الدكتور مصطفى البرغوثي - النجاح الإخباري - كثيرة المآسي والخسائر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ومنها نكبة عام 1948، التي ارتبطت بعدم السماح له، أو بعدم قدرته على تمثيل نفسه بنفسه، وبغياب قيادة وطنية موحدة لنضاله.

ولم تكن صدفة أن الشعب الفلسطيني قدم تضحيات باهظة، وخاض نضالات عديدة حتى حقق الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا له ولقضيته، وهو أمر حاولت إسرائيل وحلفاؤها مرارا منع حدوثه، أو سعت لتخريبه ونسفه.

ولا يحق لأحد أن يُغفل، أن الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة كان صاحب الفضل الأكبر من خلال الإنتفاضة الأولى، في إنقاذ منظمة التحرير من محاولات عزلها، بعد أن نجح الاحتلال بالقوة العسكرية في إخراجها من لبنان.

كما لا يمكن تجاهل، أن " فخ أوسلو" ، قد خلق بذور الإنقسام الأولى في الساحة الفلسطينية، وسبب نفورا لأجزاء واسعة من الشعب الفلسطيني، وخاصة في أوساط اللاجئين المقيمين في الخارج، وأضعف دور منظمة التحرير لصالح السلطة الناشئة و المحكومة باتفاق اوسلو.

وعندما تجرى اليوم محاولات خطيرة لتمرير ما يسمى بصفقة القرن، ولتصفية مكونات وحقوق الشعب الفلسطيني، فإن أكثر ما يفيد أعداءنا استمرار حالة الإنقسام القائمة بين حركتي فتح وحماس، وتعمد إسرائيل التفرد بغزة من جهة، وبالضفة من جهة أخرى.

وما من شيء يمكن أن يساعد إسرائيل والحركة الصهيونية على تجاوز فشلها التاريخي في طرد الشعب الفلسطيني، واجتياز عقبة الديموغرافيا الفلسطينية، أو في نسف إمكانية قيام دولة فلسطينية حقيقية حرة ومستقلة، مثل فصل غزة عن الضفة الغربية وباقي فلسطين ، و شطب مليوني فلسطيني من المعادلة الديموغرافية، لتسهيل فرص إبتلاع وتهويد الضفة الغربية .

ورغم الوضوح الساطع لكل ما ذكر، فإن قنوات الإعلام والتلفزة، ووسائل التواصل الإجتماعي تكاد تختنق بحملات التشكيك والكراهية المتبادلة، وكأننا نشهد حرب "داحس والغبراء " مجددا بين القوى الفلسطينية، وذلك كله لن يفيد إلا أعداء الشعب الفلسطيني والحالمين بإلغاء حق الفلسطينيين في تمثيل أنفسهم وقضيتهم، وعلى رأسهم نتنياهو ، الذي يجهد لعقد صفقات مع من هب ودب لتصفية القضية الفلسطينية .

وما من أمر أشد ألما وحزنا، في حمى الصراعات الداخلية ، من مشاهدة تراشق الإتهامات التي صارت تنال من كرامة أجزاء من الشعب الفلسطيني نفسه، وكأننا لم نعد شعبا واحدا يعاني من نفس الظلم، والاحتلال، ومن نفس الإضطهاد العنصري .

قال لي مسؤولون دوليون ودبلوماسيون مرموقون، أن الجواب الأول الذي يقدمه المخادع نتنياهو لكل من يسأله عن تعطيل المفاوضات والإتفاقيات، وما يسمى بعملية السلام، القول بأن الفلسطينيين منقسمين ولا يوجد من يستطيع الحديث بإسمهم جميعا.

لم تعش القضية الفلسطينية وضعا أخطر مما نعيشه اليوم منذ عام 1948، ولم يعد هناك مجال لإضاعة الوقت، ومواصلة لعبة الإنقسامات المتفاقمة والصراع على سلطة، بلا سلطة حقيقية، أو لتجاهل مطالب الشعب الفلسطيني بإنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة ومجابهة إسرائيل والعالم بقيادة وطنية موحدة.

ولا يمكن حماية منظمة التحرير الفلسطينية، البيت الجامع للفلسطينيين، وصون دورها كممثل شرعي وحيد لهم، إلا بإنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة، وجمع شمل جميع القوى في إطارها.

والطريق لذلك سهل إن صفيت النوايا وتغلبت المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والفئوية والخاصة، وهو يتمثل في التطبيق الفوري لثلاثة أمور مترابطة، تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مقاليد الأمور دون السماح لأحد بتعطيلها، وإعلان موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني حسب إتفاقات المصالحة، ودخول ممثلي كافة القوى لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتلك هي الضمانة لتعزيز دورها الشعبي والتمثيلي، وقدرتها على مواجهة مؤامرة التصفية الكبرى التي يجري إعدادها في دهاليز الدسائس الدولية و الاقليمية.

ولا يظن أي طرف أن بمقدوره التفرد بقيادة الساحة الفلسطينية، أو أن الإغراءات والوعود التي تقدم على قاعدة تعميق الإنقسام ليست سوى أفخاخ تنصب لتسهيل تصفية القضية الفلسطينية .

لا يوجد سوى سبيل واحد لحماية القضية الفلسطينية، ولصون دور منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة قدراتها، وهو طريق الوحدة الوطنية.

عن القدس الفلسطينية