نابلس - عاطف أبو سيف - النجاح الإخباري - الكل يترقب والكل ينتظر النتائج. وفي مثل كل مرة يبدو السباق الرئاسي الأميركي الأكثر ضراوة، ثم ما أن يخرج الدخان الأبيض ويبدأ الجميع بتقبل الأمر حتى يصار إلى انتظار التغيير القادم. أذكر منذ بدايات شبابي ووعيي على عالم السياسية في منتصف الثمانينيات وأنا أستمع في نشرات الأخبار إلى أشياء تشبه ما يسمعه ابني الفتي هذه الأيام، ويتم تداول أسماء مختلفة وتوقعات وتكهنات متباينة. صحيح أن عالم الإعلام الاجتماعي والمواقع أخصبت الأمر وجعلت منه مادة سريعة الانتشار وبالتالي أكثر تداولاً، لكن حتى في تلك الأيام فإن لنشرة أخبار المساء في التلفاز أو نشرات الصباح الطازجة في الراديو نفس الأثر الذي لمواقع التواصل؛ لأن الجميع كان  يستمع إليها.
عموماً في كل مرة ثمة شيء جديد، وكما في كل معركة فثمة رابحون وثمة خاسرون، يصعب توقع النتائج ولكن يمكن تحديد النهر الذي يفصل الضفتين. وكما في كل حالة، فإن النقاش سيبلغ أشده في اللحظات الحرجة حين يكون أحد الأطراف أكثر تأثراً بالنتائج. وفي هذه الحالة يبدو هذا حالنا نحن كفلسطينيين بعد ما مسّنا من ضر من ترامب وعصابته في البيت الأبيض. لم يكن تخيل الوقاحة التي تعامل بها مع القضية الفلسطينية. وهي وقاحة ساعده فيها بعض أبناء جلدتنا، لكن عصاه الغليظة كانت أكثر غلظة من قدرتهم على المواجهة. وفي كل الأحوال فنحن مثل غيرنا ننتظر من أجل أسباب مختلفة. الرابح والخاسر في العملية الديمقراطية يتساوى في الفرص. هكذا يمكن تلخيص الديمقراطية التي لا يمكن للفائز فيها أن يبقى فائزاً للأبد ما لم يعمل جاهداً لتحسين أدائه، كما أن الخاسر لا يمكن أن يظل خاسراً للأبد لأن لديه الفرصة في الانتخابات القادمة ليفوز إذا ما عدّل في برامجه وخططه. لكن الأمر ليس كذلك لمن ليسوا طرفاً في العملية الانتخابية ذاتها. الأمر مختلف لهؤلاء الذين يتأثرون بالنتائج دون أن تكون لهم يد في المدخلات. بكلمة أخرى هؤلاء الذين يتعرضون لقهر خارج عن إرادتهم، قهر يحدد جهته الناخب الذي لا علاقة له بأمرنا.
ألا يبدو هذا غريباً قليلاً. فثمة ناخب لا تهمه القضية الفلسطينية كثيراً، وربما لم يسمع بأن ثمة مشكلة إلا في نشرات الأخبار، وحين يسمع عنها فإنها مجرد مشكلة أخرى في زاوية من زوايا الكون، وهو يقرر وفق أجندة خاصة به ترتبط بما يعرفه عن برامج المتنافسين تجاه القضايا المحلية الخاصة به. لنتذكر فالناخب لا يحاكم ترامب ولا بايدن وفق تصوراتهما للسياسة الخارجية، ولا مواقفهما من القضايا الدولية، وهذا لا يأتي في أي درجة من سلم اهتماماته، بل إن المحدد الأساس لتصويته هو قناعاته بشان البرامج الداخلية لهما، وهو بذلك يتصرف بحكمة المواطن الصالح وليس الفاضل. فهو لا يبحث عن عالم مثالي وفاضل بل عن تحقيق الأفضل له.
كل له ما يتطلع إليه في تلك الانتخابات. وكل لديه الطريق التي سيسير بها وفق النتائج المرتقبة. إنها الانتخابات الأكثر إثارة في العالم، وهذه الإثارة مرتبطة بمكانة الولايات المتحدة في العالم. وتخيلوا أن الأمر ذاته كان سيتم لو كانت زعامة العالم في أي دولة أخرى. هذا هو حال الهيمنة في العلاقات الدولية. فواشنطن الأكثر تأثيراً في العالم كما كانت لندن قبل ذلك والأستانة قبلهما وقبلها بغداد ودمشق وأثينا وغير ذلك. هكذا تسير الحضارة وهكذا يتم تشكيل الوعي الدولي تجاه مفاهيم القوة والهيمنة والنفوذ، وفي كل مرة فإن ما يجري في تلك العواصم الكبرى يتم تناقله بشغف في كل الحواضر الأخرى.
وهذا ليس غريباً ولا جديداً، لكنه في كل مرة يبدو كذلك. لا أحد يعرف من سيكون في البيت الأبيض خلال ساعات، لكن المؤكد أن ثمة خسارات وثمة أرباح. ولا أحد يعرف أين سنكون نحن الفلسطينيين. بالطبع فالسيد بايدن ليس فلسطينياً ولا هو يحمل مشاعر فائضة تجاهنا، كما أن تصوراته حول حل الصراع لن تكون في أحسن حالها أفضل من أطروحات كلينتون أو بدرجة أقل أوباما، وفي كل الأحوال سيواجه بعواصف صهيونية إن هو حاول أن يقطع الخط المقدس الذي يجعل واشنطن حليفة لتل أبيب وهي مغمضة العينين، وهو في أحسن أحواله لن يفعل الكثير إلا أن يخفف بعض الضغط الذي مارسه ترامب.
كما أن ترامب الذي لم يدخر جهداً في إراقة دمائنا من خلال تشجيعه للقتل الإسرائيلي بحق أطفالنا ودعمه المطلق لكل سياسات الاحتلال، والذي استخدم كل قوة ممكنة من أجل الضغط على دول العالم لمساندة تل أبيب والتطبيع معها وتأييده للضم وللسرقة ولكل موبقات إسرائيل، لن يستطيع أن يصعقنا أكثر مما فعل. لم نطور مناعة خاصة للصدمة التي أحدثها، لكن على الأقل بتنا نعرف أين يتجه الرجل الذي يعيد أمجاد ذبح أصحاب السكان الأصليين (الهنود الحمر) على يد الرجل الأبيض. لا شيء سيفاجئنا ولا شيء يمكن أن يشكل صدمة جديدة لنا، خاصة بعد أن هرول المهرولون وركضوا إلى الحضن المخادع للعدو.
ولكن ما قد يفاجئنا أننا لم نطور سياستنا الخاصة لمواجهة كل الاحتمالات إذا حدثت. وهذا ما يجب أن يقلقنا. يجب علينا أن نضع كل الاحتمالات ونضع إجابات عن كل الأسئلة سواء كان بايدن أو كان ترامب. صحيح أننا لن نخسر أكثر لو جاء بايدن باعتبار أن «صفقة القرن» هي مشروع «ترامبي» وأن كل رئيس لديه مشروعه، لكن في كل الأحوال، فإن إجابتنا هي سر قوتنا، وموقفنا هو محور تقدمنا ،لأن هذه الإجابة نحن من نصنعها وليس الناخب الأميركي. نحن الذين نعرف أن فلسطين بلادنا وتم سرقتها منا وأن الحفاظ عليها مسؤوليتنا مهما كانت الظروف.

نقلاً عن :جريدة الأيام