د. حمزه ذيب مصطفي - النجاح الإخباري - في هذه الحلقة نواصل الحديث عن الأهداف والغايات التي من أجلها عمل على تسمين التنظيم الخطير، وتم تحضيره في مختبرات ومعامل الأجهزة الأمنية لدى الكثير من الدول والتي من مصلحتها أن يكون تنظيم إسلامي خطير في آرائه وبالتالي خطير في آثاره ومخرجاته ونتائجه المجتمعية والتربوية والسياسية. وهو تنظيم إسلامي ويحمل هذا الاسم المقدس ودولته هي " الدولة الإسلامية " ويحمل لواء الإسلام ويربط ثقافته وفلسفته وآراءه وقناعاته ثم سلوكه بعد ذلك بالإسلام كدين ومعتقد، وهو من الخطورة بمكان على الصعد المختلفة ، وتغدو محاربته مطلبا شرعيا وتربويا واجتماعيا وسياسيا، وشن الحرب عليه مشروع لا بل مطلوب إن لم يكن واجبا شرعيا، لا بل هو واجب شرعي.

إذن الأولى في كل الجهود أن تبذل في سبيل حربه، وعلى الطاقات كلها من نظم وشعوب أن تتوجه للتخلص من هذا الخطر العظيم الداهم. وهذا شغل وعمل وجهد على الجميع أن يتجه صوبه ويبذل كل ما في وسعه لمحاربته ومجابهته وصده ودحره ثم القضاء عليه. ومن هنا فليس هناك من واجب غدا أفضل وأوجب وأغلى وأعز منه. فعلى الشعوب أن تتوجه بقضها وقضيضها صوب هذا الهدف النبيل والغاية الجليلة وعليها - كنتيجة - أن تنسى سوى ذلك ولا يصح منها ولا يجوز لها أن ترفع شعارا غير هذا الشعار أو تخوض حربا أو مواجهة أو مجابهة سوى ذلك. بل لا يصح لها أن تفكر في شيء آخر سوى محاربة تنظيم " داعش " الخطير الشأن والذي يشكل بؤرة كبيرة للإرهاب المطلوب محاربته محليا وخارجيا، قطريا ودوليا. فهذه هي الحرب والمواجهة المقدسة لا شيء.

وهذا هدف عظيم وكبير من إنشاء هذا التنظيم في ظلال وأجواء ومناخات ومتطلبات الربيع العربي في الإصلاح. لأن الربيع العربي والذي ملخصه أنه ثورة الضعفاء على المتسلطين وثورة الفقراء والجياع على التخمة والسمنة وثورة الحرية والكرامة في وجه امتهان الإنسان العربي ومرمغة كرامته في التراب، وثورة الديمقراطية في وجه الدكتاتورية والظلم، ثورة العدالة وثورة التغيير نحو الأفضل والأحسن، حيث أفرزت ثورات الربيع العربي معطيات سياسية جديدة وأبان عن وجوه جديدة تصدرت نتائج هذه الثورات وهذه الوجوه وهذه التوجهات مرفوضة من قبل أصحاب المصالح والمنافع وعلى رأسها النظم المتسلطة على رقاب الشعوب الضعيفة. وإذا ما استمرت ثورات الربع العربي في الإصلاحات الداخلية فمعنى ذلك أن خارطة المنطقة السياسية قد تتغير بالكلية، وتتجه بوصلتها صوب ما يتعارض ومصالح هذه النظم. فلا بد من إشغال الشعوب في شيء آخر هو من الأهمية بمكان ولا يختلف عليه إثنان ألا هو الإرهاب الأعمى- كما يوصف ويصور - وقد تقلع عينه حتى يبدو هذا الإرهاب أعورا وقد تفقأ عيناه حتى يبدو أنه أعمى لا يهتدي سبيلا. وهذه إحدى وظائف الإعلام المأجور ووظائف الإعلام الموجه وذي الأغراض المحددة. فيظهر هذا الإعلام حبة القمح في تنظيم داعش أو في الدولة الإسلامية في العراق والشام على أنها بحجم الفيل. ويصغر الفيل حتى يبدو بحجم حبة القمح. هذه إحدى وظائف الإعلام كي يكبر السيئة حتى تبدو كجبل أحد ويصغر الحسنة العظيمة حتى تبدو كالبيضة. فالإعلام غير نزيه ولا موضوعية عنده. والشعوب غارقة في مشكلاتها الكثيرة من بطالة وظروف اقتصادية قاسية وشباب لا يلوي على أي مستقبل له في هذا الوطن الكبير، وسجون مشرعة الأبواب ليل نهار وحريات مقموعة وفساد مالي وإداري عريض، ومحسوبية ورشاوى ونفاق عبر مساحات كبيرة وإنسان مهدور الكرامة ومصادر الرأي ولقمة عيشه صعبة وقاسية ، فهل بوسع مثل هؤلاء الناس أن يقفوا على الحقائق من خلف الإعلام، ولديهم القدرة على إزالة الضبابية والغشاوة التي وضعها الإعلام على بصرهم وبصائرهم؟

وبتسمين هذا التنظيم الخطير " داعش " وتكبير صورة الإرهاب وتتبع تجاوزاته هنا وهناك وتلبسه أشياء لا علم له بها وإلصاق التهم هو منها براء وتضخيم سلبياته وتكبيرها حتى تغدو بحجم الجبال الرواسي وتركيز الإعلام على بعض الأمور والقضايا العاطفية والإنسانية من قتله للبعض - إن كان هذا صحيحاً، والإعلام مشكوك في حديثه وصدقه - فكل ذلك من أجل تشويه المشوه وتجريم المُجَرَّمْ فمما لا ريب فيه أن هذا التنظيم الإرهابي الخطير على المجتمعات والأفراد لا بد من التفرغ لحربه وهو الأولى من كل شيء في هذه الأيام وسيغدو بحق أو بغير حق أنه هو الأخطر وأنه هو الأولى في المحاربة والمواجهة من كل أمر آخر وشأن ثاني.

ونحن لن ندافع عن هذا التنظيم ولو بسطر ولن نوافقه على آرائه وفلسفته الفكرية ومنطلقاته ونتائجه الفقهية بحال. لكن نريد أن نسائل الإعلام الذي يجعل من قتل فرد هنا وفرد هناك أو مجموعة هنا أو مجموعة هناك من قبل هذا التنظيم - إن صح الخبر في ذلك - أين هذا الإعلام النزيه والإعلام المخلص والإعلام الموضوعي عن المجازر التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني كل يوم؟ أين هذا الإعلام عما يجري في غزة تجاه نسائها وأطفالها وحيال المسيرات السلمية العارية حتى عن الحجر من خلال ما يصنعه الاحتلال تجاههم وفي كل يوم من قتل وإزهاق أرواح؟

أين صوت الإعلام وأين صدق الإعلام في توجهاته ونزاهة رسالته في مواجهة مثل هذا الإرهاب القاسي جدا والخطير جدا حيال شعب أعزل ليس عنده شيء سوى الجوع والفقر والحصار المدمر؛ المدمر للبنى التحتية والمدمر للنفوس؟

أين هذا الإعلام المحايد وذي الأغراض النبيلة عما يجري للمسلمين الذين يحرقون وهم أحياء في مينيمار في دولة بورما؟ ألا يرى هذا الإعلام الدولة البوذية عبدة الأصنام والحجارة وهم يعملون سلاحهم قتلا في رقاب المؤمنين الموحدين؟ {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8].

ألا يصح لنا أن نقول بأن الإعلام لديه أكثر من مكيال وميزان؟ ألا تجعلنا مثل هذه التصرفات أن نشك ونشكك في نوايا الإعلام الذي يدعي الإخلاص في رسالته؟ نحن لسنا بصدد الدفاع عن تنظيم داعش - لا بل ولن يكون ذلك البتة - بقدر ما نحن بصدد أن نبين عن خفايا الإعلام وعن نواياه غير الحسنة، وعن عدم مصداقيته وبعده عن النزاهة بعد المشرقين. مما يجعل المواطن بالضرورة عارفا ومتنبها ويقظا وحذرا مما يلقى على مسامعه من وسائل الإعلام الموجهة وغير النبيلة في مقاصدها ومراميها.

ما يقال له الحرب على الإرهاب. أو ما يقال محاربة تنظيم " داعش " ما هو إلا بمثابة مجموعة قنابل دخانية تلقى أمام جمهور عريض من الناس. حتى تنتهي الأمور وتضيع الحقائق ويختلط الحابل بالنابل وتنعدم الرؤية الصحيحة. ما يقال له الحرب على الإرهاب. أو محاربة تنظيم " داعش " ما هو إلا بمثابة إلقاء عدد كبير من قنابل الغاز المؤذية جدا للعيون وسيئة الرائحة على مجموعة من المعارضة الحقة والمعارضة الصادقة من الناس الشرفاء والنظيفين والمخلصين.

في خضم الحرب الإعلامية المسمومة على الإرهاب وفي خضم الحرب المادية على التنظيم الإرهابي الخطير " داعش " والذي أصبح من الطول والعرض بمكان لن تبقى هناك مساحات لحرب شيء سواه، أو للوقوف في وجه شيء سواه. فيضيع الحابل بالنابل وسيختلط الحق بالباطل والصدق بالكذب والصواب بالخطأ ويختل نظام البوصلة الذي كان موجها قبل ذلك صوب وجهته السليمة والصائبة.

من هنا سينتهي شيء اسمه الربيع العربي أو ثورات التصحيح أو ثورات الضعفاء والفقراء والمظلومين والمسحوقين معهم والمخلصين. لم يبق شيء من المساحة لحركات تصحيحية من هذا النوع. وهذا يعني أن زوال الحال من المحال، وهذا يعني أن تبقى الأمور على ما هي عليه من الدكتاتورية والتسلط والظلم والفساد والتخلف والتيه والضياع والنفاق والمحسوبية.

محاربة تنظيم داعش تعني أن نقول بملإ لسان الحال الذي يغني عن لسان المقال: لا للتغيير ولا للنهج السليم ولا للديمقراطية ولا للإخلاص ولا للإسلام الحق، ولا لأية فئة مخلصة في مجتمعاتنا العربية.

محاربة تنظيم داعش تعني أن يبقى كل شيء على ما هو عليه لا تغيير ولا تبديل، وكل من سيفكر في هذا الإتجاه سيحل بدياره ما حل في العراق وسوريا من القتل والدمار والتهجير واللجوء والضياع. فيغدو الماضي الظالم والماضي الدكتاتوري والماضي المتخلف والماضي السيىء والماضي الفقير الجائع خير ألف مرة من الحاضر المدمَّر، والحاضر المشرِّد، والحاضر الخرب، والحاضر البائس، والحاضر المجوَّع، والحاضر الميت. ستقول الشعوب بلسان المقال وليس الحال: " عليك بالمنحوس لا يجي الأنحس منه". والبعض من المثقفين قد يقول حينئذ ما قاله الشاعر: عتبت على عمرو فلما فقدته وجربت أقواما بكيت على عمرو.

ويقول البعض: " عليك بالشيء حتى لا يأتي أسوأ منه". مسكينة مجتمعاتنا العربية، مسكينة شعوبنا العربية، يرثى لحالها من سوء ما حل بها وغدا المرض داء يتسلى به عن المرض العضال الفاتك. رغم أنه كله مرض وألم وسوء. لكن قد يقول أحدهم: " حنانيك بعض أهل الشر أهون من بعض، ويتساءل ويقول: هل نفر من الرمضاء إلى النار "؟

غير أننا نقول: من يعرف مثل هذه الحقائق ويصبر ويصابر أقل بؤسا وتعاسة وأهون الشرين ممن لا يعرف الحقائق ويصفق للباطل ويؤيد الباطل ويحارب الحق وأهل الحق ظنا منه أنه يحسن صنعا. " {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104]. هذه هي الكارثة والمعضلة. لأن الذي تنطلي عليه الحقائق ميئوس منه في سياسات الإصلاح والتغيير وبالتالي لا يعول عليه حينما يراد تغيير المعادلات نحو الأصوب والأعدل. من هنا قال صلوات الله عليه: " من برئ سلم لكن من رضي وتابع ". فالذي يبرأ من الباطل وأهله يسلم ويغنم إن لم يغنم ويسلم في الدنيا فهو من السالمين والناجين عند الله سبحانه من المساءلة والحساب والعقاب. أما الذي يرضى بالباطل ويشايع الباطل ويؤيد الباطل أو يصفق للباطل فهذا هو الذي على شفا جرف هار. فهذا هو المسئول والمحاسب والهالك عند الله سبحانه. فإن لم تكن مؤيدا للحق وأهله ومناصرا لهم فلا تكن مصفقا للباطل وأعوانه على أقل تعديل: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ: " لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ".

نقلا عن صحيفة القدس