ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - لفلسطين تاريخيا رئيسان فقط جاءا بالإنتخابات والإرادة الشعبية، وفي انتخابات إعترف العالم بنزاهتها وديمقراطيتها، وهو ما يعني أولا أن الفلسطينيين يجيدون ممارسة الديمقراطية أكثر من غيرهم، وثانيا كل من الرئيسين ياسر عرفات ومحمود عباس فهما وأدركا معنى أن تكون رئيسا لفلسطين ، دولة وشعب تحت الاحتلال ، فهو رئيس ليس كأي رئيس آخر، لا بد ان تكون ممارسته للرئاسة فيها قدر كبير من المرونة السياسية والدهاء الميكيافلي، هدفه الأساس إنهاء الإحتلال وقيام الدولة الفلسطينية الكاملة، وثالثا أن يكون رئيسا فهذا معناه التمسك بالسلام والمفاوضات وهو ما يتوافق وشرعية القضية الفلسطينية، فلا يجوز ان يكون رئيسا داعية حرب ومقاومة مسلحة وعنف وقتل، وهذا امر طبيعي أن يتمسك كل منهما بالمقاومة السلمية والشرعية، والتنديد بقتل المدنيين وخصوصا الأطفال أيا كانو ، وان يرفعا شعار سلام أطفالنا وسلام أطفالكم. ويدركان أن تكون رئيسا لفلسطين فلا يجوز أن تجلس في مقر الرئاسة فعليك أن تذهب وتزور كل العواصم تسخيرا ودعما وكشفا لصورة إسرائيل الإحتلالية، وهي سياسة جاءت بنتائجها اليوم ، بدأها الرئيس عرفات بخطابه التاريخي في الأمم المتحدة رافعا غصن الزيتون والبندقية مخاطبا العالم لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي أي غصن السلام، وهو نفس الغصن الذي رفعه الرئيس محمود عباس الذي نجح في إنتزاع دولة مراقب في الأمم المتحدة، ورفع علم فلسطين، والإنضمام للعديد من المنظمات الدولية التي حفظت الشخصية الدولية للشعب الفلسطيني ودولته وإن كانت تحت الاحتلال. وما زالت معركة الشرعية والتمثيل قائمة ومستمرة وهي معركة شرسة.

وهما رئيسان يعرفان ان القلم السياسي اللذان يوقعان فيه على العديد من القرارات السياسية هو أصلا قلم الشعب الفلسطيني ،ويحملونه لفترة مؤقتة بتفويض فلا يمكن التوقيع به إلا ما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني ، ولا تنتهي حياته بخيانة وطنية ، فهذا هو الرئيس الفلسطيني ، وحتى لوكلفه ذلك حياته كما حدث مع الرئيس عرفات، فكلمة «لا» موجودة في قاموس السياسة الرئاسية الفلسطينية، إستعملها الرئيس عرفات وقالها أول مرة في وجه الرئيس كلينتون ومبادرته التي في جميع الأحوال افضل بكثير من مما تحمله صفقة القرن الترامبية، وكان الأقرب للرئيس عرفات وسياسته وزار غزة ومطارها الذي دمرته إسرائيل لأنها لا تريد أن ترى مظاهر السيادة الفلسطينية على الأرض. الرئيس عباس إمتداد لهذه السياسة ، فهو يعلم وبخبرته السياسية الطويلة ان حياته قد تنتهي كالرئيس عرفات ولا يبالي بل كشف عن سمة من سمات شخصيته وهي العناد والإصرار السياسي، ويعرف ان طريق الرئاسة الفلسطينية طويل وملغم ، وكل خطوة تريد منه أن يفك احد هذه الألغام. لكن فترة الرئيس عباس حملت من التطورات والتحولات السياسية ما هو اكبر من قدرة الرئاسة الفلسطينية بمفردها على تحمله، وهو ما عرف بثورة التحولات العربية وتراجع وضعف دور الدولة العربية وما ترتب على ذلك من حروب ومنازعات عربية داخلية كثيرة في ليبيا واليمن وسوريا وما تواجهه مصر من حرب إرهاب تستهدف قوة الدول وهي العمق الإستراتيجي لفلسطين، وبروز أطماع الدول الإقليمية وتوغلها في قلب المنطقة العربية كإيران، وكل هذه الدول مهمة للقضية العربية، وفي فترة تحولات سياسية عميقة على المستوى الدولي ، وكان وصول الرئيس ترامب للرئاسة معبرا عن شعبوية جديدة ، ودعما غير مسبوق لإسرائيل وقرارته بنقل السفارة والإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي وقت تواجه فيه أوروبا مخاطر التفكك ، والأخطر من ذلك يحكم في بيئة سياسية فلسطينية يحكمها الإنقسام والتشكيك في الشرعية السياسية ،والذهاب لفرض قرارات على غزة والإتهام بالخيانة ، وفي ظل حكومة إسرائيلية يمينية متشددة تسارع الزمن للتهويد والإستيطان وآخرها قانون القومية اليهودية، هذه البيئة السياسية الملغمة والتي إن واجهت اي رئيس آخر لأنحنى لها وجنب نفسه مخاطرها. لكن رغم ذلك أعاد الرئيس عباس لاءاته الشهيرة والتي ستسجل له في تاريخه السياسي الوطني ، وسيسجل انه صاحب اللاءات السياسية المشهورة في السياسة الفلسطينية وليس كما في لاءات قمة الخرطوم العربية بعد حرب 1967، فهو قال لا وبصوت عال ومرتفع للصفقة الأمريكية قبل ان ترى النور لأنه يعلم خفاياها وتفاصيلها وقال لا لإحتكار الولايات المتحدة لعملية السلام بعد اليوم.وقال لا لمقابلة أي مسؤول أمريكا بمن فيهم الرئيس ترامب نفسه وهذا لا ليست سهلة وثمنها السياسي كبير ليس ماليا فقط ولكن قد تكون الحياة نفسها وقال لا للقدس عاصمة لإسرائيل، واكد بلا ادنى شك ان لا دولة فلسطينية بدون القدس الشرقية، وقال «ولا» هذه للإنقسام السياسي الفلسطيني وإن كلفة ذلك من مكانته امامة شعبه بسبب القرارات التي إتخذها في غزة على هدف عودة المصالحة ،وقال لا لدولة مؤقتة في غزة فلا دولة بدون غزة ولا دولة في غزة بدون القدس. وقال لا للمفاوضات ولقاء نتانياهو رغم العديد من المحاولات التي بذلها رؤساء دول كروسيا وهي الأكثر قربا للرئيس، وقال لا عربيا في مواجهة اي محاولات لسلام وعلاقات مع إسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية والقدس عاصمتها ،وقال لا للعديد من سياسات الدول الإقليمية التي تحاول ان تلعب بالقضية الفلسطينية, وبالمقابل قال نعم للسلام العادل الذي يحقق التوازن في معادلة الحقوق،والسلام خيار إستراتيجي وهو غصن الزيتون الذي ورثه من الرئيس عرفات، وقال نعم للمفاوضات بمرجعية دولية واضحة وملزمة وبزمن محدد تفضي لقيام الدولة الفلسطينية ، وقال نعم لحل الدولتين، مما يعني القبول بإسرائيل كدولة تعيش وتتعامل بجانب الدولة الفلسطينية، وقال نعم لدولة فلسطينية ديمقراطية بدون سلاح حرب، وقال نعم للمبادرة العربية وهي صفقة القرن الحقيقية، وقال نعم لمؤتمر سلام دولي تشارك فيه دول السلام وبرعاية الأمم المتحدة.

وأخيرا يدرك الرئيس ان القضية الفلسطينية هي من تتحكم في الرئاسة وليس العكس. ويبقى مطلوبا منه كمصلحة وطنية فلسطينية عليا أن يعيد اللحمة الوطنية الفلسطينية الواحدة وان يؤسس لبناء نظام سياسة فلسطيني ديمقراطي ، ويؤسس لتقليد سياسي فلسطيني للرئاسة بلا ونعم ، الرئيس الفلسطيني ورغم الاحتلال وضعف عناصر قوة القرار قادر ان يقول لا ونعم في الوقت الذي يرى فيه مصلحة القضية.نعم لقضية تقوم على الشرعية الدولية والقرارات السلمية. وتبقى قوة الرئيس في قوة شعبه وقوة قضيته العادلة والقوية بحقوق شعبها وقوة قرارات الشرعية الدولية.ونصيحتي الأخيرة للرئيس ان يصم احد أذنيه عن كل ما لا يحقق السلام لأرض السلام ونحن معه في معركة السلام الشرسة، وان يفتح أذنه الأخرى دائها ليسمع أنين شعبه ومطالبه ، وتذكر انك رئيس لهذا الشعب الذي جاء بك بالإنتخابات، وتقوى به.

عن القدس