محمد قنيطة - النجاح الإخباري - منذ بدأ الحديث بشكل واضح لوسائل الاعلام والصحفيين عن وجود صفقة تلوح بالأفق بين حماس وإسرائيل عنوانها هدنة بينهما، يصاحبها انفراجة اقتصادية لغزة، انهالت على الجانب الأخر التصريحات والأخبار السلبية تجاه المصالحة، وبدأت تخرج الاتهامات، وعُدنا مجدداً للغة التخوين والقذف !!

وهذا يؤكد ما تحدثنا به والعديد من الكُتاب والمحللين أن المصالحة الفلسطينية مازالت تكتيكاً لدى طرف أو أطراف لتحقيق استراتيجية الانقسام، واقامة كيان منفصل في غزة له سياسته وموارده وحكامه.

والمؤكد أن المصالحة الفلسطينية لم تكن أولوية ضمن جدول لقاءات القاهرة الأخيرة، بوجود ملفات أخرى على الطاولة كالهدنة ووقف مسيرات العودة وصفقة تبادل أسرى بين اسرائيل وحماس، كذلك أطراف جديدة كملادينوف مبعوث الأمم المتحدة ومن الخلف الولايات المتحدة عبر كوشنير وغريبنلات، وقطر العمادي اللاعب القديم الجديد، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلتها القاهرة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية باعتبارها مصلحة قومية استراتيجية لمصر وذات أبعاد وطنية وأخلاقية لمصر تجاه القضية الفلسطينية، لكن يبدو أن مصر ليست اللاعب الوحيد بوجود قوى اقليمية ودولية أخرى فاعلة، ونوايا غير صادقة لأطراف فلسطينية وممارسات غير جادة لتحقيق هذه المصالحة .

وسط هذا الحراك الضبابي وكواليس الغرف المغلقة، وحجب الحقيقة الكاملة عن الشعب الفلسطيني بشكل متعمد، يعيش قطاع غزة ظروفاً مأساوية حقيقية يتحمل مسؤوليتها بالمقام الأول الاحتلال الاسرائيلي، كذلك أطراف فلسطينية بتعنتها وتغليب مصالحها الحزبية، وحالة لامبالاة تجاه معاناة المواطنين وأزماتهم من فقر وبطالة وعتمة وأمراض وتلوث.. ، حتى وصلنا لنتيجة تجبر القطاع وتهيئ مواطنيه القبول بأي صفقة أو حلول إنسانية تخلصه من الحالة البائسة التي أوشكت أن تهلكه.

المعادلة السابقة المتمثلة بمزيد من الضغط لقبول أي حلول، فقط يكسرها ظروف انتعاش اقتصادية حقيقية تسد ضائقة المواطن الفلسطيني في غزة وتعيد كرامته المسلوبة على أسنة الفقر والقهر، حينها سيكون لديه المجال الواسع ليفكر بما يُطرح من صفقات وحلول ويمررها على ميزان قضيته ومبادئه الوطنية، ليقبلها أم يرفضها، وشعبنا الذي واجه صفقات ومؤامرات عبر سنوات نضاله، قادر أن يواجه ويفشل أي صفقات مشبوهة تقفز فوق تضحياته الجسام .

لكن السؤال: هل لأطراف مصلحة أن يبقى الوضع الكارثي في قطاع غزة قائماً مؤقتاً لتُمرر الصفقات ؟ وهل هناك جهة فلسطينية آمنة يمكنها انعاش القطاع دون ثمن ضخم سندفعه على حساب قضيتنا ؟ .

البعض يتحدث أن حماس مُجبرة لتلعب بالبيضة والحجر لتوقف حالة الانهيار في قطاع غزة باعتبارها الحاكم الفعلي للقطاع، وإذا ما انفجرت الجماهير ستنفجر في وجهها، لكن هل هذا يخولها لتدفع ثمنا باهظا من حسابها الشخصي وحساب الشعب الفلسطيني ضمن هذه اللعبة، خاصة والكل يعلم أن الهدنة والانفراجة الاقتصادية لن تكونا بلا مقابل وستحاول اسرائيل أن تقبض فاتورة باهظة الثمن مقابل ذلك .

للخلاص من ذلك الهروب تجاه الجهة الفلسطينية التي يمكنها القيام بمهمة الخلاص دون أثمان ضخمة سندفعها، وأعتقد حكومة الوفاق الفلسطينية هي الجهة القادرة للقيام بهذه المهمة، باعتبارها الجهة الشرعية والقانونية المناط بها القيام بهذه المهام، بل هذه المهام والتي تقايض اسرائيل غزة عليها كالصحة والتعليم والكهرباء والأمن وتطبيق القانون ..الخ من صلب عملها، وتستطيع أن تقنع العالم بمطالبها لتنفيذ مهامها، بل أن أي طرف سيقف في طريقها حتى اسرائيل ستكون حجته واهية، ويمكن تعريته أمام الرأي العام الإقليمي والدولي.

المنطق يقول لماذا نذهب في غزة لجهات هنا وهناك للخلاص، ونعلم الثمن الباهظ الذي سندفعه، والجهة الآمنة موجودة، والأمر لا يتطلب الكثير سوى اتاحة المجال لحكومة الوفاق للعمل، ثم اقامة الحُجة عليها، خاصة وأن رئيس الحكومة وجميع وزرائها أعلنوا أمس واليوم جهارا نهارا جاهزيتهم لتسلم مهامهم كاملة في قطاع غزة، ويقولون أن الحكومة تنفق جزءا كبيرا من ميزانيتها في قطاع غزة ولديهم الخطط والبرامج لاستكمال هذا الانفاق وضبطه للوصول لحالة انعاش القطاع فور تسلمهم مهامهم بشكل واضح يتيح لهم العمل ليتحقق مبدأ المسؤولية والمراجعة.

أما أن نترك السهل الآمن ونسلك طريق الصعب، فهذا يطرح تساؤلات كبيرة، حول حقيقة ما يطرح من صفقات وشبهات القرن، والتي تريدها إسرائيل وأمريكا لضرب القضية الفلسطينية وتفتيتها مستغلة حالة الانقسام، وأزمة غزة ووضعها الكارثي، وعلى حماس أن تُبرئ نفسها من هذه الشبهات وتعفي خطواتها من هذه الطريق الوعرة وتسلك المسلك الآمن وعنوانه معروف لتحافظ على تضحيات شعبنا وتضحياتها باعتبارها ضمن الحالة الوطنية والنضال الفلسطيني، نتفهم أنها تخطئ وتصيب لكن لا نرضى أن تقع في الخطيئة وشرك اسرائيل وأمريكا، فلا يأتي خيرا أبدا من وراء اسرائيل لا بحرب أو بهدنة !!

ومطلوب من الرئيس أبو مازن وحركة فتح عدم التسليم بما يحدث ويحاك لغزة، وانقاذ غزة وحماس من شرك اسرائيل وأمريكا، حتى لو تنازل دون الثوابت في سبيل لملمة البيت الفلسطيني واستيعاب كل أطرافه، ومساعدة مصر في جهودها، فكما حكومة الوفاق الفلسطينية هي الجهة الآمنة لانعاش غزة، كذلك مصر هي الجهة الآمنة للحفاظ على القضية الفلسطينية وحقوقها، وأن يستمر الرئيس أبو مازن بالهجوم نحو المصالحة وإنهاء الانقسام دون كلل أو احباط، بتغيير أدواتها ووفودها حتى لو أرسل وفداً جديداً إلى مصر كل يوم، وعلى الفصائل أن تساعده وتساعد بعضها حتى ( تظبُط)، ( لازم تظبُط ) .