نابلس - النجاح الإخباري - يعيش المجتمع العربي حالة جدل في ظل دوران عجلات قطار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تجاه الدول العربية بسرعة مفاجئة.

واليوم يمارس المثقفون العرب من كتاب وشعراء وفنانين وإعلاميين دورهم الأساسي في رفع منسوب الشعور بالهوية المشتركة كعرب على اعتبار أنهم أصحاب ردة الفعل الأولى الواعية لمجريات الأحداث على الساحة السياسية والأقدر على نقد مواقف المسؤولين وتصويبها.

وحول ما يحصل حاليا من هوس التطبيع وتهافت بعض الدول العربية إليه استطلع النجاح الإخباري بعض وجهات النظر ودرس الحالة الفكرية السائدة في ظل اتفاق التطبيع الذي تم توقيعه مؤخرًا  بين الإمارات والبحرين مع حكومة الاحتلال الاسرائيلي بوساطة أمريكية تدير الأحداث وتشرف عليها ما يشكل تحولا في الموقف العربي الرسمي المعلن تجاه القضية الفلسطينية.

حراك ثقافي واسع

وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف أدان التطبيع بشدة وعاجل بدعوة المثقفين العرب للاصطفاف حفاظا على الهوية العربية لتسجيل موقف واضح وحاسم واضحاً وحاسماً جليًّا لعامة الشعب، ولإحداث ضجيج فكري يعم المنطقة العربية بأسرها علّه يؤدي إلى التغيير.

الكاتب الفلسطيني سعيد الشيخ قال إن التطبيع مسخ للمواقف العربية المساندة للقضية الفلسطينية، ورأى أنَّ حالة من الّلبس تسود الموقف حيال ما يحدث في الشارع العربي من حراك ثوري، يهز أعمدة الديكتاتورية، بل يطيح بها تأسيساً لديمقراطية ظلت نادرة لعقود في الحياة العربية.

وتساءل منتقدا عن موقف المثقفين وأصحاب الأقلام الحرة من أن تكون الثقافة السائدة كُتب لها، أو هي خطّت لنفسها أنْ تظلّ هامشية تتسم بالسلبية تجاه قضايا حارّة؟.

ولفت إلى أنَّ للثورات ثقافتها وللثقافة جنودها القادرين على التقدم للموقع ودك حصون الديكتاتورية وهياكل التخلف، وإنزال من صعدوا إلى الشجرة في غفلة بل وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

تسجيل مواقف

الشاعر والروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم بادر بسحب ترشيح روايته "بروميثانا" للجائزة العالمية للرواية العربية (أي باف)، والتي تنظم بدعم من دائرة ثقافة وسياحة أبو ظبي في الإمارات وبالشراكة مع مؤسسة جائزة "بوكر" في لندن وعبر عن موقفه بقوله: "هذه خطوة منسجمة مع توجهاتي الإنسانية قبل الأدبية ومقدمة لدوري في التغيير".

ووجه أبو سليم دعوة للمثقفين للمشاركة بأنشطة تنظمها رابطة مقاومة التطبيع والتي أسسها مثقفون وأدباء إماراتيون إذ يرى أن مفهوم التَّطبيع أَصبح على مستوى الوعي العربي معنى محدَّداً يصل حدَّ وصم المطبِّع بالخيانة منذ توقيع اتِّفاقيَّة كامب ديفيد.

في حين شجب عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين إياد شماسنة عملية التطبيع وطالب أنَّ  يكون الرد الثقافي العربي بقدر الأزمة، لا أن يكون صوتيا فقط.

وأوضح أن مصطلحات كثيرة تلوح بالأفق، الأسرلة والتهويد والتطبيع لكل منها معناها وأي خلط بينها يؤدي إلى فوضى وأن  الأسرلة هي صبغ الشيء بالصبغة والسلوك والثقافة "الاسرائيلية" والتي هي علمانية كولونيالية ليبرالية وكلها مصطلحات تفضي إلى مصطلح واحد يفوق كل المسميات وهو الخيانة العظمى لفلسطين والقضية الأساس في عالمنا العربي المهترئ منذ عقود وعقود.

وفي ذات السياق استنكر الاتحاد العام للكتّاب والادباء الفلسطينيين اتفاق التطبيع معتبرًا خطوة البحرين سقوطًا في وكر التطبيع، وطعنة مسمومة في ظهر الشعب الفلسطيني.

ورأى أن هذا الجري المدان من قبل دول التطبيع لن يكسر الثابت الفلسطيني، ولن يجعل شعبنا أقل صمودًا وصبرًا، بل العكس سيكون والمستقبل سيثبت أن نصرة الحق لا تؤخرها اتفاقيات التطبيع الجنائزي واللحظة الساقطة.

وأكد على ثبات موقف الكتّاب والأدباء الفلسطينيين ومعهم الكتاب العرب والشرفاء في كل مكان، ودعمهم للقضية الفلسطينية، حتى بلوغ الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

في حين رأى الشاعر الفلسطيني خالد عرار أن مساعي المطبعين مكشوفة فهم يريدون بهذا السقوط إبعاد القضية الفلسطينية عن همِّ الشارع العربي، وجعلها قضية خاصة بالفلسطينيين، ليتم القضاء عليها نهائياً، لكن أنى لهم ذلك!

أما الكاتب والشاعر الفلسطيني جواد العقاد  فقال لـ "النجاح الإخباري": عملية التطبيع سقوط مدوي في أحضان القوى الاستعمارية، إلا أن الوعي عند الأغلب طغى على موقف المثقف العربي تجاه القضية الفلسطينية، نرفضه قلبا وقالبا، كما نرفض كل المؤامرات التي تحاك ضد الحق الفلسطيني بما فيها اتفاقيات التطبيع الأخيرة".

ولفت إلى انسحاب عدَّة أدباء من الجوائز التي ترعاها الحكومة الإماراتية، وكذلك بيانات الشجب والاستنكار التي صدرت عن اتحادات الكتاب والهيئات الثقافية وأحزاب اليسار العربي ومثقفين مستقلين في معظم البلاد العربية بما فيها الإمارات والبحرين" لافتًا إلى أن هناك فجوة واسعة بين الحكومات المطبعة وشعوبها، المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية".

الناقد والأستاذ الجامعي الأردني د. زياد أبو لبن رفض التطبيع وأدانه، كإنسان أولا وكمثقف له دور فاعل ثانيا حيث قال لـ "النجاح الإخباري": إنَّ الاتحادات الثقافية والفنية العربية أدانت وشجبت واستنكرت ما أقدمت عليه الإمارات العربية والبحرين من توقيع اتفاقيات تطبيعية مع الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين.

وأضاف أن كل ما يصدر من تعبيرات رافضة ليس بالمستوى المطلوب اتجاه اتفاقيات الذل والخيانة بقوله: "لم نرَ مسيرة أو مظاهرة أو وقفة احتجاجية أمام سفارتي الإمارات والبحرين في العواصم العربية، وإنما بقي الاحتجاج مكتوباً في الأوراق ومنشوراً في الصحف ومبثوثاً في محطات الإذاعة والتلفزيون، فالسؤال: أهذا هو دور المثقفين واتحاداتهم؟! للأسف هو دور منقوص لا يرتقي لمستوى الحدث".

وأوضح أن الموقف العام لا يخلو من فجوة كبيرة بين الحكومات والشعوب إذ إنَّ الرسمية العربية التزمت بالمبادرة العربية عام ٢٠٠٢، ورغم فشل تلك المبادرة، إلا أن اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني الأخير يشكل رسميا تشييع جنازة مبادرة الملك عبدالله السعودي التي اشترطت قيام دولة فلسطينية يعترف بها دولياً على حدود الرابع من حزيران 1967، وتحقيق عودة اللاجئين والانسحاب من الجولان السورية المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع الكيان الصهيوني.

ويجمع المثقفون العرب على أن التغيير الحاصل في الموقف السياسي العربي والتطبيع الحاصل هو نتاج تراكمي وزمني يسعى لاستمرار الحصار على إيران والضغط الاقتصادي والسياسي على تركيا، وإثارة النعرات الطائفية مجددا في كل من باكستان والعراق، واستمرار تأجيل الصراع والفرقة في كل من سوريا ولبنان.

 ويحلل بعضهم أن خطوة الاتفاق في سياق المشروع الصهيوأمريكي الممتد زمانيا تهدف لتأمين وتكريس التفوق النوعي للكيان الصهيوني على غيره من مكونات المنطقة ومن ثم تمكينه من أن يكون القوة الإقليمية المسيطرة والأكبر في الشرق الأوسط.

ويطالبون في البحث عن سبل معاقبة المطبعين، من خلال المحاصرة أو العزل السياسي والمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية لتكون عملية التطبيع داء يبحث عن دواء

وسجل "اتحاد الناشرين الأردنيين" موقفا  حيث أعلن ثباته ورفضه للتطبيع مع الاحتلال ومقاومة جميع أشكال التطبيع، بما في ذلك التطبيع الثقافي الذي عدّه "أخطر أشكال التطبيع.. والجسر الأخطر لغزو المجتمع العربي بكل أطيافه".

يشار إلى أن هذه التكتيات الأمريكية الصهيونية تأتي في وقت خانق لكل من ترامب ونتنياهو اللذين باتا يبحثان عن طوق نجاة يوصلهما لبر انتخابات آمن ويجلي صورتهما أمام مجتمعاتهم في ظل الفشل وملفات الفساد المتكدسة.

ويطالب المثقفون بألا نكتفي بمراقبة مشهد الحراك العربي ويدعون لتحريك الرأي الدولي بقوة لاختراق وتفكيك المحنة المزدوجة للمثقف والسلطة، لصالح الحراك الشعبي الفلسطيني الذي يطالب بالعدل والمساواة والكرامة.