النجاح الإخباري - تمتاز حركات الاخوان المسلمين، عبر تاريخها السياسي بوجود اقسام وتيارات مختلفة بين قياداتها بحيث تحمل فكرا دينيا وسياسيا متنوعا ما بين المتساهل الى الوسطي بلوغا الى المتشدد. وذلك لتتمكن اولا من استقطاب التعاطف الشعبي من حولها بغض النظر عن مدى التشدد او التسامح في فهمهم للنصوص الدينة. اما الهدف الثاني فيكمن في توزيع ادوار تلك القيادات تبعا لظروف الحال والواقع المناسب بحيث تبرز القسم او التيار الاكثر قدرة على التعامل مع تلك المعطيات. فعندما تكون الحركة اضعف من السلطة الحاكمة يطفو الجناح الوسطي والمعتدل على الواجهة الاعلامية، ويكون دوره الاساسي في ايصال رسائل التسامح مع الاخر، واطلاق حمائم السلام مع النظام. لكن  فور تمكن الحركة من السيطرة يبرز التيار الاكثر تشددا، ويبدأ في المقابل خفوت الصوت التسامحي، بحيث لا يعود هذا الاخير الا اذا شعرت الحركة بخطر على وجودها او احتاج الواقع ابرازه من جديد.  

في الواقع الفلسطيني يشهد المتابع لتصريحات القيادة في حماس منذ اعلان المصالحة الاخير انها منقسمة بين تيار او جناح الحمائم المرحب بتحقيق المصالحة، وجناح الثعالب المعارض بقوة لانجاح ملف المصالحة خوفا من انهاء مكتسباتهم الفئوية او الشخصية. وهذا القسم الاخير، والذي اثبت الواقع انهم الاكثر نفوذا، لم يكف يوما عن اصدار التصريحات و"التويتات" المستفزة بحق الحكومة والرئاسة على السواء. فهذا الفئة رغم كثرة تصريحاتها حول مختلف الملفات المتنوعة ما بين الرث والاجوف،  الا انها خلت من اي تصرح او حتى تلمح واحد بدعم المصالحة او الترحيب بها.  
التصريحات المتتالية ضد رئيس الوزراء وبشكل تصاعدي، من قبل هذا التيار الاخير في حماس، لم تقف منذ الاعلان عن اتفاق المصالحة الاخير في القاهره، حتى انها اخذت منعطفا جديدا من الانحطاط عبر تلاقي روايات الاحتلال التشويهية والهادفه الى ضرب العمق الفلسطيني مع روايات بعض تلك القيادات. فهذا التصاعد في توجيه سهام الحقد ضد رئيس الوزراء تزداد بشاعة وقذارة كلما تم تحقيق انجاز جديد من قبل الحكومة لصالح غزة واهلها الكادحين. 

فعلى سبيل المثال قام رئيس الوزراء فور ظهور افق المصالحة وقيام حماس بحل اللجنة الإدارية، استجابة للضغوط المصرية، بالتوجه الى غزة، في 2/10/2017. هذه الزيارة استقبلها حشد جماهيري عارم اثبت للجميع مدى تعطش اهلنا بغزة  للتعامل مع الحكومة الشرعية كونها القادر الوحيد على وقف النزيف الذي تتعرض له غزة منذ الانقسام. التفاعل الجماهيري العفوي ارعب تيار الثعالب، واشعرهم بان الشعبية التي تحضى بها حكومة الحمدة ستهدد مستقبلهم، فخرجت تصريحات البردويل بعد الزيارة باسبوعين لتقول ان  "شخصية رئيس الوزراء رامي الحمد الله غير مرغوبة لدى حماس لتولي أي حكومة فلسطينية قادمة..."!!

بالطبع هذا التصريح والذي لفظه الجمهور كشف منذ بداية المصالحة عن توجهات تلك الفئة الهادفه لمحاربة الحكومة وشخص رئيس الوزراء، خوفا من تمكن القيادة الفلسطينية من تحقيق الوحدة  وانهاء معانات اهلنا بغزة. لكن الحكومة لم تلتفت الى تلك التصريحات بل اسرعت بارسال ورزرائها وممثليها الى قطاع غزة للقيام بمهامهم وتولي مسؤولياتهم سعيا لتحقيق المصالحة الفعلية على ارض الواقع. قوبلت اجراءات الحكومة بالتضييق ورفض التعامل مع المسؤولين القادمين الى غزة، بل قامت حماس عبر ما يسمى ب "نقابة غزة" باستخدام البلطجة لمنع الموظفين الذين اعادتهم حكومة الوفاق من الدخول الى اماكن عملهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية. وهكذا بقيت حماس تستخدم بروباغندا الاعلام لتعلن انها حلت اللجنة الادارية، ولكنها على ارض الواقع تمنع الحكومة من القيام باي عمل داخل غزة

ورغم ذلك بقيت حكومة الوفاق بالسير نحو رفع المعاناة عن غزة والعمل على انهاء الانقسام، والمطالبة بتمكن الحكومة في غزة ليتسنى لها القيام بمهمها. ومع اقتراب نهاية عام 2017 اخذت افق المصالحة تضيق فاعلن رئيس الوزراء بناء على توجيهات من الرئيس بانه سيذهب لزيارة غزة للمرة الثانية لحل الخلافات وتوثيق المصالحة. في مواجهة ذلك الاعلان خرجت تصريحات القيادي في حماس احمد بحر بتاريخ 5/12/2017  وقبل زيارة رئيس الوزراء بيوم واحد ليقول ان حكومة الوفاق الوطني هي حكومة "بلا شرعية" ولا قانونية! هذه التصريحات التي تكشف عن شيزوفرينيا مطالبة حماس حكومة الوفاق بتوظيف جميع من عينتهم حماس وفتح صراف الي خاص لهم، تقوم من جهة اخرى بالتصريح، عبر احد ابرز قيادتها والنائب في مجلسها التشريعي بغزة، بان حكومة الوفاق هي غير شرعية!!.  

ما سبق من تصريحات بعض قيادات حماس الهجومية  على حكومة الوفاق، لم تمنع رئيس الوزراء من التوجه الى غزة، بل واعلانه فور وصوله هناك ان بوصلة الانتقاد يجب ان توجه الى اعداء الوحده والى دولة الاحتلال. ثم اكد على ذلك بقوله: "سنكرس المصالحة، وإن تعثرنا فسننهض من جديد بروح وثابة وعنيدة، لنتمكن معا من مواجهة التحدي الأكبر الماثل أمامنا وهو الاحتلال الإسرائيلي وضرورة إنهائه". 

تلى تلك الزيارة قيام كل جهة بتنفيذ ما يرتبه عليها ضميرها الوطني والاخلاقية، حيث استمرت الحكومة برئاسة الحمد الله ومن خلفه الرئيس بتثبيت المصالحة على الارض، فقامت الحكومة بتشكيل لجان فنية وقانونية للاسراع بانجاز المصالحة وترتيب المستلزمات المتعلقة بتمكين الحكومة لانهاء الانقسام ورفع المعانة عن غزة وتكريس العدالة الانتقالية وتفعيلها بشكل عملي وسريع. وفي المقابل استمرت تصريحات بعض قيادات حماس بالهجوم على الحكومة، وتعطيل المصالحة، والنيل من كل من يسعى جاهدا الى رفع المعاناة عن غزة واهلها. ففي مقابل كل انجاز او تقدم تحققه الحكومة في ملف رفع المعانة عن غزة واهلها، تزداد بشكل طردي عنف التصريحات من بعض القيادات في حماس على حكومة الوفاق بشكل عام وعلى رئيس الوزراء بشكل خاص. ولم تتوقف حملات الهجوم بين تصريحات بعض نواب حماس بغزة بوجب طرد ورحيل ومحاكمة حكومة الحمد الله، مرورا  بتصريحات مقبول وابو مرزوق بانه لا يوجد شيء اسمه تسليم او تمكين او تنازل، الى تصريحات الزهار غير المنتهية بالمطالبة باقالة الحكومة وعدم شرعية الرئيس.

ورغم ذلك اعلن رئيس الوزراء عن زياته الثالثه الى غزة بتاريخ 13/3/2018، والتي اتت متلازمة مع اعلانين هامين من قبل حكومة الوفاق، اولهما اعلان الموازنة للعام 2018 والتي اكدت فيه الحكومة استعدادها لتوظيف 20 الف من موظفي القطاع ممن عينتهم حماس، مما اثبت وبشكل حقيقي عزم الحكومة على انهاء الملف الذي بقي فريق من حماس يخرجه في وجه المصالحة كلما شعر باقتراب حل الانقسام. اما الاعلان الثاني فكان متعلق بهدف الزيارة الاساسي وهو افتتاح مشروع تحلية المياه، والذي يمثل انهاء للمعانة الكبيرة التي يعيشها القطاع باسره في موضوع المياه، من جهة، ويعبر من جهة اخرى عن مدى اهتمام الحكومة في رفع المعانة اليومية عن القطاع، والافق التي ستفتح لسكان القطاع في حال اتمام المصالحة. 

فالمياه والصحة والبيئة، والتي تقف كاحد اولويات الحكومة، اذا لم تاخذ حقها الان من الرعاية، فلن يكون هناك غزة ولن يكون هناك حياة لاجيال تاتي. وبذلك اثبتت الحكومة مرة اخرى ان الانقسام رغم تعطيله الحالي لاعمال الحكومة  الا انه  لا يعني في المقابل التخلي عن حل مشكلات المستقبل في غزة، بل وان البناء من قبل الحكومة سيبقى مستمرا حتى يعود الجزء الى حضن الكل فلا دولة في غزة ولا دولة دون غزة. كما ارادت الحكومة عبر مؤتمر الحشد في بروكسيل  الى ايصال رسالة للعالم- ليس فقط عن معانات اهلنا بغزة، بل- ان الحكومة مسؤولة عن الكل الفلسطيني، وان دولة فلسطين لها عنوان واحد وموحد، لا يمكن تجاوزه.  

بالطبع تلك التطورات السريعة والتي قامت بها الحكومة في خدمة القطاع كواجب ومسؤولية تقع على عاتقها، ارعب من كان يراهن على فشل المصالحة، واربك من سعى لافشالها خوفا على اجنداته غير الوطنية. فاراد ان يمنع هذا التسارع في تحقيق المصالحة من خلال وضع قنبلة تنسف جميع ما سبق تحقيقيه من تقدم، وتعيد الانقسام الى صورته الاولى. ورغم ما لحق برئيس الحكومة من خطر داهم على حياته الا انه اصر على السير الى الامام وعدم التراجع الى الخلف، فقام بافتتاح مشروع تحلية المياه، والقى كلمته كما كان مخطط لها، وكان شيئا لم يحدث، وبعد الانتهاء من كلمته عرّج على موضوع محاولة الاغيال بشكل سريع وهامشي ليرسل للجميع بان رسالته هي الوطن اولا، وان جميع المحاولات الهادفه لاسقاط تقدمه في تحقيق المصالحة تاتي على الهامش ولا تاخذ من وقته غير ثواني.  

هذا الحدث والذي تفاعل معه الشارع، بعكس ما راد من حاول اغتياله، رفع اسهم شعبيته وساهم في ازدياد الالتفاف من حول القيادة الفلسطينية، مما اغضب من عمل على ابقاء الانقسام، فاخذت التصريحات والمسرحيات ضد شخص رئيس الوزراء تنضح مرة اخرى بفساد ما في الاناء.  . 

لكن في الاسبوع الاخير لم تقف الحملة ضد رئيس الوزراء عند حدود المانعين لتحقيق الانقسام في قطاع غزة، بل تلقى هؤولاء دعما ومشاركة من قبل الاحتلال لتشويه رئيس الوزراء عبر بث اشاعات يعلم القاصي والداني عن مدى تفاهتها وفشلها. في المقابل استمرار رئيس الوزراء بتاكيده العملي على ان حكومته ملتزمة من جانب بالقرار السياسي الضاغط على انهاء الانقسام، وبانها ملتزمة في ذات الوقت بقرار الرئيس بعدم التخلي عن التزاماته الوطنية برفع معاناة غزة وتحقيق الوحدة. 

ثم اكد رئيس الوزراء يوم الاثنين المنصرم خلال مشاركته في حفل إطلاق واختتام المشاريع الزراعية الممولة من الاتحاد الاوروبي عن عدد من القضايا الهامة  منها ملف المصالحة الفلسطينية والتزامه بخدمة مواطني غزة الذين يمثلون اهم اولوياته. واكد على دعوة الرئيس بوجوب تمكين الحكومة لتحقيق الوحدة للتصدي للمؤامرة القرنية، ضد القضية الفلسطينة، ولمنع الاحتلال من تحقيق اهدافه بتفتيت الضفة وانهاك غزة، والقضاء على ملفي القدس واللاجئين. بل واثبتت كيف سيكون لتمكين الحكومة وانهاء الانقسام من اثر فعال في حل جميع الملفات الصعبة على القطاع ورفع المعاناة عن المواطن الغزواي.  

لكنه هذه المرة قام رئيس الوزراء اثناء كلمته بوضع النقاط على الحروف، وكشف الحقيقية التي لا يملك ردها من (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) فخرجوا من خلف تسترهم برداء العفة المصطنع وكشفوا سوءاتهم ليرها كل (مَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد). فواقع الحال اثبت عدم قدرة حماس على رفع معاناة غزة او تحقيق اي تقدم  حقيقي في هذا الجانب لاهلنا بغزة، او حتى بناء ولو مبنى واحد لخدمة المواطنين فيها. 

من بعد تلك الكلمة الموجزة لرئيس الوزراء عجز المتسترين خلف مصالحهم ببروباغندا الوطنية- والذين يدرفون دموع التماسيح على معانة غزة ليستمروا في تحقيق مصالحهم الشخصية او الفئوية الضيقة-  من القدرة على الرد، فتجنحو الى اعلام العدو الصهيوني واشتروا بها ثمنا بخسا في وعد شيطانهم بالربح (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورً). 

لقد هرع القيادي بحماس فوزي برهوم بالارتواء من بالوعة الاحتلال، وإعادة تدوير قاذورته، مستخدما موقعه وصفحته الخاصة، ليضع نفسه في ازمة كبيرة امام دنس ما ارتوى منه، دون حساب لمعنى الاخلاق او الالتزام بتعاليم الاسلام والاخلاق الحنيفة؛  فذلك استزله شيطانه فانسلخ عن ايات الله واتخذ شيطانه وليا. 

فرغم  كل ما سبق من تصريحات ضد شخص رئيس الوزراء، لم يتوقع احد ممن في قلبه ولو مقدار قشة من الاخلاق ان تنحدر مستوى التصريحات، الى تجاوز كل حدود الخلاف السياسي والقيم الاخلاقيه والدينية؛ او ان يستسهل مدعوا التدين الدخول باعراض الناس رغم علمهم الاكيد بانها محض افتراء، وانهم لا يملكون معها اي دليل سوى اشاعات الاحتلال. 

ان من يقفون موقف العدو في تسريب الاشاعات من اجل حزبهم او مصالحهم الضيقة، انما "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ". ذلك وصف الله لهم، ومن اصدق من الله قيلا. 

د. مؤيد حطَّاب

* كاتب وباحث فلسطيني، محاضر في كلية القانون