عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - قبل أقل من أسبوع واحد على موعد الانتخابات الأميركية، في الثلاثاء القادم، يحبس العالم أنفاسه في حالة من الترقب للنتائج التي ستتمخض عنها. بعض المراقبين يرى أن هذه الانتخابات ربما تكون الأكثر أهمية منذ ما يزيد على قرن كامل من الزمن، في حين لا يتردد البعض الآخر من وصفها بالأكثر إثارة للاهتمام والجذب، داخلياً وخارجياً في تاريخ الولايات المتحدة كله.
وإذا كان العالم كله ينتظر هذه الانتخابات، كل من زاويته، ومن منظار مصالحه وهواجسه ومخاوفه وتوقعاته، فإننا نحن من باب أَوْلى، ومن زاوية مصالحنا، أيضاً، ننتظر هذه الانتخابات بفارغ الصبر، وباهتمام كبير.
يدور في الساحة الفلسطينية نقاش، في أوساط رسمية وحزبية، وفي أوساط المهتمين والمراقبين، وخصوصاً في أوساط الكتّاب والصحافيين وقطاعات وفئات واسعة حول هذه الانتخابات وتأثيراتها على مجمل التطورات في الساحة، وعلى السياسات التي يفترض انتهاجها في ضوء هذه النتائج.
في هذا الإطار، يلاحظ وجود ثلاثة اتجاهات رئيسة تقع في صلب هذا النقاش.
الاتجاه الأول، يصر على أن لا فرق يذكر بين عودة ترامب أو نجاح بايدن، لأن سياسة الدولة الأميركية، في دعم إسرائيل والإبقاء على تفوقها والدفاع عن أمنها والالتزام المطلق بهذا الأمن، بل وتبنّي سياساتها، ستظل ثابتة دون أي تغير حقيقي، ما يعني أن النتيجة لهذه الانتخابات ليست مهمة بشكل خاص، أو ليست ذات قيمة من شأنها إحداث أي فروقات جوهرية، بل وحتى أي فروقات شكلية حيال كامل الملف.
يستند أصحاب هذا الاتجاه على تاريخ موثق من السياسات الأميركية، وعلى مواقف متعاقبة للحزبين، وعلى مدار سنوات طويلة من هذا التعاقب.
كما يستند أصحاب هذا الاتجاه إلى سلسلة لا تخلو من المعاني والدلالات في سلوك وسياسات الولايات المتحدة في أقرب عهد للحزب الديمقراطي مثل نجاح ترامب والإدارة الجمهورية، وكيف أن إدارة الرئيس السابق أوباما لم تتمكن، وربما لم ترغب بإحداث أي تغييرات تذكر في مسار الدعم المطلق لإسرائيل وسياساتها العدوانية والتوسعية على حد سواء.
الاتجاه الثاني، يميل إلى اعتبار أن سقوط ترامب ونجاح بايدن سيحدث فرقاً كبيراً وجوهرياً وذلك ارتباطاً بما أقدم عليه ترامب من انتهاكات جسيمة للشرعية الدولية، وللقانون الدولي، وبما كانت عليه السياسة الأميركية نفسها، واستناداً إلى كافة الإجراءات والتدابير التي اتخذتها إدارة الرئيس ترامب، إذ لم تعد تصنّف فقط في إطار الدعم الخاص والتحالف الخاص مع إسرائيل، وإنما في إطار الانتقال التام نحو تبنّي السياسات الإسرائيلية كما يعبّر عنها اليمين القومي والديني المتطرف، والمغرق في عدائه للسلام من حيث المبدأ، والموغل في العنصرية.
ليس هذا فقط، وإنما تزعّم حملات مطاردة حقوق الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة ومنظماتها، وفي كل مؤسسات القانون الدولي، وتحول السياسات الأميركية على هذا الصعيد إلى نسخة طبق الأصل عن برنامج اليمين العنصري في إسرائيل، وبما يتفوق على سياسات هذا اليمين أحياناً.
الأمثلة هنا كثيرة، ويقدمها السفير الأميركي في إسرائيل لأصحاب هذا الاتجاه، ويقدمها الرئيس ترامب نفسه، وكل طواقمه العاملة في ملف الشرق الأوسط.
ومع مجيء وزير الخارجية الحالي بومبيو اكتملت الصورة واستكمل القوس وأُغلقت الدائرة.
لهذا يرى أصحاب هذا الاتجاه أن سقوط ترامب ومجيء بايدن ليست مسألة عادية أو شكلية، وأن وقوف اليمين المتطرف في إسرائيل وتجنّده لصالح ترامب، وتحشيد الإنجيليين لصالحه لن يمرّ مرور الكرام، وأن الجناح اليساري والشاب في صفوف الحزب الديمقراطي، وتعاظم دوره ومكانته في أوساط الحزب لن يتبخر بمجرد انتخاب جو بايدن لقيادة الولايات المتحدة، ولن يعود الحزب الديمقراطي، ولا يمكن له أن يتبنّى السياسة الترامبية حول مجمل ملف الصراع في الشرق الأوسط، وأن حجم التخريب الهائل الذي أحدثه ترامب في هذا الملف لن يمنع الرئيس بايدن في حالة نجاحه من الانقلاب على مجمل سياسات ترامب من حيث الجوهر، حتى وإن تمت بعض المساومات في هذا الإطار، وخصوصاً فيما يتعلق بنقل السفارة الأميركية للقدس.
أصحاب هذا الاتجاه يراهنون على هذا التغير، ولكن الأغلبية الساحقة منهم لا يرتهنون له، ويعوّلون على تفاعلات دولية مساندة من شأنها أن تحول هذا الرهان وهذا التعويل إلى منطلق، ومدخل جديد لإعادة الاعتبار إلى «حل الدولتين»، وإلى العودة إلى معادلة «الأرض مقابل السلام»، بل ويأملون أن يُعاد توظيف عمليات التطبيع التي جرت حتى الآن، لصالح شكل جديد من أشكال إعادة الاعتبار لمبادرة السلام العربية.
الاتجاه الثالث، يرى في عودة ترامب مجرد استكمال لما كان قد بدأ به سياساته الشرق أوسطية القائمة على بناء حلف سياسي وعسكري وأمني، تكون فيه إسرائيل هي الدولة المهيمنة، ويكون فيه العرب شركاء من الدرجة الثانية، وعلى أن يتم تحويل قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية إلى «دولة» في قطاع غزة تتبع لها سبعة أو ستة معازل في الضفة الغربية، على شكل مقاطعات أو ولايات منفصلة، لها قيادات محلية من خارج الصف الوطني، وذات طابع قَبَلِي أو عشائري أو جهوي، وتحت آليات التحكم العسكري المباشر لجيش الاحتلال، في حين يُمنع القطاع من الإمكانيات والمزايا الاقتصادية والسياسية التي تؤهله لتولي شؤون الولايات أو المقاطعات في الضفة، وبحيث يتم توسيع هوامش العلاقة مع مصر وإسرائيل بصورة كبيرة ونوعية، وإعطاء هوامش تجارية لتلك الولايات مع الأردن، وفتح أسواق العمل الإسرائيلية أمام العمالة القادمة من تلك الولايات.
باختصار، يرى أصحاب هذا الاتجاه أن عودة ترامب ستعني الإجهاز على الحقوق الوطنية في حين أن نجاح جو بايدن لن يغير بصورة جوهرية، لأن الأمور ستكون صعبة للغاية أمام بايدن، خصوصاً وأن العرب قد غادروا ساحة الوقوف إلى جانب الحقوق والمطالب الفلسطينية، ويستحيل أن تتمكن الإدارة الديمقراطية من إحداث تغييرات جدية على خارطة الملف من دون تغيرات جوهرية في الخارطة السياسية والحزبية في إسرائيل.
أصحاب هذا الرأي ليسوا أقلية على الإطلاق، وهناك من يفكر بهذه النتيجة وربما يتمناها بعض أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ومن كبار التجار، ومن أصحاب النفوذ العشائري والقَبَلي، ومن داخل حركة حماس بالذات، لأن إدارة ترامب في هذه الحالة ستكون مجبَرة على التفاهم معهم، وعلى عقد اتفاقيات «مؤقتة» إلى حين مرور المخطط، وبعد أن يتم الإجهاز على القيادات الوطنية والشرعية، وبعد أن تكون المنظمة والسلطة في حالة من الاختلال والتضعضع الكافي لتمريره.
أصحاب هذا الاتجاه لا يجاهرون به ولكنهم يعملون بهديه، وهم في حالة انتظار كامنة.
على أن لا أترك أصحاب هذا الاتجاه وشأنهم واعداً بمعالجة أوسع في مقال أو مقالات قادمة.