نابلس - رشا حنني - النجاح الإخباري - تحت مظلةٍ من "الخيش" في ساحة منزلهما، وبجو من الفرح والضحكات العفوية و"خراريف" أيام زمان، تجمع الحاجة أم خالد ربطتين من قصلات الذرة، مقدار الربطة الواحدة حجم قبضة اليد، وتشد الربطتين بواسطة حبل ربط بطرف كرسي تجلس عليه والطرف الآخر بعصا تشدها بقدميها وتثبت الربطتين بأسلاك حديدية، وتلقي بهما لزوجها أبو خالد الذي يخيطها بـ"المسلة" في جو من الألفة والتعاون عمره أكثر من أربعين عاماً.

الحاج محمد حامد حنني أبو خالد وزوجته الحاجة فهيدة حنني،  من سكان بلدة بيت فوريك، على بعد سبعة كيلو مترات شرق مدينة نابلس، يتشاركان مهنة "بداية" مكانس القش منذ ما يزيد عن أربعين عاما، بالإضافة للفلاحة.

تقول الحاجة ام خالد:" مهنة صناعة مكانس القش اليدوية مهنة قديمة مهددة بالانقراض بسبب التطور التكنلوجي الذي أثر سلبا علي العديد من المهن، حيث تتوفر المكانس (المصنوعة آليا) بكميات كبيرة وبأسعار قليلة".

وتضيف في حديث لـ"النجاح الاخباري": بالرغم من ذلك لا تزال مهنة صناعة مكانس القش اليدوية مطلوبة لجودتها على عكس البضاعة التجارية التي تملأ الأسواق وتتلف سريعا".

ويتحدث أبو خالد عن موسم زراعة الذرة: "يبدأ أهالي بلدتنا بزراعة بذور (الذرة) منذ بداية نيسان، ويقطفون قصلات الذرة بعد مرور ثلاثة أشهر على زراعتها، وبعد القطف يقومون بتجريد المحصول من البذور التي تنبت على شكل عرانيس، تستخدم البذور طعاما للمواشي، وثم يفردون القصلات بالهواء لتصبح يابسة".

ويتابع في حديث لـ"النجاح الاخباري": بعد ذلك يتم تقطيعها لتصبح بطول يترواح ما بين (70-80) سم، وتربط في حزمة يترواح وزنها ما بين (7-10) كيلو غرام وتدعى هذه الحُزم ب "رُبط"، ومن ثم يجلبونها لنا لنبدأ بتصنيع هذه القصلات لمكانس قش، وبعد أن أستلمها أضعها في الماء لمدة 10 ساعات تقريباً، لتصبح لينة، وبعد ذلك نبدأ بتصنيعها".

"تعودنا على الشقى"

بروحها المرحة وضحكاتها التي تعطي للمكان جواً خاصاً تلخص الحاجة فهيدة حنني يومها قائلة: "بنصحى قبل شروق الشمس، وبنشتغل حتى الغروب، تعودنا على الشقى".

وتضيف: تعلمت بداية مكانس القش من زوجي أبو خالد، وهذا عملنا اليومي بالإضافة للفلاحة التي نتشارك في إنجازها حسب المواسم، ويحرص أبو خالد على زراعة محصول الذرة، الذي يتيح لنا صنع مكانس خاصة نبيع المكنسة الجاهزة بعشر شواقل، والجزء الأكبر من المكانس التي نصنعها على مدار العام تكون للمزارعين الذين يدفعون لنا أربعة شواقل على المكنسة الواحدة، ونصنع في اليوم الواحد ما يقارب مئة مكنسة".

أسلاك حديدية وقطاعة، خيوط بلاستيكية ومسلة، وقالب، شرطة، وشفرة، و خيط مربوط بقطعة خشب، كل تلك أدوات بسيطة تستخدم في صناعة المكانس حيث ترافق أنامل أبو خالد وزوجته سنوات طويلة وتساهم في كونها مصدر رزق لهما في مهنتهم التي  تعلمها أبو خالد من صديقٍ له علمها لزوجته.

وعن استخدام مكنسة القش في التنظيف، تؤكد أم محمد ربة منزل من بلدة بيت فوريك على أنها تفضل استخدام مكانس القش اليدوية، رغم انتشار المكانس اليدوية البلاستيكية والمكانس الكهربائية،  لأنها أثبت في اليد وأكثر جودة وفعالية في التنظيف، على عكس المكنسة الكهربائية التي لا تستطيع الوصل لجميع الأماكن والزوايا ومزعجة، وتؤدي إلى إتلاف السجاد".

وتقول ام خالد:" بالرغم من التعب والمشقة بسبب العمل لساعات متواصلة، إلا أنني أقوم بعملي بكل حب، وأشعر أن يومي ناقص دون "بداية" المكانس،  وأتمنى من الأجيال القادمة أن تتعلم هذه المهنة لكي لا تنقرض مكنسة القش، لأنها جزء من تراثنا وهويتنا الوطنية".