نابلس - عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - في أغلب الظن نعم.
على الرغم من أن اليمين في إسرائيل تحصل على اكثر من 57 مقعداً مؤكداً حتى كتابة هذه السطور، إلا ان «تفاهم» هذا اليمين على حكومة يمينية مستقرة يكاد يكون معدوداً، ان لم نقل انه حتى مجرد تشكيل حكومة بزيادة صوت واحد فقط بات صعباً أو متعذراً. والواقع أن اليمين قد «لطش» أصوات بعضه البعض ليس أكثر، وبالتالي فإن الحديث عن انتصار اليمين، وانتصارات متخيلة لليكود هو ديموغوجيا سياسية سافرة.
فقد اقتنص اليمين الفاشي أصواتا كثيرة من حزبي ساعر وبينيت، كما «غنم» نتنياهو القليل من هذه الأصوات، وارتفع التصويت للأحزاب الدينية بالمعدلات الطبيعية للداخلين الجدد على أصحاب حق التصويت او اكثر قليلاً، باعتبار هذه الأحزاب تمثل حالة متراصّة ومتماسكة للأسباب التي نعرفها.
وقد تأكدت حقيقة ان اليمين يأكل من نفسه، وان الصراع على الأصوات بالنسبة لهذا اليمين وكل اليمين عموماً هو صراع يجري داخل البيت الواحد، وفي نفس الدائرة المغلقة.
وإذا عدنا الى مؤشرات استطلاعات الرأي التي كانت تعطي لساعر في مراحل انشقاقه الأولى اقل او اكثر قليلاً من عشرين مقعداً، وكانت تعطي لنفتالي بينيت ليس اقل من اثني عشر مقعدا في اقل التقديرات نستنتج بسهولة ويسر ان كل الانتقالات والانزياحات التي جرت قد تمت بالفعل داخل البيت نفسه.
وإذا كان نتنياهو يتحدث عن ان «الليكود» بات القوة السياسية الأولى في إسرائيل وبفارق كبير عن الحزب الثاني، فإن هذا الأمر يصح فقط بالمقارنة مع حصول تحالف «ازرق ـ ابيض» لمرة واحدة على ثلاثة وثلاثين مقعدا بتحالف عريض من عدة مكونات يمينية ووسطية، وحيث لم يكن هذا التحالف جزءاً أصيلاً من التشكيلة السياسية الحزبية في إسرائيل، وكان معروفاً للقاصي والداني ان تحالفاً من هذا النوع هو تحالف المرة الواحدة والانتخابات الواحدة.
من هنا، لا يوجد في الواقع، وبقدر ما يتعلق الأمر بالمقارنات بين الأحزاب في ميزان قوتها الواقعية ما يدعو نتنياهو للاحتفال، او حتى الحديث عن انتصار مهما كان.
والنتيجة التي أفرزتها هذه الانتخابات بالمعطيات المتوفرة حتى الآن، هي ان إسرائيل كانت حتى الآن، في وضع موحل، وقد انتقلت، الآن، إلى وضع التغريز في هذا الوحل.
ودون الرشوات او شراء الذمم او إغراءات كبيرة من قبل نتنياهو لعضو هنا وآخر هناك، لن يتمكن من تشكيل حكومة، وسيحتاج الى «غانتس جديد» او اصغر قليلاً ليظفر بحكومة يمينية متطرفة وضيقة، معزولة إقليميا ودوليا اكثر من أي وقت مضى، ومهددة بالسقوط في أي لحظة.
على الجانب الآخر، فإن حكومة بقيادة لبيد تبدو صعبة للغاية، لأن مكوناتها المفترضة تفتقد للتجانس الأيديولوجي والسياسي، وإبعاد نتنياهو ليس هدفاً ثابتاً ومستقراً عند الجميع بنفس الدرجة، وعلى نفس المستوى من الإرادة السياسية.
ليس مؤكداً أبداً ان ساعر وأعضاء حزبه يمكن ان ينضبطوا في حكومة يقودها الوسط ويدعمها «اليسار»، لأن وجوده في حكومة كهذه يتناقض كليا مع أيديولوجيته وتوجهاته، ونفس الأمر ينطبق على ليبرمان وربما بصورة مطابقة، ما يعني ان التوافق على برنامج سياسي بحد مقبول على كليهما أمر صعب في ظل تمسك اليسار، او جزء منه على الأقل برفض الضم، او التنكر الكامل لحل الدولتين.
ولهذا فإن حكومة بقيادة لبيد تتحول الى حكومة مستحيلة ببرنامج سياسي، ويصبح المخرج الوحيد او الممكن هو حكومة «تغيير» دون برنامج سياسي، وبخطوط عامة لبرنامج اجتماعي فضفاض لا يعطي للحكومة أي لون او مواصفة ملموسة.
الشيء الوحيد الذي يمكن ان يجمع هذه «الخلطة» هو الموضوع «الديمقراطي» في إسرائيل، والأخطار الذي يمثلها اليمين المتطرف، واليمين الأشد تطرفا على القضايا الديمقراطية، وخصوصا في مجال القضاء والحريات، وبعض مناحي العنصرية السافرة بل والمفضوحة. وفي كل الأحوال، فإن لبيد يحتاج أما الى أصوات «المشتركة»، او أصوات «الموحّدة» ـ إذا بقيت داخل منطقة العبور ـ وهو مرجح على كل حال.
«المشتركة» لن تقدم على دعم حكومة برئاسة لبيد من الخارج دون ان تحقق مطالب جدية بما فيها المطالب ذات الشأن الوطني العام، أما «الموحّدة»، فليس لديها هواجس لا وطنية ولا قومية، وبالتالي فهي معروضة للبيع حسب قانون العرض والطلب، والأولوية لأعلى الأسعار ـ هذه هي الحقيقة بالضبط ـ دون زيادة او نقصان، والطلب على مقاعد «الموحّدة» يكاد يكون متساوياً عند المعسكرين، لكن العرض هو المختلف.
إن تمكن نتنياهو من إقناع اليمين الفاشي بـ»تقبّل» «الموحّدة» ودفع أثمان معينة في الجانب المطلبي المحدود فمن المرجح ان تدعم «الموحّدة» حكومة اليمين المتطرف والفاشي. أما إذا تعذر عليه ذلك وقوبل برفض مطلق من قبل اليمين الفاشي فلا مناص من الاعتذار.
وعلى الجانب الآخر، يصعب على ليبرمان وعلى «ميرتس»، كل لأسبابه، تقبل «الموحّدة»، ناهيكم طبعاً عن القبول بطلباتها، وهو ما يعني ان اللعبة الحقيقية لتشكيل الحكومة القادمة هي لعبة سياسية دون الطرف المرجّح او بيضة القبّان.
تراجع «المشتركة» صادم وصاعق بكل المقاييس وهو يحتاج الى مقال خاص قريب، وحتى «نجاح» «الموحّدة» يعتبر مفاجئاً الى حد ما، لكن الصوت العربي في الداخل بات يحتاج الى مراجعة شاملة، جذرية وجدية، ليس لجهة وحدة الأدوات الكفاحية فقط، وإنما قبل كل شيء لجهة كامل منظومة العلاقة بين الأحزاب العربية وحاضنتها الجماهيرية، والضرورة الى التحول من علاقة موسمية انتخابية الى علاقة أخرى قوامها المعارك اليومية المثابرة على كل صغيرة وكبيرة.
لا أعرف مدى وعي القيادات الفلسطينية والنخب الفلسطينية «لدروس» الانتخابات الإسرائيلية، وأخطار الانزلاق الى منطقة «الترقيع» السياسي بدلاً من المراجعة الجادة، وبدلاً من استنفار الطاقة التحررية والكفاحية لإحداث التغيير الحقيقي، خصوصاً أن ما كان يطلق عليه بعملية السلام، أو حتى مفاوضات سياسية بات أقرب إلى الفلكلور السياسي منه الى الفكر السياسي والعمل السياسي.