نابلس - هاني عوكل - النجاح الإخباري - تماماً مثل الطاووس، دخل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الكونغرس لاستعراض أهم إنجازاته خلال فترة المائة يوم من تنصيبه رئيساً للبلاد، وسط رضا شعبي عنه بنسبة وصلت 59% حسب استطلاعات رأي أميركية بهذا الشأن.
لماذا أصر بايدن على خطابه المئوي الذي اعتبر تقليداً ابتدأ مع السلف الديمقراطي فرانكلين روزفلت الذي نجح نجاحاً باهراً في حماية الأميركيين من الكساد العظيم، وحقق لهم القوة بانتصار بلاده في الحرب العالمية الثانية. هل يريد الرئيس الحالي تقليد روزفلت في مسألة إعادة انتخابه بناءً على الإنجازات التي حققها؟  
لقد كان بايدن راضياً عن النتائج التي حققها في المائة يوم الأولى من عمله، حيث ركز في خطابه على عدد من الملفات الداخلية، أولها والأهم تمثل في معركة الولايات المتحدة مع فيروس «كورونا»، وتعهد الرئيس بتوفير 100 مليون جرعة من اللقاح.
في هذا الشأن بدا الرئيس واثقاً من التفاف الرأي العام الأميركي حوله، بما في ذلك مختلف النخب السياسية، ارتباطاً بتوفيره 200 مليون جرعة أي ضعف العدد الذي تعهد به، ما فرمل إلى حد كبير نسب الوفيات والمصابين في البلاد.
أيضاً تطرق بالأرقام إلى انخفاض كبير في الوفيات بين كبار السن بنسبة 80% منذ بداية العام الجاري، وبهذه الوتيرة من العمل والتزامه بتحقيق مناعة القطيع، لا يستبعد أن يحصل كل الأميركيين المؤهلين على اللقاح في المائة يوم التالية على مئوية بايدن الأولى.
رسالة بايدن هذه بشأن «كوفيد - 19» مرتبطة بهدفين، الأول أنه مقتنع بأهمية دور الولايات المتحدة في هذا الجانب حتى تبقى في موقع الأقوى، والثاني يتعلق بالتركيز على النسيج الاجتماعي الذي تشظى خلال فترة سلفه الجمهوري ترامب.
باعتباره أولوية الأولويات، قدّم الرئيس الديمقراطي ملف «كورونا» على كل الملفات وضرب بهذا الشأن «عصفورين بحجر»، حيث وجد أن تقليل عدد الوفيات والمصابين واعتماد قرارات احترازية وقائية تؤكد على أهبة الاستعداد للجائحة، جعل الأميركيين يجتمعون على «قلب رجل واحد».
مع ذلك لن يتمكن من إرضاء الجميع، لأن في الموضوع «فلوساً»، حيث قدم بايدن حزمة إنقاذ بأقل من 2 ترليون دولار بقليل، جرى توزيعها على العائلات، وكذلك دعا إلى برنامج تنموي ضخم لتمويل تجديد البنى التحتية وخلق فرص عمل بقيمة 2.3 ترليون دولار.
وفي هذا الشأن وتحت وطأة الجائحة وتأثر الاقتصاد الأميركي، وجد الرئيس فرصة لإحراج الأغنياء والشركات الكبرى بدعوتهم لدفع نصيبهم العادل من الضرائب، وهو ما أزعج السيناتور الجمهوري ميت رومني عشية خطاب بايدن، واكتفى بالجلوس وعدم التصفيق على غير الكثير من زملائه الذين حضروا الخطاب.
في ملفات الهجرة وإصلاح الشرطة وتقنين حمل السلاح، تعهد بايدن بالعمل على هذه الملفات لكنه سيواجه معارضة من قبل الحزب الجمهوري الذي يخالفه الرأي بشأن انفتاحه على الهجرة مثلاً، وكذلك تقنين حمل السلاح.
أما في الشأن الخارجي فلم يأتِ الرئيس بالجديد في هذا الجانب، سوى أن إدارته ألغت تماماً كل مقاربات ترامب بشأن استعداء المنظمات الدولية من منظمة الصحة العالمية إلى اتفاقية باريس للتغير المناخي، مروراً بعودة واشنطن لدفع الاستحقاقات لوكالة الغوث «الأونروا».
فقط الجديد بشأن سياسته الخارجية، أن الولايات المتحدة الأميركية تريد إبطاء وتقييد الصعودين الصيني والروسي بإعادة بناء التحالف مع الدول الأوروبية وإبقاء القوات الأميركية في ألمانيا، عكس سياسة ترامب التي تراخت بشأن التعامل مع الصين وروسيا، وجعلت من أوروبا «أعدقاء» لا صديق ولا عدو.
من جملة القرارات التي اتخذها الرئيس الديمقراطي سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي المرتبط بملفات كثيرة من بينها انسحاب قواته من أفغانستان، والتفرغ لبكين وموسكو، ربما يجد بايدن طريقاً إلى قلب الرأي العام الأميركي خلال فترة رئاسته، وهو الرهان الذي يعمل عليه لإضعاف الجمهوريين وشغل المنصب الرئاسي لولاية ثانية.
أكثر ما يميز فترة الرئاسة هذه أن بايدن لا يعمل مثل سلفه ترامب فيما يخص التعامل مع العالم. الأخير كان فوقياً بامتياز وقدم مصلحة الولايات المتحدة على الجميع، على عكس الرئيس الحالي الذي يهتم بالتأكيد لمصلحة بلاده لكنه ينسق مع حلفائه لمواجهة المشكلات الدولية.
حتى في القضايا الداخلية، ثمة فروقات كبيرة في مواجهة الملفات الساخنة بين ترامب وبايدن، حيث إن الأول كان نظره قصيراً إلى درجة أنه خسر الانتخابات، بينما اتخذ الثاني من أخطاء ترامب سلماً للصعود إلى الرئاسة، وملف «كورونا» تحديداً دفعه وسيبقيه إلى ولاية أخرى سيد البيت الأبيض.
[email protected]