زياد ابو زياد - النجاح الإخباري - قلة هم أولئك الذين يستطيعون أن يفهموا حجم المعاناة بالقدس لأن معظم هؤلاء يفكرون بالقدس بنفس المعايير التي كانت قائمة منذ عشرات السنين. إما لأنهم ينتمون الى جيل متقدم في العمر لا يرى في الساحة سوى نفسه ولا يدرك بأن هناك أجيالا ً جديدة تولد وتكبر وتتبلور كل يوم ، أو لأن بعض هؤلاء لا يعيشون بالقدس أو بعيدون عن واقع حياة الأجيال الشابة في القدس التي ولدت ونشأت وترعرعت في ظل واقع الإحتلال الذي يخيم على المدينة منذ أكثر من خمسين عاما ، وما يفرزه هذا الإحتلال من مؤثرات يومية على أدق تفاصيل حياة الأجيال الشابة بالقدس.

ومع أنني أنتمي إلى الجيل القديم الذي كان يعيش في برج بعيدا ً عن واقع الشباب بالقدس ، إلا أنني التقيت في مناسبات عدة مع نوعيات من الشباب الجديد بالقدس وانبهرت بوعي وإدراك وأسلوب تفكير وعمل هؤلا الشباب مما جعلني أحاول في الأعوام الأخيرة أن أحتك أكثر وأعمق بالأجيال الشابة الجديدة وأن أتناقش معها وأن أستمع الى وجهة نظر الكثيرين منهم ، واكتشفت الفجوة الهائلة التي كانت تفصلني عن واقع هؤلاء الشباب والتي ما زالت تفصل الكثيرين من أمثالي عن ذلك الواقع.

ولا بد من الإشارة الى بعض الملامح الجديدة التي تتبلور بين شباب القدس والتي تستحق كل الإهتمام والرعاية والإصغاء جيدا ً لها وتفهمها وفهمها.

وأقول بأن من الخطأ الجسيم محاولة تسييس هذه الملامح أو رؤيتها فقط من خلال منظار الأسرلة أو التهويد أو المنظار السياسي بشكل عام وإنما من الضروري التعمق فيها وتمحيص ملامحها بأبعادها الثلاثية والرباعية والخماسية إن أمكن القول..

التحدي الرئيسي والأساسي الذي يواجه شباب القدس ، وكلمة شباب هنا تعني ذكورا ً وإناثا ً دون تمييز ، هو نفس التحدي الذي يواجه كل شاب في بداية حياته العملية وهو البحث عن المستقبل.

والبحث عن المستقبل يكون من خلال البحث عن تعليم يوصل الى عمل يؤمن الحياة الكريمة أو البحث عن عمل يؤمن مثل تلك الحياة ، والكل رهن بالمرحلة التي ينطلق منها المرء. والذي يبحث عن تعليم لا يبحث عنه ترفا ً وإنما كوسيلة أو أداة توفر له فرص العمل. وهنا يصطدم الشاب والشابة المقدسي بالعوائق والعقبات التي يفرضها واقع الإحتلال سواء من حيث الإعتراف بالشهادة او ضرورة معرفة اللغة العبرية. وهذا الأمر يحتل هذه الأيام وخاصة بعد إعلان نتائج التوجيهي حيزا ً كبيرا من النقاش بين الشباب المقدسي الذي يريد أي يضمن بأن دراسته في أي معهد كان لن تضيع هدرا ً وأنها ستؤهله للحصول على وظيفة أو عمل معترف به حتى لو كان عملا ً مستقلا ً كالهندسة أو الصيدلة أو الخدمة الإجتماعية.

فإسرائيل ترفض الإعتراف بكثير من التخصصات في الجامعات الفلسطينية وخاصة جامعة القدس التي تحاربها إسرائيل لا لشيء إلا بسبب اسمها ولكنها تعترف ببعض التخصصات فيها لحاجة السوق الإسرائيلي لها وترفض الإعتراف بالبعض الآخر. والضحية في جميع الحالات هو الطالب المقدسي الذي يدرس بجامعة القدس أو أي من الجامعات الفلسطينية.

أضف إلى ذلك الإختلاف في المساقات التي يتم تدريسها قي الجامعات الفلسطينية ووجود بعض المساقات والمواد التي تُدرس بالجامعات الإسرائيلية ولا تُدرس في جامعاتنا ، إضافة الى مشكلة اللغة العبرية . والطالب الذي يحصل على شهادته الجامعية الأولى من إحدى الجامعات الفلسطينية ويتوجه للمؤسسات الأكاديمية أو الرسمية الإسرائيلية سواء بحثا ً عن عمل أو استمرارا ً في الدراسة ، يصطدم بعقبة عدم معادلة شهادته أو الإعتراف بها إلا إذا قام باستكمال المواد الناقصة ودراستها في جامعة إسرائيلية الأمر الذي يطيل أمد سني دراسته ووقته الضائع على الدراسة.

وفي رأيي المتواضع فإنه لا يجوز تحميل عبء كل ذلك على كاهل الطالب المقدسي وإنما يجب أن يكون هناك عمل من جانب الجامعات الفلسطينية لتخفيف الصعاب والعراقيل التي تواجه خريجيها من أبناء القدس وخلق الحوافز التي تشجعهم على الدراسة في الجامعات الفلسطينية ، وأقترح ما يلي:

أولا ً ، أن تقوم الجامعات الفلسطينية بإعداد دراسات مقارنة بين المواد التي تقوم بتدريسها والتي تُدرس في مثيلاتها الإسرائيلية وإضافة المواد التي يتم تدريسها في الجامعات الإسرائيلية ولا تُدرس عندنا إلى مناهجها شريطة أن تكون تلك مواد أكاديمية لا أجندة سياسية لها. ومثل هذا يخفف عبء الإستكمال عن الطالب الفلسطيني المقدسي إذا أراد أي يصدق شهادته من الجهات الإسرائيلية ليُتاح له العمل بالقدس أو استكمال الدراسة العليا في إسرائيل.

ثانيا ً ، توسيع نطاق تدريس اللغة العبرية في الجامعات الفلسطينية لتمكين الطالب الفلسطيني المقدسي من معرفة هذه اللغة وإجادتها أثناء دراسته في الجامعات الفلسطينية لكي لا تكون عقبة أمامه بعد التخرج إذا توجه للعمل في سوق العمل بالقدس أو الدراسة العليا.

ثالثا ً ، إن علينا أن نتفهم خصوصية أهلنا في القدس وأن نتحرر من الكلاشيهات التي تلصق الإتهامات بهم وخاصة استخدام فزاعة التطبيع في غير محلها.

رابعا ً ، على جامعاتنا أن تظل مطلة ً ومطلعة ً على التغييرات والتطور الذي يتم في المجال الأكاديمي في إسرائيل وتواكبه وتحرص على أن لا يسبقها أو يتفوق عليها لأن في ذلك مصلحة للطالب الفلسطيني ليس بالقدس فقط بل وفي الداخل. والإهتمام بما يُدرس بالجامعات الإسرائيلية وإدخاله لمناهجنا يندرج في إطار التحديث والتطور لا الجمود في نفس المكان.

خامسا ً ، إن هناك ظاهرة مقلقة في القدس تحاول استغلال ضائقة المقدسيين التعليمية من خلال الإتجار بالعلم وفتح المعاهد والمؤسسات التعليمية التي لا تتوفر فيها أبسط المتطلبات ومع ذلك تغض الجهات الإسرائيلية النظر عنها لأنها تسهم في اجتذاب الطلاب المقدسيين للدراسة فيها بدلا ً من الجامعات الفلسطينية ، لأن الدراسة بالجامعات الفلسطينية تعزز ارتباط الطلاب الفلسطينين بشعبهم وثقافتهم وهمومهم الوطنية ، وعلى الجهات المختصة أن تولي هذا الموضوع ما يستحقه من اهمية.

سادسا ً ، إن إبقاء الصلة بين الطالب الفلسطيني المقدسي ومحيطه الوطني في الضفة الغربية يتطلب معاملة خاصة ومراعاة لظروف أهلنا بالقدس. ومن أجل هذا فإنني أطالب بأن تتحمل الجامعات الفلسطينية والسلطة الفلسطينية نسبة لا تقل عن 25% من الأقساط الجامعية تُقدم بشكل منح جزئية لكل طالب مقدسي دون استثناء يدرس في الجامعات الفلسطينية.

الشباب الفلسطيني بالقدس هم جزء أساسي من النسيج الوطني الفلسطيني وعلى السلطة الفلسطينية والجامعات الفلسطينية أن تبذلا كل جهد ممكن من أجل تحصينهم ودعمهم وتمكينهم من الصمود في القدس ومن أجل القدس ، ولا يجوز لأي كان أن يزاود على شبابنا في القدس بل عليه أن يُقدم لهم كل الإحترام والتقدير على صمودهم المذهل أمام آلة التهويد الضخمة التي تحاول عبثا ً انتزاع هويتهم وانتمائهم الوطني ، والذين أثبتوا ويثبتون في كل مناسبة بأنهم طلائع شبيبة هذا الوطن.

هذه عجالة عن بعض من هموم شبابنا في القدس ، ولها بقية ستأتي...

عن القدس الفلسطينية