مع الرئيس عباس والوافد المرافق له يوم الإثنين الموافق 6 كانون الأول / ديسمبر الحالي بدعوة الفصائل الفلسطينية للجزائر لتحريك المياه الراكدة في المصالحة الفلسطينية، أهمية خاصة. لا سيما وأن المبادرة لم تخرج عن محددات السياسة الوطنية الفلسطينية لجهة طي صفحة الانقلاب، وتجسير الهوة بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل السياسية، وعلى أساس الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتنظيم السلاح الفلسطيني وفق المعايير الوطنية، وعلى أرضية مبدأ سلاح وأمن واحد ووفق النظام والقانون، ودون التفريط بسلاح المقاومة، وهي عمليا تأتي ردا على رسالة حركة حماس الأخيرة، التي كررت أسطوانتها المشروخة في أكثر من نقطة وملف. 
ومن يعد لتجربة الجزائر الشقيقة تاريخيا في العلاقة مع فلسطين وفصائل عملها الوطني، يدرك الدور التاريخي الذي لعبته بلد المليون ونصف المليون شهيد في ترميم الجسور بين جبهة الرفض وقيادة منظمة التحرير، واحتضانها عددا من دورات المجلس الوطني وأهمها الدورة التاسعة عشرة عام 1988، دورة إعلان وثيقة الاستقلال لدولة فلسطين. 
ولا أعتقد أن مبادرة الجزائر تستهدف دور الراعي المصري، وإنما تريد وتسعى لتعميق الجهد المشكور لمصر الشقيقة، ودفع عجلة المصالحة للأمام، لا سيما وأن هناك عملية استعصاء من قبل حركة حماس، وغياب الضغط المطلوب لإتمام عملية المصالحة. إذن المبادرة تشكل خطوة نوعية في الاتجاه الصحيح، وتهدف لاستكمال ما بدأته مصر المحروسة. 
كما أن زيارة تونس الشقيقة، التي بدأت مساء الثلاثاء الماضي الموافق 7 كانون الأول / ديسمبر الحالي كانت استكمالا وتعميقا لزيارة الجزائر الشقيقة، وكان لافتتاح سفارة فلسطين من قبل الرئيسين أبو مازن وقيس سعيد أهمية بالغة، وهي تعكس عمق الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين. لا سيما وأن تونس الخضراء احتضنت القيادة الفلسطينية بعد اجتياح لبنان في عام 1982 حتى العودة للوطن الفلسطيني في العام 1994، وإقامة وتأسيس السلطة الوطنية في ذات العام. 
بالإضافة لتنسيق المواقف السياسية للبلدين والقيادتين الشقيقتين عشية القمة العربية، وتعميق الروابط المشتركة على أكثر من مستوى وصعيد. خاصة وأن تونس لها أهمية متميزة على الصعد العربية والإقليمية والدولية. كما أن الزيارة الرئاسية الفلسطينية لها تمثل دعما واضحا للقيادة التونسية في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية. 
وقيمة وأهمية الزيارتين تتمثل ليس فيما حصدته من نتائج سياسية ودبلوماسية آنية، وإنما فيما تشكله من رافعة للصوت القومي العربي الواقعي والعقلاني، والرافض للاستسلام والانبطاح أمام دولة المشروع الكولونيالي الصهيونية، دولة طواغيت الفاشية والموت، وأيضا لأهميتها في تصليب وتعزيز مكانة القضية الفلسطينية، واستعادتها لدورها ومكانتها المركزية في المنظومة الرسمية العربية، وكذا لتعميق الروابط الأخوية مع الشعوب والنخب السياسية والقيادات الرسمية الشقيقة. وأجزم أن الزيارتين سيكون لهما الأثر الهام والإيجابي في المشهد العربي والإقليمي والدولي في المستقبل المنظور.