الدكتور ناجي صادق شرّاب - النجاح الإخباري - أستاذ علوم سياسية - غزة

الخيار النضالي الشعبي هو خيار الشعوب التي وقعت تحت نير الاحتلال من قبل قوى احتلال حكم سلوكها القوة المفرطة. وهو بكل دلالته السياسية خيار حضاري ديموقراطي يعكس واقعاً بين قوتين، الأولى قوة الشعب الذي لا يقهر، وهو صاحب حق ان يعيش مثل بقية شعوب العالم المتحررة الديمقراطية، وقوة دولة احتلال عسكرية ليس لها حق في إحتلال شعب آخر وسلب أرضه.

وبهذا المعنى العام هي رسالة لكل شعوب الأرض بما فيها شعب الاحتلال ان هناك شعبا مسلوبة حقوقه بفعل القوة العسكرية، وانه من منطق ثورة الحقوق ومناهضة التسلط والاستبداد وانتهاك الحقوق على شعوب العالم الحر الديمقراطية ان تتحرك وتضغط على حكوماتها المحتلة لتنهي هذا الاحتلال.

وهذا هو الهدف النهائي لمثل هذه المسيرات.

والرسالة الثانية أن الشعوب حية باقية لا يمكن استئصالها، والهدف هنا واضح ان هناك شعب فلسطيني له كل مقومات الشعوب، شعب حضاري، تاريخي يمارس ويشارك أبناؤه في عملية البناء الحضاري والسياسي ليس فقط على المستوى الداخلي بل على المستوى الحضاري العالمي. جوهر الفعل الشعبي ابراز البعد الإنساني، وحجم المعاناة التي يعانيها الشعب بفعل الاحتلال، والتركيز هنا على إبراز سلوكيات الاحتلال من قوة مفرطة، وغطرسة وعنصرية، وفي النهاية هذه السياسة ستجعل الاحتلال مكلفاً وثمنه عالياً، يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني الذي يقبع تحت الاحتلال لعقود طويلة، بل وجعله مكلفاً وثمنه مرتفعاً لدولة الاحتلال، وللشعب الاسرائيلي.

والنتيجة الحتمية النهائية هو إنهاء الاحتلال، وممارسة الشعب الفلسطيني لكافة حقوقه المدنية والسياسة كبقية الشعب، في إطار دولة سياسية مدنية ديموقراطية لا تشكل تهديداً لكل من حولها، ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن العالميين ونبذ العنف والإرهاب، والتفكير مستقبلاً عن حلول للتعايش المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحكم التلاصق الجغرافي والعيش على نفس المكان، والتعاون البشري بما يحقق الإزدهار والتطور. وهنا في هذه الصورة المثالية تستبدل ثقافة السلام والتعايش والقبول المشترك محل ثقافة الحقد والكراهية والعنف والقتل والإلغاء وعدم الاعتراف بالآخر.

هذا الخيار مارسته العديد من الشعوب كالشعب الهندي بزعامة المهاتما غاندي، هذا الرجل العجوز الضعيف، ولم يكن أحد يعرف أن في ضعفه هذا كانت قوة الهند وشعبها، وقوة أسلوبه، نجح في هزيمة أكبر إمبراطورية في العالم الا وهي بريطانيا.

والنموذج الثاني جنوب افريقيا بزعامة الملهم نيلسون مانديلا، وتبنيه أسلوب العصيان المدني والمقاومة السلمية بقيادة حزب المؤتمر، الذي نجح في تبيان العنصرية البغيضة التي تمارس على الأكثرية السوداء صاحبة الحق في الأرض، ضد الأقلية البيضاء المسيطرة والمتحكمة في مصادر الحياة.

هذه الصورة البغيضة من العبودية البشرية هي التي أجبرت العالم الحر على التحرك وممارسة الضغط على الأقلية البيضاء الحاكمة، وإنهاء هذه العنصرية بنظام سياسي ديموقراطي، ونموذج لممارسة الحقوق كافة، وصولاً لصيغة التعايش المشترك، هذه المسيرة احتاجت 99 عاماً من النضال السلمي الشعبي.

لذلك فإن أحد اهم مقومات الخيار السلمي الشعبي أنه يحتاج الى وقت طويل، واستمرارية وديمومة حتى يؤتي اكله، ويحتاج ثانياً الى مشاركة جماهيرية واسعة، وثالثاً يحتاج الى مشاركة ودعم إقليمي ودولي من قبل الشعوب والمؤسسات والمنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان، هذه المتطلبات كفيلة ان تسقط مقولات الإحتلال وتجعله يسعى هو للمطالبة بإنهاء احتلاله.

مسيرة الشعب الفلسطيني قد تكون الأولى في آلياتها وحجمها، وما يؤخذ على خيارات النضال الفلسطيني الإنقطاع بين الخيارات المتعددة لإنهاء الاحتلال واحياناً كثيرة غلبة الخيارات ذات البعد العسكري، والعمليات التي كانت تشكل رغم إظهار معاناة الشعب الفلسطيني مخرجاً ومبرراً لإسرائيل لوصم نضال الشعب الفلسطيني بالإرهاب.

ومما يؤخذ ايضاً على نضال الشعب الفلسطيني الذي لم ينقطع يوماً ضد الاحتلال غياب الديمومة والإستمرارية، وهنا التداعيات السلبية لتحديد الخيارات التي تركزت في المفاوضات فقط، دون دعم جماهيري سلمي.

ولنجاح هذا الخيار السلمي لا بد من توافر عوامل كثيرة: أولاً الابتعاد في أساليب التعبير عن كل ما له علاقة بالعنف والإرهاب،وترك إسرائيل تمارس قوتها المفرطة التي ستنقلب عليها، ورأينا ذلك في اعقاب سقوط 22 شهيداً مدنياً سلمياً عزلاً من السلاح.

وثانياً توفير البيئة السياسية والإجتماعية الحاضنة، وهنا لا بد من إنهاء الإنقسام الذي يعني استمراره إجهاض إنجازات المسيرة السلمية.

وثالثاً خلق الدعم الدولي والإقليمي وما ستفرضه المسيرة السلمية للشعب الفلسطيني.

هذا الخيار قد يكون متوازياً مع الخيارات الأخرى التي تفرضها القضية الفلسطينية من خيار للسلام والمفاوضات وتفعيل لخيار الشرعية والمسؤولية الدولية.

وفي النهاية فإن درس التاريخ الحتمي يشير الى أن لا شيء يقف أمام حركة الشعوب المناضلة من أجل الحقوق والسلام وإنهاء الاحتلال، لا يوجد احتلال انتصر على نضال ومقاومة شعب.

[email protected]