باسم برهوم - النجاح الإخباري - بعيدا عن بورصة استطلاعات الرأي، التي تلعب بالمراقب وتمنعه من وضع استنتاجات واضحة، فإن اسرائيل ستعيد الفاسد نتنياهو للحكم مرة اخرى. هذه الاعادة، وهي ستكون الثامنة، دليل ازمة كبيرة وعميقة في اسرائيل، ازمة متعددة الجوانب، لها علاقة بتحولات بنيوية، اقتصادية واجتماعية جرت في العقدين الاخيرين، وانعكست على الحياة السياسية والفكرية في المجتمع الاسرائيلي، الذي بات متقبلا للفساد والفاسدين اكثر من اي وقت مضى.

نحن اليوم امام اسرائيل مخصص اقتصادها، تراجع فيه دور القطاع العام، وتراجع دور وتأثير الطبقة العاملة بالسياسة، وهذا كله ادى الى غياب اي دور مؤثر لليسار، وحتى تآكل قوى الوسط الحقيقية. اسرائيل تعاني من ازمة قيادة، لذلك هي تعيد انتخاب نتنياهو، وازمة بروز قيادات قوية ومؤثرة يمكن ان تشكل بديلا جديا، تمتد من حزب الليكود، الذي لم يستطع منذ اكثر من عشر سنوات من ابراز قائد يمكن ان ينافس جديا نتتياهو، وتمتد ازمة القيادة لاحزاب الوسط واليسار، التي تفتقر لقيادات تتمتع بالكاريزما.

وقي السابق كان جنرالات الجيش يقفزون بسرعة الى دفة القيادة السياسية، لكونهم خاضوا حروبا كبيرة وانتصروا بها، امثال موشي ديان، واسحاق رابين، وعزرا وايزمان، وامنون شاحك وغيرهم، اما جنرالات اليوم فكلهم فشلوا امام نتنياهو، ولم يكونوا مقنعين للجمهور، لغياب بطولاتهم بحروب حقيقية. فقد شهدنا كيف فشل غانتس واشكنازي ويعلون، وجميعهم رؤساء او وزراء حرب سابقون، في ان يكونوا بديلا لنتنياهو.

والاخطر من ازمة القيادة، عدم قدرة احزاب الوسط واليسار على تشكيل حزب او كتلة انتاخابية منافسة، فبعد فشل تجربة حزب ازرق ابيض، فان هذه الاحزاب تذهب للانتخابات القادمة متفرقة ومنقسمة لاحزاب صغيرة، بعضها قد لا يتجاوز نسبة الحسم. كل ما نراه اليوم في اسرائيل هو تنافس ديوك اليمين، واليمين المتطرف فيما بينهم، والمقصود نتتياهو وساعر وبينيت، ولكن يبقى الديك نتنياهو هو الاوفر حظا، ولن يرى الناخب الإسرائيلي قائدا غير نتنياهو، بالرغم من ملفات الفساد التي تلاحقه.

وما يجعلنا غير متفائلين بحدوث اي تغير في الانتخابات القادمة، هو الواقع  الصعب الذي تمر به القائمة العربية المشتركة، التي حصلت في الانتخابات السابقة على 15 مقعدا، وادخلت الى الكنيست اكبر عدد من النواب العرب في تاريخ إسرائيل، واصبح لهم تأثير ملموس. وتشير استطلاعات الرأي ان القائمة العربية لن تحصل الا على 11 مقعدا وهو امر يزيد من فرص عودة نتنياهو.

ادارة الرئيس الاميركي بايدن، على ما يبدو ستضطر مكرهة الى التعامل مع شخص كان اقوى حليفا للرئيس ترامب، ولا يتورع في التدخل في الشؤون الداخلية الاميركية، والسؤال هنا كيف يمكن توقع اي تقدم في عملية سلام فلسطينية اسرائيلية في ظل عودة نتنياهو للحكم في اسرائيل؟ وهل ستريح ادارة بايدن نفسها من عناء المحاولة بحجة ان اليمين هو من يحكم في اسرائيل؟

اننا أمام واقع إسرائيلي لا يبشر بالخير في المستقبل القريب، كما ان اولوية بايدن واسرائيل في هذه المرحلة ستكون الملف النووي الايراني.

من هنا ولفترة طويلة قادمة علينا ان نعيد ترتيب اوضاعنا الداخلية، ونأمل في هذا السياق ان تكون الانتخابات مدخلا جديا لهذا الترتيب، وألا تدخلنا بأزمات أعمق وأكبر تكون مبررا لادارة بايدن ونتنياهو لاعفاء انفسهم من المسؤولية.